تدبر آيات من القرآن العظيم – الحزب 17 – ج 3 – عاقبة التحايل على حكم الله
لقد قص
الله جل وعلا علينا في كتابه العديد من
القصص للعبرة والعظة، فكتاب الله هو المنبع للهدى والحق، فيه يجد المسلم النور
الذي يضيء له الطريق، ومنه يفوز بالقوة والخشية من الله، ومن أعرض عن هذا الصراط
فما هو بحي، ولو نما جسمه ونبض عرقه، بل هو ميت كما قال جل وعز:
( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [(122) سورة الأنعام]
ألا
وإن المرء المؤمن حينما يقرأ ويتأمل في معالم كتاب ربه بقلب غير لاه ولا مقفل ، هو
كمتعبد يغشى في مصلاه، ينهل من تلك القصص التي قصها الله علينا العبر والعظات بمن
كان قبلنا، وننظر إلى الأمور بعواقبها، وليس بمتعها الحالية والوقتية، فما كتاب
الله بكتاب لهو وتسلية، وما قص الله علينا هذه القصص للترفيه، إن هي أمثال يضربها
ربنا لنا، وما يعقلها إلا العالمون المتأملون المتفكرون فيها بقلب شهيد .
وفي سورة الأعراف قص الله تعالى كثير من قصص
الأمم السابقة ، ومنهم بني إسرائيل، مما يستحق التأمل ، وما زال يؤخذ كعبرة لمن
عمل عملهم، تعال نقرأ مصير من تحايل على
أحكام الله جل وعلا، ومن كان معهم مما يدعي الصلاح ولا يعمل به؛ قال تعالى:
( وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ
ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ
سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذٰلِكَ
نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ لِمَ
تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا
قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* فَلَمَّا نَسُواْ
مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا
ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ* فَلَمَّا
عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ* ) [163 –
166 سورة الأعراف]
إن حاصل معنى هذه الآيات في سورة الأعراف، هو أن
اليهود المعاندين لنبي الله الخاتم كبرا وحسدا من عند أنفسهم ، زعموا أن بني
إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لمِاَ أمروا به، فهم شعب الله المختار ، وهم
أبناء الله وأحباؤه بزعمهم ، وردا عليهم ،
وبيانا للحق ، وما هم عليه ، أمر الله
نبيه أن يسألهم على جهة التوبيخ لهم والتقريع عن هذه القرية، وهي على المشهور من
أقوال المفسرين قرية "أيلة" على شاطئ بحر القلزم بين مدين والطور، هذه
القرية أهلها من اليهود، وكانوا يعتدون في يوم السبت، ويخالفون شرع الله، حيث إنه
نهاهم عن الصيد فيه، وكان الله سبحانه قد ابتلاهم واختبرهم في أمر الحيتان بأن
تغيب عنهم سائر الأيام، فإذا كانوا يوم السبت جاءتهم في الماء شُرّعا مقبلة إليهم
مصطفة، فإذا كان ليلة الأحد غابت بجملتها، فكانت هذه فتنة عظيمة لهم ، يريدون
الصيد للاكل والبيع والربح ، وقد أمروا إلا يصيدوا في هذا اليوم وذلك وأضر بهم، فتفتقت
أذهانهم عن الحيلة يحجزوا الحيتان إذا أتتهم يوم السبت في حفر ، ولا يأخذوها إلا
يوم الأحد ، وزين لهم الشيطان المعصية وهونها عليهم فهي حيلة وهم لم يفعلوا الحرام
مباشرة ، فصاروا يحفرون حفراً يخرج إليها ماء البحر على أخدود، فإذا جاءت الحيتان
يوم السبت وكانت في الحفرة ألقوا فيها الحجارة فمنعوها من الخروج إلى البحر، فإذا
كان الأحد أخذوها، حتى كثر صيد الحوت، ومُشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده
بعد ان كانوا في أول أمرهمم يخفونها ، فلما انتشرت وزاد الربح هان عليهم المجاهرة
فيها بل والمفاخرة ، فنهضت فرقة منهم ونهت عن ذلك، وجاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة
أخرى لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين:
(وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ لِمَ
تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا)
فكان الجواب العدل : ( قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*)
أجل نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر لانه واجب
علينا وإن لم يستجيبوا لنا ، فعتذر إلى الله أننا نهينا عن المنكر ، ولا ندري لعل
الله أن يهدي بنا أحد منهم
فلما لم
يستجب العاصون، أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون،
( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ
أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ
بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ )
فنص
سبحانه على هلاك العاصين ، ونجاة الناهين ، وسكت عن الساكتين عن المنكر، فهم لا
يستحقون مدحاً فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا.
