Sunday 4 January 2015

تفسير ميسر – وربط للآيات وبيان المتشابهات سورة الزخرف ج 3






 سورة الزخرف-  ج 3

 في هذا الجزء من السورة يسلي الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يضرب  مثلين من الرسل قبله جاءوا بالحق والتوحيد لأقوامهم ،فكذبوهم واستهزءوا بهم ...


قال جلَّت عظمته: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ؟ أي ليس ذلك إليك، إنما عليك البلاغ، وليس عليك هداهم، ثم قال تعالى { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } أي لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت، { أَوْ نُرِ‌يَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُ‌ونَ }  أي نحن قادرون على هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله حتى أقرّ عينه من أعدائه، وحكّمه في نواصيهم، واختاره ابن جرير، وقال قتادة: ذهب النبي وبقيت النقمة، ولن يُرِيَ اللّهُ تبارك وتعالى نبيَّه في أُمته شيئاً يكرهه، حتى مضى ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أُمته إلا نبيكم ، قال: وذكر لنا أن رسول الله أري ما يصيب أُمته من بعده، فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه اللهُ عزَّ وجلَّ ""رواه ابن جرير عن قتادة رضي اللهُ عنه""، ثم قال عزَّ وجلَّ: { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك، فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق، المفضي إلى صراط اللهِ المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم. ثم قال جلَّ جلاله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ‌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ  }، قيل معناه لشرف لك ولقومك، وفي الحديث: (إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبَّه اللهُ تعالى على وجهه ما أقاموا الدين) "أخرجه البخاري عن معاوية رضي الله عنه"، ومعناه أنه شرف لهم من حيث أنه أنزل بلغتهم، فهم أفهم الناس له، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به، وأعملهم بمقتضاه، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلّص، من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم، وقيل معناه {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ‌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } أي لَتذكيرٌ لك ولقومك، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم، كقوله تعالى: { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون} والكتاب ليس لهم وحدهم ، وفيه ذكر غيرهم أيضاً، { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } ، أي عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له. وقوله سبحانه وتعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْ‌سَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّ‌سُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّ‌حْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }؟ أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه، من عبادة اللهِ وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّ‌سُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ  وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ( النحل 35)
يقول سبحانه : مخبراً عن عبده ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام { وَلَقَدْ أَرْ‌سَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْ‌عَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَ‌سُولُ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ } أنه ابتعثه إلى فرعون { وَمَلَئِه} ، من الأمراء والوزراء والقادة والأتباع من القبط وبني إسرائيل، يدعوهم إلى عبادة اللهَ وحده لا شريك له،وأيده ربه { بِآيَاتِنَا } فبعث معه آيات عظاماً؛ كيده وعصاه، وما أرسل معه من الطوفان والجراد والقمَّل والضفادع والدم، ومن نقص الزروع والأنفس والثمرات، {فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والانقياد لها، وضحكوا ممن جاءهم بها، { وَمَا نُرِ‌يهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ‌ مِنْ أُخْتِهَا } كانت آيات موسى من أكبر الآيات، وكانت كل واحدة أعظم مما قبلها. { وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْ‌جِعُونَ } ، ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضلالهم، وجهلهم وعن تكذيبهم لموسى عليه السلام، وكلما جاءتهم آية من هذه الآيات يضرعون إلى موسى عليه السلام، ويتلطفون له في العبارة بقولهم: { وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ‌} نادوه بـ (السَّاحِرُ‌) بما كانوا ينادونه به من قبل ذلك على حسب عادتهم ، وقيل معناها :أيها العالم قاله ابن جرير وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه ، كانوا يسمون العلماء سحرة فنادوه بذلك على سبيل التعظيم،  فليس قولهم ذلك على سبيل الانتقاص، وإنما هو تعظيم في زعمهم كما قال ابن كثير ، وقيل : يا أيها الذي غلبنا بسحره؛ يقال : ساحرته فسحرته؛ أي غلبته بالسحر؛ ويحتمل أن يكون أرادوا به الساحر على الحقيقة على معنى الاستفهام، فلم يلمهم موسى على ذلك رجاء أن يؤمنوا.
