Wednesday, 9 April 2014

سلسلة الفقه الميسر- أول السلسلة - الأحكام التكليفية





سلسلة  في الفقه الميسر: أول السلسلة 

الأحكام التكلفية

هذه سلسلة جديدة في الفقه الأسلامي،الهدف منها تسهيل الوصول إلى العبادات التي هي أحب الأعمال إلى رب العباد ، وهي السبيل إلى تزكية النفوس ، وقد راعيت في هذه السلسلة الأخذ بما صح عن نبي الهُدى ، وما اتفق عليه أئمة الفقه عليهم رحمة الله ورضوانه أجمعين ، ومااختلفوا فيه فالترجيح من أقوال العلماء لقول عليه دليل أقوى من السنة أو فعل ، سأورد الدليل على كل حكم بإذن الله تعالى .
وقبل أن نبدأ في شرح أبواب الفقه بداية من باب الطهارة ، فيفضل أن نشرح مراتب الأحكام في الفقه الإسلامي ، ونبدأ بتعريف المقصود بالفقه في الشرع  ومراتب الأحكام التكليفية، ثم يليها مصادر التشريع في فقه الإسلامي، ثم نبدأ في شرح المسائل الفقيهية بداية من كتاب الطهارة .
فالله الموفق

الفقه في اللغة: الفهم ومعناه شرعا معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها من القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع والقياس الصحيح.

الأحكام الشرعية (التكليفية) 

الأحكام التكليفية تَنقسِم إلى خمسة أقسام، وهي 
:
1- الواجب ( أو الفرض ) 2- المستحب ( أو المندوب ) 3- المباح   4- المكروه  5- الحرام  

أولاً: الواجب :

وهو: ما أمَرَ به الشارع على وجه الإلزام ؛ مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والصدق في الحديث وأداء الأمانة ونحو ذلك.
ويُسمَّى الفرض والواجب والحَتم واللازم، وذهب جمهور العلماء إلى أن الفرض والواجب بمعنى واحد، بخلاف الأحناف، فهم يُفرِّقون بين الفرض والواجب.
حكم الواجب:
يلزم الإتيان به، ويُثاب فاعله، ويُعاقَب تاركه، زاد بعض العلماء امتثالاً.
أقسام الواجب:
يَنقسِم الواجب إلى عدَّة أقسام باعتبار بعض الأشياء؛ مثل:
1-                      باعتبار ذاته: يَنقسِم إلى قسمَين:
أ - واجب مُعيَّن، وهو الذي كلَّفه الشارع للعبد دون تخيير؛ كالصلاة والصوم.
ب - واجب مُبهَم، وهو الذي كلَّفه الشارع على التخيير مثل كَفارة اليمين، فيها تخيير بين أمور أي ما أتي منها أجزأه.
2-                       باعتبار فاعله: ينقسِم إلى قسمَين:
أ - واجب عَينيٌّ: وهو الذي يجب على كل مكلَّف أن يأتي به؛ كالصلاة والصيام، وهو ما طلَب الشارع فعله من كل المكلَّفين ولا يَسقُط عنه بفعل البعض.
ب - واجب كفائي: وهو ما طلب فعله من مجموع المكلَّفين؛ مثل الجنائز (من تغسيل وتكفين والصلاة على الميت ودفنه)؛ أي: إذا فعله البعض مَن تُسدُّ بهم الحاجة سقط عن الباقين .
 ومن أمثلته : تعلم العلوم والصناعات النافعة والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة أمر به الإسلام وكل ما فيه مفسدة خالصة أو راجحة نهى عنه ، قال تعالى : (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُ‌وا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ‌ مِن كُلِّ فِرْ‌قَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُ‌وا قَوْمَهُمْ إِذَا رَ‌جَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُ‌ونَ ) التوبة 122. ففي هذه الآية بيان على أن الجهاد ليس على الأعيان وأنه فرض كفاية ؛ إذ لو نفر الكل لضاع من وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد وليقم فريق يتفقهون في الدين ويحفظون الأطفال والنساء، حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع، وما تجدد نزول على النبي ، وكذلك يستخلص من الآية أن تعلم العلم الزائد عن ما لا يسع المسلم جهله هو أيضا فرض كفاية .  و الطائفة في اللغة هي الجماعة.
3-                      باعتبار وقت أدائه ينقسِم إلى قسمين:
أ - واجب مُطلَق أو موسَّع، وهو:  ما أمر الشارع بفعله دون تقييد بزمن محدَّد ، مثل كفارة اليمين والنفقة على الزوجة.
ب - واجب مضيَّق أو مقيد: وهو:  ما حدَّد الشارع وقتًا محددًا لفعله ؛ مثل وقت الصلاة، وصيام رمضان، والوقوف بعرفة.
4-                      باعتبار تقديره: يَنقسِم إلى قسمَين:
أ - واجب مقدَّر، وهو: ما حدَّده الشارع بقدر محدَّد؛ مثل: عدد ركعات الصلاة، ومثل أيام الصيام الواجب برمضان.
ب - واجب غير محدَّد، وهو: ما أمر به الشارع ولم يحدِّد له قدرًا معينًا؛ مثل: النفقة على الزوجة، والإحسان إلى الناس.