انظروا معي كيف حال الصحابة مع قصص القرآن ، كيف أنهم لا يمرون عليها مرور الكرام ، بل يبحثون عن حالهم ، من أي الفرق نحن ، روى ابن جرير بسنده عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما، والمصحف في حجره وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداءك؟ فقال: هؤلاء الورقات، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: ويلك، تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت: تلك أيلة، فقال ابن عباس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت، نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع قوله: ( فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ) قال: فسرّي عنه وكساني حلةً".( اي أنه ذكره بأن العذاب أخذ الذين عتوا عما نهوا عنه ، وليس الفرقة الساكتة )
من أهم العبر في آيات سورة الأعراف أنه ينبغي على أهل العلم وذوي الإصلاح أن يقوموا بواجب النصح والوعظ في إنكار المنكرات، على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، ولا يمنعهم من التمادي على الوعظ بالأمر والنهي والإصرار عليه، لا يمنعهم عدم القبول من المخالف؛ لأنه فرضٌ فرضه الله قُبل أو لم يُقبل، وأن هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبذلك تكون المعذرة إلى الله، وبذلك يدفع الله البلايا عن البشر:
انظروا معي كيف حال الصحابة مع قصص القرآن ، كيف أنهم لا يمرون عليها مرور الكرام ، بل يبحثون عن حالهم ، من أي الفرق نحن ، روى ابن جرير بسنده عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما، والمصحف في حجره وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداءك؟ فقال: هؤلاء الورقات، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: ويلك، تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت: تلك أيلة، فقال ابن عباس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت، نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع قوله: ( فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ) قال: فسرّي عنه وكساني حلةً".( اي أنه ذكره بأن العذاب أخذ الذين عتوا عما نهوا عنه ، وليس الفرقة الساكتة )
من أهم العبر في آيات سورة الأعراف أنه ينبغي على أهل العلم وذوي الإصلاح أن يقوموا بواجب النصح والوعظ في إنكار المنكرات، على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، ولا يمنعهم من التمادي على الوعظ بالأمر والنهي والإصرار عليه، لا يمنعهم عدم القبول من المخالف؛ لأنه فرضٌ فرضه الله قُبل أو لم يُقبل، وأن هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبذلك تكون المعذرة إلى الله، وبذلك يدفع الله البلايا عن البشر:
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا
مُصْلِحُونَ) [117 سورة هود]
ولم يقل ربنا سبحانه وتعالى: وأهلها صالحون، فإن
مجرد الصلاح ليس كفيلاً في النجاة من العقوبة الإلهية الرادعة، بل قال
(وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، فلا بد أن يعمل الصالح لينجو من الإثم ، وينجو من معه
،لا بد أن يكونوا صالحون ومصلحون .
ولأجل
ذلك قال النبي ﷺ : (لا إله إلا الله، ويل
للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)
وحلّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت
جحش: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟
قال: (نعم إذا كثر الخبث) [رواه البخاري ومسلم].
إن المعاصي والمنكرات هي الداء العضال، الذي به خراب المجتمعات وهلاكها، وإن التفريط في تغيير المنكرات ومكافحتها والقضاء عليها من أعظم أسباب حلول العقاب ونزول العذاب، يقول النبي ﷺ (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب) [رواه أبو داوود وغيره].
إن المعاصي والمنكرات هي الداء العضال، الذي به خراب المجتمعات وهلاكها، وإن التفريط في تغيير المنكرات ومكافحتها والقضاء عليها من أعظم أسباب حلول العقاب ونزول العذاب، يقول النبي ﷺ (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب) [رواه أبو داوود وغيره].
وكتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- إلى
بعض عماله أما بعد: "فإنه
لم يظهر المنكر في قوم قط ثم لم ينههم أهل الصلاح بينهم إلا أصابهم الله بعذاب من
عنده أو بأيدي من يشاء من عباده، ولا يزال الناس معصومين من العقوبات والنقمات ما
قُمع أهل الباطل واستُخفِيَ فيهم المحارم".
وإن عدم التناهي بين المسلمين من أعظم أسباب اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة أرحم الراحمين، يقول النبي ﷺ (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض )
وإن عدم التناهي بين المسلمين من أعظم أسباب اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة أرحم الراحمين، يقول النبي ﷺ (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض )
ثم تلا ﷺ:
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى
لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ
يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا
كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [(78 - 79) سورة
المائدة]
ثم قال ﷺ : (والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم
ولتأطرنّه على الحق أطراً ولتقصرنّه على الحق قصراً أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم
على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم) [رواه
أبو داوود والترمذي].
أن من استقام على شريعة الله استحق من الله الكرامة والرضوان، ومن
حاد عن سبيل الحق والهدى باء باللعن والخيبة والخسران.
اللهم أنا نسألك الثبات على دينك الحق حتى نلقاك وأنت
راض عنا
No comments:
Post a Comment