{ ادْعُ لَنَا رَ‌بَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي دع لنا ربك بما أخبرنا عن عهده إليك إنا إن آمنا كشف عنا؛ فسله يكشف عنا { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } أي فيما يستقبل سنهتدي، { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ } أي أنه في كل مرة يدعو فيكشف الله عنهم العذاب ثم؛ { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } أي ينقضون العهد على أنفسهم فلم يؤمنوا. وقيل : قولهم: { إننا لمهتدون} إخبار منهم عن أنفسهم أنهم مؤمنين ؛ فلما كشف عنهم العذاب ارتدوا. قوله تعالى: { وَنَادَىٰ فِرْ‌عَوْنُ فِي قَوْمِهِ }  قيل : لما رأى تلك الآيات خاف أن يميل القوم إلى موسى من عظم الآيات، فجمع قومه فقال : فنادى بمعنى قال، أو يجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك فيما بينهم لينشر عنه في جموع القبط؛ وكأنه نودي بينهم. وقيل : إنه أمر من ينادي في قومه؛ قاله ابن جريج { قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ‌ } أي لا ينازعني فيه أحد. قيل : إنه ملك منها أربعين فرسخا في مثلها،{ وَهَـٰذِهِ الْأَنْهَارُ‌ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِي } يعني أنهار النيل، ومعظمها أربعة : نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس. وقال قتادة : كانت جنانا وأنهارا تجري من تحت قصوره. وقيل : من تحت سريره. وقيل معنى: { وَهَـٰذِهِ الْأَنْهَارُ‌ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِي } أي القواد والرؤساء والجبابرة يسيرون من تحت لوائي؛ قاله الضحاك. وقيل : أراد بالأنهار الأموال، وعبر عنها بالأنهار لكثرتها وظهورها. وقوله: { تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِي } أي أفرقها على من يتبعني؛ لأن الترغيب والقدرة في الأموال أوقع وأهم من الأنهار، { أَفَلَا تُبْصِرُ‌ونَ } عظمتي وقوتي وضعف موسى. وقيل : قدرتي على نفقتكم وعجز موسى.
ثم صرح بحاله فقال: { أَمْ أَنَا خَيْرٌ‌ مِّنْ هَـٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }  قال أبو عبيدة السدي {أم} بمعنى:  بل  وليست بحرف عطف؛ على قول أكثر المفسرين. والمعنى : قال فرعون لقومه: بل أنا خير أو بمعنى: ا ألست خيرا من هذا{ الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } أي لا عزة  له ، حقير، ضعيف، وقال ابن جرير: يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال، { وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } يعني عييّ اللسان حصر، ولا يكاد يُفْهم كلامه، وقال سفيان: يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغيرثم قال : { فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَ‌ةٌ مِّن ذَهَبٍ }  وهي ما يجعل في الأيدي من الحُليِّ ،{ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِ‌نِينَ } أي يكتنفونه خدمة له، ويشهدون بتصديقه، وفرعون هنا يدلس عليهم ، ولهذا قال تعالى: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له ذلك { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } ، قال اللّه تعالى: { فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَ‌قْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ، قال ابن عباس: { آسَفُونَا } أسخطونا، أو أغضبونا ،روى ابن أبي حاتم، عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه قال: (إذا رأيتَ اللهَ تعالى يُعطي العبدَ من الدنيا ما يُحبُّ،وهو مقيمٌ على معاصِيه ؛ فإنَّما ذلك منه استدراجٌ) ثم تلا { فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَ‌قْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} صححه الألباني في صحيح الجامع ، وقوله سبحانه وتعالى: { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِ‌ينَ } قال أبو مجلز: { سلفاً} سنَّ لهم سنة ، لمثل من عمل بعملهم، { وَمَثَلًا } أي عبرة لمن بعدهم.
تنبيه:
وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد، فهو ينظر إلى موسى بعين كافرة شقية، وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء، في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب، وليس بمهين ولا حقير،  بل هو المهين الحقير، وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد، وهو ليس بعيي فهذا افتراء أيضاً، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة، فقد سأل الله عزَّ وجلَّ أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك وقال له :{ قد أوتيت سؤلك يا موسى} ( طه 36) ،وبفرض أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته كما قاله الحسن البصري، وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء، ووقد تمادي فرعون في التلبيس عليهم بأن قال مستخفا : لول أنزل إليه أسورة ...، وهو إنما نظر إلى الشكل الظاهر، ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم، ولكنة استخف عقول قومه فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له لأنهم كانوا قوما فاسقين.
عودة للتفسير:
يقول تعالى مخبراً عن تعنت قريش في كفرهم وتعمدهم العناد والجدل: { وَلَمَّا ضُرِ‌بَ ابْنُ مَرْ‌يَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } . قال ابن عباس أي يضحكون أعجبوا بذلك كانه انتصار لهم، وقال قتادة: يجزعون ويضجون استهجانا واستغرابا من القول. وقوله تعالى: { وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ‌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَ‌بُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} أي آلهتنا خير أم عيسى ؟ قال السدي. وقال : خاصموه وقالوا إن كل من عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى والملائكة وعزير، فأنزل الله تعالى: { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} (الأنبياء 101) الآية. وقال قتادة { أم هو} يعنون محمدا ، وهذا استفهام تقرير في أن آلهتهم خير، { مَا ضَرَ‌بُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا  بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} ، يعني ما ضربوا لك هذا المثل إلا إرادة الجدل؛ لأنهم علموا أن المراد بحصب جهنم ما اتخذوه من الموت { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} مجادلون بالباطل ذلك بأنهم يعلمون أن كلامهم غير صحيح، وفي صحيح الترمذي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل "- ثم تلا رسول الله هذه الآية { مَا ضَرَ‌بُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا  بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} قال حسن صحيح.
