سلسلة الفقه الميسر – الدرس الرابع ( 4 ) الأعيان النجسة
واليوم
نبين لكم ما هي الأعيان ( الأشياء )النجسة
، وهو أمر من الضروري التعرف عليه لأن الطهارة شرط من شروط ممارسة العبادات
ويصح
ان نبدأ فنبين حقيقة فقهية وهي : و إن كل شيء طاهر أصلا ما لم تثبت نجاسته بالدليل، ويسمى هذا مبدأ الإستصحاب.
ولتوضيح ذلك نقول : أي أنه إذا سال سائل:هل التراب طاهر أم نجس؟
نقول: هل هناك دليل على أنه نجس من الكتاب أو السنة ؟ فإن كان الجواب : لا يوجد دليل،
فنقول : إذاً فهو طاهر، فلا يلزم دليل على طهارته إلا كونه لا دليل على نجاسته .
إذا استقر ذلك فلنبدأ بتعداد ما شذ عن الأصل وهو الطهارة، وثبت أنه نجس،
وإليكم التفصيل :ـ
الأعيان النجسة:
النجس لغة: كل مستقذر
وشرعاً: كل مستقذر يمنع
صحة الصلاة: كالدم والبول ( وهنا نؤكد على أننا في حياتنا اليومية نطلق على أشياء متسخة
بالتراب على أنه قذر ، وهو وإن كان كذلك – متسخ أو ملوث – لكنه ليس بنجس ، فهناك فرق بين
الإتساخ وما نطلق عليه الوساخة بلغتنا ، وبين النجس ، فالتراب على الملابس قذارة ،
والمخاط من الأنف ، والألوان وعصير يلوث الثياب كل هذا يغسل للتجمل والعناية
بالمظهر، ولكنه ليس بنجَس )ـ
والأعيان النجسة يمكن جمعها
في سبعة مجموعات هي :ـ
1ـ بول الإنسان وغائطه، وبول الحيوان وفرثه:
روى البخاري ومسلم أن
أعرابياً بال في المسجد، فقال رسول الله: ( صُبُّوا عليه ( أي على بوله )ـ ذنوباً من ماء" أي
دلواً، والأمر بِصبِ الماء عليه دليل نجاسته .
يستثنى من ذلك بول
الحيوان المأكول اللحم وفرثه
ودليل ذلك :ـ رَوَى
البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُرَيْنَةَ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ ، فَقَالُوا : إِنَّا
قَدِ اجْتَوَيْنَا الْمَدِينَةَ ، وَعَظُمَتْ بُطُونُنَا وَارْتَهَسَتْ
أَعْضَاؤُنَا ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ الله ﷺ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِي الإِبِلِ فَيَشْرَبُوا
مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، فَلَحِقُوا بِرَاعِي الْغَنَمِ فَشَرِبُوا
مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، حَتَّى صَلُحَتْ بُطُونُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ..)ـفأمره
ﷺ لهم بشرب أبول الإبل دليل على طهارته ، ويقاس عليه كل مأكول اللحم
من الأنعام .
كما أننا نستخدم روث
الحيوانات المأكول لحمها في تسميد الزرع المأكول، ولو كانت نجسة لم يصح أكل الزرع
الذي نبت منها.
ويستثنى بول الصبي
الذي لم يأكل إلا اللبن ولم يبلغ سنه حولين، ودليل كونه غير نجس أنه يكفي رشه بالماء، بحيث يعم الرش جميع موضع البول
إذا أصاب مكان أو ثياب ( بعض الفقهاء
يعتبره نجس نجاسة مخففة )ـ
روى البخاري ومسلم
وغيرهما: عن أم قيس بنت مِحْصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام، إلى رسول الله ﷺ فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
[فنضحه: رشه بحيث عم المحل بالماء وغمره بدون سيلان ]ـ
2ـ كل جزء انفصل أو
قطع من الحيوان وهو حي فإنه نجس.
قال رسول الله ﷺ: "ما قطع
من بهيمة فهو ميتة" [رواه
الحاكم وصححه]ـ أي إذا قُطع من حيوان حي جزء كرجل ، أو يد .. فهذا الجزء يعتبر نجس
ويستثنى من ذلك شعر ووبر وريش وناب الحيوانات
المأكول اللحم فإنه طاهر. قال تعالى:ـ (..ومِنْ
أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ) [سورة النحل:80]ـ
فشعر الحيوان يُقص عنه وهو حي ، ولا يكون نجساً بل طاهر يمكن استخدامه في كل شيء.
3ـ الميتة: وهي كل
حيوان مات بغير ذكاة شرعية ، قال
تعالى: (حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ..)ـ
[المائدة: 3). وتحريمها إنما كان من
أجل نجاستها.
