تدبر آيات من القرآن العظيم – الحزب
السابع عشر ج 2 – الآيات التي أيد الله بها موسى عليه السلام
من أعظم دلائل النبوَّة ما يؤتيه
اللهُ سبحانه وتعالى أنبياءَه
عليهم السلام من معجزات تخرق العادات، وتعطِّل نواميس الكون وسننه، ويعجز عن فعلها
سائر الناس؛ وذلك تأييدًا لهذا الذي أكرمه الله بالنبوة أو الرسالة، وتكريمًا له،
وشاهدًا وبرهانًا على صدق ما جاء به من البيِّنات والهدى.
فالمعجزة : هي أمرٌ خارقٌ للعادة، مقرون بالتحدِّي، سالم عن المعارضة، يُظهره
على يد النبي موافقًا لدعوته .
فكانت معجزة موسى عليه السلام مناسبة
لما غلب على قومه وبرعوا فيه، وهو السحر، فأبطل الله سحرهم، بما أجرى على يدي نبيه
عليه السلام، كما قال تعالى: (فوقع
الحق وبطل ما كانوا يعملون)[الأعراف:118]
وعجزوا عن معارضته مع خبرتهم وتفننهم في أنواع السحر.
تعالوا بنا
إلى تفصيل هذه المعجزات غير العصا واليد ، قي هذه الآيات من سورة الأعراف:
قال تعالى ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ
وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا
قَوْمًا مُّجْرِمِينَ( 133 )وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ
لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ
مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( 134 )فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم
بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ( 135 ) الأعراف
التفسير :
ثم إن موسى عليه السلام قد مكث في آل
فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين عاما. ، وقيل : عشرين
سنة، يريهم الآيات : الأخرى
التي أيده الله بها ؛ الجراد والقمل والضفادع والدم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى عدد معجزات
موسى عليه السلام الشامل، وهي تسع آيات كما جاء في سورة
الإسراء قوله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ
تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ ..)( الإسراء 101 ) كان
أولها وضمنها العصا واليد ثم تتالت الآيات بعدها كما جاء في هذه الآيات
التي نحن بصددها
1- فبسبب تكذيبهم لموسي وأذيتهم لبني إسرائيل وتعنتهم التزايد بعد
إيمان السحرة ، أرسل الله عليه الطوفان ، قال ابن عباس هي كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، وقيل هو الماء
والطاعون.
في اللغة : قال
النحاس : الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل؛ أي ما يطيف بهم فيهلكهم وهو المطر الشديد .
قال الأخفش : واحدته
طوفانة، وقيل : هو مصدر كالرجحان والنقصان؛ فلا يطلب له واحد، ولا يجمع.
ودام عليهم قيل سبعة أيام ، وقيل أربعين يوما ، ووصل الماء إلى
تراقيهم ( عظم الترقوة ) ولم يُصب نبي أسرائيل منه شيء، فلما آذاهم ، قالوا لموسى
: ادع لنا ربك يكشف عنا الضر فنؤمن بك، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا ،
وكان من تقدير الله من الإبتلاء أن أنبت هذا الماء الكثير أنبت من الزرع ما لم ينبت قبل ذلك ، فقالوا : كان
هذا الماء والسيل نعمة، ولم يكن نقمة ، فعتوا .
2- ثم كانت
الثانية، وبسبب عتوهم بعث الله عليهم الجراد، فأكل زرعهم وثمارهم حتى أنها كانت
تأكل السقوف من البيوت والأبواب حتى تنهدم ديارهم، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منها
شيء.
فائدة
في جواز قتل الجراد :
أجمع أهل الفقه على جواز قتل الجراد
إذا حل بأرض فأفسد؛وحجة الجمهور في ذلك بأن في تركها فساد الأموال، واحتج القليل بما روي عن أبي زهير
الثقفي عن رسول الله ﷺ قوله : ( لا تقْتُلُوا الجرادَ ، فإِنَّهُ مِنْ جنْدِ اللهِ الأعظَمِ) (حسنه الألباني في صحيح الجامع ) لعدم جواز قتله، وهو قول مرجوح، فقد
رخص النبي ﷺ بقتال المسلم إذا أراد أخذ مال؛ فالجراد إذا أرادت فساد الأموال
كانت أولى أن يجوز قتلها. وقد ثبت عن النبي ﷺ
الأمر بقتل الحية والعقرب، لأنهما يؤذيان الناس
فكذلك الجراد.
روى ابن ماجة عن جابر وأنس بن مالك أن النبي ﷺ كان إذا دعا على الجراد قال :(اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه
عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء)[
ضعفه الترمذي، والألباني ]
هل يؤكل الجراد؟
ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن أبي
أوفى قال: غزونا مع رسول الله ﷺ سبع غزوات كنا نأكل
الجراد معه. ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة، وأنه إذا أخذ حيا وقطعت رأسه
أنه حلال باتفاق. وإن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه، وإنما اختلفوا هل يحتاج إلى
سبب يموت به إذا صيد أم لا؛ فعامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك، ويؤكل كيفما مات.
وحكمه عندهم حكم الحيتان، وإليه ذهب ابن نافع ومطرف وذهب مالك إلى أنه لا بد له من
سبب يموت به؛ كقطع رءوسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يصلق أو يطرح في
النار؛ لأنه عنده من حيوان البر فميتته محرمة. وكان الليث يكره أكل ميت الجراد،
إلا ما أخذ حيا ثم مات فإن أخذه ذكاة. وإليه ذهب سعيد بن المسيب، وروى
الدارقطني عن ابن عمر أن رسول ﷺ قال : (أحل
لنا ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال). وقال ابن ماجة : عن أنس بن مالك يقول : كن أزواج النبي ﷺ يتهادين الجراد على الأطباق.