في اللغة:
(  يصُدون) بضم الصاد ومعناه يعرضون؛ قاله النخعي، قال الكسائي : هما لغتان؛ مثل يعرُشون ويعرِشون ويَنِمُّون ويَنُمُّون، وبالكسر ( يصِدّون ) معناه يضجون. قال الجوهري : وصد يصِد صديدا؛ أي ضج،  وقيل : إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض، وبالكسر من الضجيج؛ ويؤيد ذلك ما قاله أبو عبيد قال: لو كانت من الصدود عن الحق لكانت : إذا قومك عنه يصدون.
سبب نزول هذه الآيات :
وروى ابن عباس أن رسول الله قال لقريش : " يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله"  قالوا : أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا، فإن كان كما تزعم فقد كان يعبد من دون الله !. فأنزل الله تعالى: { وَلَمَّا ضُرِ‌بَ ابْنُ مَرْ‌يَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }.
عودة للتفسير:
وقوله تعالى { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ }:يعني عيسى عليه الصلاة والسلام ما هو إلا عبد من عباد الله عزَّ وجلَّ أنعم اللهُ عليه بالنبوة والرسالة { وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ } أي دلالة وحجة وبرهاناً على قدرتنا على خلق ما نشاء ، حيث خلقه الله تعالى من أم بغير أب، وقوله عزَّ وجلَّ:{ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم } أي بدلناكم بـ { مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْ‌ضِ يَخْلُفُونَ } قال قتادة: يخلف بعضهم بعضاً كما يخلف بعضكم بعضاً، وقال مجاهد: يعمرون الأرض بدلكم. وقوله سبحانه وتعالى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ۚ } أي عيسى عليه السلام وما بعث به من إحياء الموتى وإبراء الأكمه وغير ذلك من الأسقام علامة من علامات الساعة ، وقيل المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة،ويؤيد هذا المعنى القراءة الأُخْرى { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ۚ  }  أي أمارة ودليل على وقوع الساعة، قال مجاهد: إن آية للساعة خروج عيسى بن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً، وقوله تعالى: { فَلَا تَمْتَرُ‌نَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ }  أي لا تشكوا فيها إنها واقعة وكائنة لا محالة، واتبعوني فيما أخبركم به، لأنه { هَـٰذَا صِرَ‌اطٌ مُّسْتَقِيمٌ }، وقال: { وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ }  أي عن اتباع الحق، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }. { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ } أي بالنبوة، { وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ }  قال ابن جرير: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية، وقوله عزَّ وجلَّ { فَاتَّقُوا اللهَ } أي فيما أمركم به { وَأَطِيعُونِ }  فيما جئتكم به، { إِنَّ اللهَ هُوَ رَ‌بِّي وَرَ‌بُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } أي وأنا وأنتم عبيد له فقراء إليه مشتركون في عبادته وحده لا شريك له، { هَـٰذَا صِرَ‌اطٌ مُّسْتَقِيمٌ }  أي هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم وهو عبادة الرب جلَّ وعلا وحده، وقوله سبحانه وتعالى: { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } أي اختلف الفرق وصاروا شيعاً فيه، منهم من يقر بأن عيسى عبد الله ورسوله وهو الحق، ومنهم من يدعي أنه ولد اللهِ، ومنهم من يقول إنه الله، تعالى اللهُ عن قولهم علواً كبيراً، ولهذا قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } يقول تعالى:{ ،هَلْ يَنظُرُ‌ونَ } هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل { إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُ‌ونَ } أي فإنها كائنة لا محالة وواقعة، وهؤلاء غافلون عنها، فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها، فحيئذ لا ينفعهم  الندم ولا يدفع عنهم العذاب، وقوله تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } أي كل صداقة وصحابة لغير اللّه، فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان للهِ عزَّ وجلَّ، فإنه دائم بدوامه، وهذا كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه: { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ‌ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ‌ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِ‌ينَ }( العنكبوت 25) ، روى الحافظ ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله : "لو أن رجلين تحابا في اللهِ أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب لجمع اللهُ تعالى بينهما يوم القيامة، يقول هذا الذي أحببته فيَّ " 

اللهم أرزقنا قلبا يحيا بحبك، وعينا تشتاق لرؤيتك،ولسانا يلهج بذكرك
وعملا صالحا يرضيك، واجمعنا وأخواتنا في الله  في أعلى عليين  


 


No comments:

Post a Comment