ما يستثنى من نجاسة
الميتة:
ويستثنى من نجاسة الميتة ثلاثة أشياء:ـ
الأول- ميتة الإنسان: قال تعالى:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70]ـ
ومقتضى تكريمه أن يكون الإنســان طاهراً حياً وميتاً. وقال رسول الله ﷺ : "سبحان الله إن المسلم لا ينجس"ـ [رواه البخاري ]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما " المسلم لا ينجس حياً وميتاً" [رواه البخاري تعليقا في الجنائز ]ـ
والثاني والثالث ـ السمك والجراد:
قال رسول الله ﷺ: "أحلت لكم
ميتتان ودَمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال " [رواه ابن ماجه]ـ
الرابع : الميتة
التي لا نفس لها سائلة أي لا دم لها من نفسها إذا وقعت في مائع كالذباب،
والنحل، والنمل( الحشرات وما في طبقتها ) شريطة أن تقع بنفسها، ولم تغير المائع
الذي وقعت فيه
روى البخاري
عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله ثم يطرحه، فإن في
أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء". ووجه
الاستدلال: أنه لو كان ينجسه لم يأمر بغمسه. وقس بالذباب كل ما في معناه من كل
ميتة لا يسيل دمها.
4ـ لعاب الكلب وجميع جسم الخنزير: قال رسول الله ﷺ: " طهور إناء
أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" [رواه مسلم]. [ولغ: شرب]ـ
وقيس عليه الخنزير لأنه أسوأ حالاً منه ولقوله ﷺ: ( إِنَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَام
) ( البخاري ومسلم ) ـ
5ـ الدم السائل ومنه
القيح: قال تعالى: (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا
عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا
أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا) [سورة الأنعام 145]ـ
ويستثنى من نجاسة الدم:أولا : الكبد والطحال: لقول
رسول الله ﷺ: "أحلت لكم
ميتتان ودَمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال " [رواه ابن ماجه]ـ
ثانيا : دم الآدمي ما لم يخرج من السبيلين ، لأن ميتة الآدمي طاهرة ، فيكون دمه طاهر كحيوان البحر، ومن باب
أولى دم الشهيد – فقد دفن النبي ﷺ شهداء أحد بجراحاتهم ودمائهم -
فدم وقيح الجروح ولو كان كثيراً من الآدمي ليس بنجس، شريطة أن يكون من الإنسان نفسه، وأن لا يكون بفعله وتعمده، وأن
لا يجاوز محله المعتاد وصوله إليه.
ثالثا : المسك ووعائه ( وهو
دم متجمد يتجمع في كيس يسمى فأرة المسك في ذكر غزال المسك وهو أجود أنواع المسك،
او عند سرة أثنى الغزال)ـ
رابعا: والدم الباقي في اللحم والعروق من الأنعام بعد الذكاة
الشرعية
6ـ الخمر وكل مانع مسكر[ وقد اختلف في نجاستها ، مع الإتفاق على حرمة شربها وتعاطيها ،
والذين قالوا بنجاستها يستدلون بقوله تعالى: (إنما الخمرُ والمَيْسِر والأَنْصابُ والأَزلام رجس مِنْ عَمَلِ الَّشيْطان )[ المائدة 90] فوصفها بالرجس :أي نجس ، وقال رسول الله ﷺ: ( كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) [ رواه مسلم ]ـ
[ والراجح الأصح: أن الخمر ليس بنجس، لعدم
الدليل على نجاسته ( ابن عثيمين )]
ودليل الذين قالوا
بطهارة الخمر طهارة حسيّة، أي أن الخمر نجس نجاسة معنوية لا حسية
-أولا: فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة
المائدة ذلك الرجس بقوله
(رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فهو رجس عملي وليس رجساً عينياً ذاتياً، بدليل
أن الله تعالى قال: ( إنما الخمرُ
والمَيْسِر والأَنْصابُ والأَزلام رجس..) المائدة 90
ومن المعلوم أن الميسر
والأنصاب والأزلام نجاستها معنوية وليست حسية ، فقرن هذه الأربعة الخمر والميسر
والأنصاب والأزلام في وصف واحد دليل على أنها أن تتفق فيه، فإذا كانت الثلاثة
نجاستها نجاسة معنوية، فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان
- ثانيا: قالوا أيضاً: إنه ثبت أنه لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم ولا يجوز
- ثالثاً: قالوا أيضاً: إن الرسول ﷺ لما حُرمت الخمر، لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت.
- ثانيا: قالوا أيضاً: إنه ثبت أنه لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم ولا يجوز
- ثالثاً: قالوا أيضاً: إن الرسول ﷺ لما حُرمت الخمر، لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت.
فالحاصل أن الأصح أنها غير نجسة بعينها، ويمكن استخدامها لتطهير
الجروح والأدوات وغيرها ، ولكنها محرم شربها بدون أي شك في ذلك، ولا خلاف. والله
أعلم.
No comments:
Post a Comment