ثانيًا: المندوب:
لغةً: المدعو.،و هو : ما أمَر به الشارع لا على وجه الإلزام ولكن على وجه الإستحباب ؛ كالسُّنَن الرواتب.
ويُسمَّى: سُنَّة، ومسنونًا، ومستحبًّا، ونَفلاً، وقربة، ومرغوبًا فيه، وإحسانًا.
حكم المندوب:
يُثاب فاعله امتثالاً، ولا يُعاقَب تارِكه.
-     فضيلة المندوب:
أ- يُرفَع العبد إلى درجة عالية عند الله، والدليل قول الله  تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه) البخاري .
ب- أن يُكمِل التقصير الحاصل للواجب، والدليل حديث النبي أنه قال: (إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامَّةً كُتبَت تامَّةً، وإن كان انتقص منها شيء، قال: انظُروا هل تَجدون له مِن تطوُّع يُكمِل له ما ضيع من فريضة من تطوعه، ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك) أبو داوود وصححه الألباني
-     و المستحَبُّ وإن كان تاركه لا يعاقب في تركه جزءًا، فإنه قد يعاقب إذا تركه جملة:
مثاله: من واظَبَ على تركِ الوتر، فلا يُتصوَّر في مؤمن يَترُك كل المستحبات، قال الشاطبي وقَعَّدَ بذلك قاعدة وهي: "أن الفعل إذا كان مندوبًا بالجزء، فهو واجب بالكل"، وعلى هذا يُحمَل كلام الإمام أحمد وهو: "مَن ترَك الوتر، فهو رجلٌ سُوءٌ، ولا تُقبَل شهادته".
-     والمستحب مُتفاوِت الرتبة:
فأعلاه ما واظب عليه النبي ولم يتركه إلا نادرًا، كالسُّنَن الرواتب.
والثانية: ما فعله النبيُّ  أحيانًا وترَكَه أحيانًا؛ كصلاة الضُّحى.
والثالثة: ما كان فيه الاقتداء بالنبي من المشروبات والملابس، وتُسمى بالسُّنَن الزوائد.
ثالثًا: الحرام:
لغة: الممنوع.، وهو ما نَهى عنه الشارع على وجه الإلزام بالترك؛ كالزنا والسرقة والكذب وعقوق الوالدَين. ويُسمى محظورًا، أو ممنوعًا، أو معصيًة، أو ذَنْبًا.
حُكمه: يُثاب تاركه امتثالاً، ويَستحِقُّ العقابَ فاعلُه.
ألفاظ التحريم:
قال ابن القيم: "ويُستفاد التحريم من: النهي، والتصريح بالتحريم، والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل، ولفظة ما كان لهم كذا، ولم يكن لهم، وترتيب الحد على الفعل، ولفظة لا يحل، ولا يصلح، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله لا يحبه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يُزكي فاعله، ولا يكلمه، ولا ينظر إليه، ونحو ذلك ( من بدائع الفوائد – لابن القيم )
رابعًا: المكروه:
لغة: المُبغَض. وهو: ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام بالتركِ، كأكل البصل والأكل مُتكئًا، والنوم قبل العِشاء والحديث بعدها.
حكم المَكروه: يُثاب تاركه امتثالاً، ولا يُعاقب فاعله.
 مسائل في المكروه:
-        قد يأتي لفظ المكروه ولم يُقصَد به إثابة تاركه امتثالاً، فقد يأتي بمعنى الحرام؛ كما في قوله  تعالى: ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات: 7]، وكقوله  تعالى: ﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا[الإسراء: 38] .
-          المَكروه بالجزء يَحرُم بالكل، وليس للعبد أن يَتهاون بالمكروهات، فالإصرار على الصغيرة قد يَسير كبيرة.
-         كما أن المستحَب مقدِّمة للواجب، فإن المَكروه مقدمة للحرام؛ لأن من اعتاد المكروه هان عليه فعل الحرام.

خامسًا: المباح:
لغة: المُعلَن والمأذون فيه. وهو :ما خُيِّر المُكلَّف بين فعله وتركه، أو ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته، كالأكل في رمضان ليلاً. ويسمى:  حلالاً وجائزًا.
حكمه: ما دام على وصف الإباحة، فإنه لا يترتَّب عليه ثواب ولا عقاب.
ألفاظ الإباحة مثل: الإحلال، ورفع الجُناح، والإذن، والعفو، والتخيير.

وقد أباح الله لنا كل طيب نافع وحرم علينا كل خبيث أو ضار لأجسامنا وعقولنا وأموالنا رحمة بنا وإحسانا إلينا، قال الله تعالى: في وصف نبينا محمد : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )( الأعراف 157 )ـ
وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )( البقرة 172)ـ

حكم تعلم الفقه 

ويجب على كل مسلم مكلف أن يتعلم من الفقه كل ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته ليعبد الله عن علم،  وليكون على بصيرة من أمره وليفهم كيف يصلي؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف يحج وكيف يبيع وكيف يشتري؟ فلا يعذر أحد بالجهل لأن الله ركب فينا العقول وأرسل الرسول وأنزل القرآن وقامت حجة الله على عباده ومن لا يستطيع أن يتعلم فليسأل أهل العلم.
قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( النحل 43 )ـ
ويجب على المسلم أن يتعلم العلم ويتفقه في دين الله ثم يعمل به ويدعو إليه ويصبر
على ذلك قال تعالى:( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ( العصر )ـ  

فالعلم بما يجب لله على عباده فرض عين إما بقية أنواع العلوم كعلوم الصناعة والزراعة والطب والهندسة وعلم القضاء والإفتاء فهذه فرض كفاية.
وقال النبي : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) ( الحديث متفق عليه)ـ
ومفهوم الحديث أن من لم يرد الله به خيرًا أعرض عن طلب العلم النافع والعمل به فأصبح من الخاسرين

اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا حسن العمل بما علمنا، لترضى عنا يا رب العالمين

No comments:

Post a Comment