3- فعاد
القبط بعد أن ذاقوا العذاب والدمار حل بديارهم ، عادوا إلى وعودهم الكاذبة ، قالوا لموسى ما قالوا من قبل ، ادع
لنا ربك أن يكشف عنا هذا الأذى فنؤمن لك، فكشف عنهم ، وكان قد بقي من زرعهم شيء ،
فقالوا يكفينا هذا ولم يؤمنوا ، فبعث الله عليهم القُمَّل، وهو الحشرة
المعروفة وقال ابن عباس : القمل السوس الذي في الحنطة، وقال الحسن : دواب سود صغار. وقال أبو
عبيدة : الحمنان، وهو ضرب من القراد، واحدها حمنانة. فأكلت دوابهم
وزروعهم، وهو
نوع من الضِراب، فأكلت هذه الحشرة دوابهم و زروعهم ولزمت جلودهم كأنها الجدري
عليهم،
وذكر لي أن موسى عليه
السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها
فانثال عليهم قملاً، حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار ، فتضرعوا كعادتهم وتوسلوا ووعدوا ، فكُشف عنهم فلم يؤمنوا .
4- فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت فرشهم وأوعيتهم وطعامهم، قالوا بينما موسى عليه السلام عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع، فقال لفرعون:
ما تلقى أنت وقومك من هذا؟ فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتى كان
الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، وشرابهم ، فشكوا إلى موسى، وقالوا نتوب ، فدعا ربه فكشف عنهم، فما
تابوا ولا آمنوا .
وهنا ننوه إلى أنه قد جاء في الحديث عن أبي هريرة :( نهى رسول الله ﷺ عن قتل الصِرد
والضفدع والنملة والهدهد ) ( صحيح ابن ماجة )ـ
والصِرد هو طير صغير جدا ، وقد جاء أنه أول طير صام ، ولما خرج إبراهيم
عليه السلام من الشام إلى الحرم في بناء البيت كانت السكينة معه والصِرد ، فكانت
الصرد دليله إلى الموضع ، فنهى
النبي ﷺ عن قتل
الصرد لأنه كان دليل إبراهيم على البيت، وعن الضفدع لأنها كانت تصب الماء على نار
إبراهيم. ولما تسلطت على فرعون
جاءت فأخذت الأمكنة كلها، فلما صارت إلى التنور وثبت فيها وهي نار تسعر، طاعة لله.
فجعل الله نقيقها تسبيحا ،ويقال أنها أكثر
الدواب تسبيحاً. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: لا تقتلوا الضفدع فإن نقيقه الذي
تسمعون تسبيح .
وللفائدة
نورد هذا الحديث :
وخرج النسائي عن عبدالرحمن بن عثمان
أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند النبي ﷺ فنهاه النبي ﷺ عن قتله. قال عبدالرحمن بن عثمان
التيمي قال :
نَهى رسول الله ﷺ عَن قتلِ الضُّفدَعِ للدَّواءِ.(صححه الألباني ، في صحيح الجامع )
5- ولما عاد فرعون وقومه للعتو في الأرض والإفساد أرسل الله عليهم
الدم فسال النيل عليهم دما، وكان الإسرائيلي يغترف منه ماءً ، والقبطي الدم ، وكان
الإسرائيلي يصب الماء في فم القبطي فيصير دما ، والقبطي يصب الدم في فم الإسرائيلي
فيصير ماءً ، فسبحان الله عز وجل ، إذا أخذ الظالم فإن أخذه أليم شديد .
وقوله
تعالى
( آيات مفصلات ) اي مبينات ظاهرات واضحات ، قالوا بين الآية والأخرى أربعون يوما
، ومع كونها كذلك إلا أنهم استكبروا وترفعوا
عن الإيمان بالله تعالى ، كما قال تعالى عنهم ( وحجدوا بها واستيقنتها أنفسهم
ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) ( النمل 14 )
قوله تعالى: ( ولما وقع عليهم
الرجز) قيل في الرجز: أي العذاب. قال ابن جبير : كان طاعونا مات به من القبط في يوم واحد
سبعون ألفا. وقيل : المراد بالرجز ما تقدم ذكره من الآيات. ( بما عهد عندك) ما : بمعنى الذي، أي بما استودعك من العلم، أو بما اختصك به فنبأك، ( لئن كشفت عنا الرجز) أي بدعائك لإلهك حتى يكشف عنا. ( لنؤمنن لك) أي
نصدقك بما جئت به ( ولنرسلن معك بني إسرائيل) وكانوا يستخدمونهم؛ ( إلى أجل هم بالغوه) يعني
أجلهم الذي ضرب لهم في التغريق ( إذا هم ينكثون) أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم. ( فانتقمنا منهم
فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) واليم: البحر ( وكانوا عنها) أي
النقمة. دل عليها ( فانتقمنا) وقيل :
عن الآيات غافلين : أي لم يعتبروا بها حتى صاروا كالغافلين عنها.
اللهم عافنا واعف عنا ، وعاملنا بإحسانك ولا تبتلينا
اللهم
اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا ،
اللهم ذكرنا منه ما نسّينا ، وعلِّمنا منه ما جهلنا ،وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف
النهار على النحو الذي يرضيك عنا
No comments:
Post a Comment