Friday 2 January 2015

شرح أحاديث الأربعين النووية - الحديث العشرون - الحياء من الإيمان




 



الحديث العشرون

عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبــــوة الأولى إذا لم تستح : فاصنــع ما شـــئــت ) رواه البخاري .

معاني الكلمات :
إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : أي أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين ، وأن الناس تداولوه بينهم ، وتوارثـــوه عنهم قرناً بعد قرن .
الحياء : خلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيـــــح .
إذا لم تستح فاصنع ما شئت : قال ابن القيم في معناه قولان :
أحدهما : أنه أمر تهديد ، ومعناه الخبر : أي من لم يستح صنعَ ما شاء وهو كما قال الله عز وجل ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت:40] ، هل يقول اعملوا ما شئتم حتى يعملوا ما شاءوا ؟ لا، كان يقول إن كنتم على شيء اعملوا ما شئتم، وطالما أن الحياء ليس موجودا عندكم، فلا شيء يضبطكم ، ولا أمر يمنعكم ،
والثاني : أنه أمر إباحــة ، أي انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله ، فإن كان مما لا يستحيَى منه فافعله ، والأول أصــح وهو قول الأكثريــن .
ولا نهي يردعكم فاعملوا ما شئتم وأصل ما عندكم قد زال وبان.

الفوائد :
1-اتفاق النبــــوات على فعـــل الخير .
2-فضل التخلــق بأخلاق الأنبيــــاء .
3-الحث على الحياء ، وأن كله خير .
فضائل الحيــــاء :
أولاً : أنه من علامات الإيمان .
قال رسول الله : «الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"  متفق عليه .
ــ وعن ابن عمر : ( أن رسول الله مرّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله : دعه فإن الحياء من الإيمان ) . متفق عليه
ثانياً : الحياء أبهى زينة .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه ، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه ) صحيح الجامع الألباني.
ثالثاً : الحياء من صفات الرب .
عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله : ( إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء والستر ) . رواه أبو داود
رابعاً : الحياء خلق يحبه الله .
للحديث السابق .
خامساً : الحياء خلق الإسلام .
عن زيد بن طلحة قال : قال رسول الله : ( إن لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء ) . رواه مالك
فائــدة :
 هناك بعض الأمور يكون الحياء فيها مذموماً ، وهي :
أولاً : الحياء في طلب العلم .
قالت عائشة : ( نعم النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) . رواه مسلم
وقال مجاهد : ” لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر “ .
ثانياً : عدم قول الحق والجهر به .
قال تعالى : ﴿ واللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ  ﴿الأحزاب: ٥٣﴾.
قال ابن حجر : ” ولا يقال رب حياء يمنع من الحق ، أو فعل الحق ، لأن ذلك ليس شرعياً “ .
قال ابن رجب رحمه الله : ” إن الحياء الممدوح في كلام النبي إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح ، فأما الضعف والعجـــز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء فإنما هو ضعف وخور وعجـــز ومهانــة “ .
4-والحياء نوعان :
أحدهما : ما كان خلقاً وجبلة غير مكتسب ، فهذا من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها .
ولهذا قال النبي : ( الحياء لا يأتي إلا بخير ) فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها .
الثاني : ما كان مكتسباً من معرفة الله ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطلاعه عليهم ، فهذا من أعلى خصال الإيمان ، بل هو من أعلى درجات الإحسان .
5-من أقوال السلف في الحياء :
قال الفضيل : ” خمس من علامات الشقوة : القسوة في القلب ، وجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمـــل “ .
قال سليمان : ” إذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً “ .
وقال أبو موسى : ” إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي “ .
6-أن من نزع منه الحيــــاء فعل ما يشاء .
قال الشاعر :
إذا قلّ ماء الوجــــه قل حياؤه             فلا خير في وجـــه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظــه عليك فإنما              يدل على وجه الكريم حياؤه
7-أن الحياء مانع من الأفعال القبيحــة .
8-الإسلام يدعو إلى الفضائل ويمنع من الرذائل .
9-من فوائد الحديث على القول الأول : أن ما لا يستحيى منه فالإنسان حل في فعله .
10-فائدة : قال ابن القيم رحمــه الله :
” وقد قُسّم الحياء على عشرة أوجـــه :
حياء الجناية : ومنه حياء آدم لما فر هارباً من الجنة .
وحياء التقصير : كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك .
وحياء الإجلال : وهو حياء المعرفة ، وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه .
وحياء الكرم : كحياء النبي من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وأطالوا الجلوس عنده ، فقام واستحيى أن يقول لهم : انصرفوا .
وحياء الحشمة : كحياء علي بن أبي طالب أن يسال رسول الله عن المذي لمكان ابنته منه .
وحياء الاستحقار واستصغار النفس : كحياء العبد من ربه حين يسأله حوائجــه ، احتقاراً لشأن نفسه “ .

No comments:

Post a Comment