الحديث
العشرون
عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله ﷺ: ( إن مما أدرك الناس من كلام النبــــوة الأولى إذا
لم تستح : فاصنــع ما شـــئــت ) رواه
البخاري .
معاني الكلمات :
إن مما أدرك الناس من كلام النبوة
الأولى : أي أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين
، وأن الناس تداولوه بينهم ، وتوارثـــوه عنهم قرناً بعد قرن .
الحياء : خلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيـــــح .
إذا لم تستح فاصنع ما شئت : قال ابن القيم في معناه قولان :
أحدهما : أنه أمر تهديد ، ومعناه الخبر
: أي من لم يستح صنعَ ما شاء وهو كما قال الله عز وجل ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت:40] ، هل يقول
اعملوا ما شئتم حتى يعملوا ما شاءوا ؟ لا، كان يقول إن كنتم على شيء اعملوا ما
شئتم، وطالما أن الحياء ليس موجودا عندكم، فلا شيء يضبطكم ، ولا أمر يمنعكم ،
والثاني : أنه أمر إباحــة ، أي انظر إلى الفعل الذي
تريد أن تفعله ، فإن كان مما لا يستحيَى منه فافعله ، والأول أصــح وهو قول
الأكثريــن .
ولا نهي يردعكم
فاعملوا ما شئتم وأصل ما عندكم قد زال وبان.
الفوائد :
1-اتفاق النبــــوات على فعـــل الخير .
2-فضل التخلــق بأخلاق الأنبيــــاء .
3-الحث على الحياء ، وأن كله خير .
فضائل الحيــــاء :
أولاً : أنه من علامات الإيمان .
قال رسول الله ﷺ : «الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة
أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من
الإيمان" متفق عليه .
ــ وعن
ابن عمر : ( أن رسول الله ﷺ مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه
في الحياء فقال رسول الله ﷺ: دعه فإن
الحياء من الإيمان ) . متفق
عليه
ثانياً : الحياء أبهى زينة .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه ،
ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه ) صحيح الجامع الألباني.
ثالثاً : الحياء من صفات الرب .
عن يعلى
بن أمية قال : قال رسول الله ﷺ: ( إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء
والستر ) . رواه أبو داود
رابعاً : الحياء خلق يحبه الله .
للحديث
السابق .
خامساً : الحياء خلق الإسلام .
عن زيد بن
طلحة قال : قال رسول الله ﷺ: ( إن لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام
الحياء ) . رواه مالك
فائــدة :
هناك بعض الأمور يكون الحياء فيها مذموماً ، وهي :
أولاً : الحياء في طلب العلم .
قالت
عائشة : ( نعم النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن
الحياء أن يتفقهن في الدين ) . رواه مسلم
وقال
مجاهد : ” لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر “ .
ثانياً : عدم قول الحق والجهر به .
قال تعالى
: ﴿ واللهُ لَا يَسْتَحْيِي
مِنَ الْحَقِّ ﴾ ﴿الأحزاب: ٥٣﴾.
قال ابن
حجر : ” ولا يقال رب حياء يمنع من الحق ، أو فعل الحق ، لأن ذلك ليس شرعياً “ .
قال ابن
رجب رحمه الله : ” إن الحياء الممدوح في كلام النبي ﷺ إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح ، فأما الضعف
والعجـــز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء
فإنما هو ضعف وخور وعجـــز ومهانــة “ .
4-والحياء نوعان :
أحدهما :
ما كان خلقاً وجبلة غير مكتسب ، فهذا من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد
ويجبله عليها .
ولهذا قال
النبي ﷺ : ( الحياء لا يأتي إلا بخير ) فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة
الأخلاق ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها .
الثاني :
ما كان مكتسباً من معرفة الله ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطلاعه عليهم ، فهذا
من أعلى خصال الإيمان ، بل هو من أعلى درجات الإحسان .
5-من أقوال السلف في الحياء :
قال
الفضيل : ” خمس من علامات الشقوة : القسوة في القلب ، وجمود العين ، وقلة الحياء ،
والرغبة في الدنيا ، وطول الأمـــل “ .
قال
سليمان : ” إذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم
تلقه إلا مقيتاً ممقتاً “ .
وقال أبو
موسى : ” إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي “ .
6-أن من نزع منه الحيــــاء فعل ما يشاء
.
قال
الشاعر :
إذا قلّ
ماء الوجــــه قل حياؤه فلا خير في وجـــه إذا قل ماؤه
حياءك
فاحفظــه عليك فإنما يدل على
وجه الكريم حياؤه
7-أن الحياء مانع من الأفعال القبيحــة .
8-الإسلام يدعو إلى الفضائل ويمنع من
الرذائل .
9-من فوائد الحديث على القول الأول : أن ما لا يستحيى منه فالإنسان حل في فعله .
10-فائدة : قال ابن القيم رحمــه الله :
” وقد قُسّم الحياء على عشرة أوجـــه :
حياء
الجناية : ومنه حياء آدم لما فر هارباً من الجنة
.
وحياء
التقصير : كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل
والنهار لا يفترون ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك .
وحياء
الإجلال : وهو حياء المعرفة ، وعلى حسب معرفة
العبد بربه يكون حياؤه منه .
وحياء
الكرم : كحياء النبي ﷺ من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وأطالوا الجلوس عنده ، فقام واستحيى
أن يقول لهم : انصرفوا .
وحياء
الحشمة : كحياء علي بن أبي طالب أن يسال رسول
الله ﷺ عن المذي لمكان ابنته منه .
وحياء
الاستحقار واستصغار النفس : كحياء العبد من ربه حين يسأله حوائجــه ، احتقاراً لشأن نفسه “ .
No comments:
Post a Comment