Saturday 3 January 2015

شرح أحاديث الأربعين النووية - الحديث الحادي والعشرون - قل آمنت بالله ثم استقم


 



الحديث الحادي والعشرون

عن سفيان بن عبد الله قال . قلت : يا رسول الله ! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك ؟ قال :( قل آمنت بالله ثم استقــم ) رواه مسلم .


معاني الكلمات
قل لي في الإسلام قولاً : أي قولاً جامعاً لمعاني الدين .
آمنت بالله : أي الإيمان الكامل الذي يشمل اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح .
استقم : الاستقامة هي المداومة على فعل ما ينبغي فعله وترك ما ينبغي تركـــه .
الفوائد :
1-            وجوب الإيمان بالله تعالى .
2-            أن أول واجب على الإنســان هو الإيمان بالله تعالى .
3-            فضل من آمــن ثم استقام على طاعة الله واستمــر على ذلك .
فضائل الاستقامـة بعد الإيمان :
أولاً : تتنزل عليهم الملائكة وتبشرهم بالجنـة وعدم الخوف .
قال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَ‌بُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُ‌وا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{ ( فصلت 20)
قوله {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} :
قيل : عند الاحتضار ، وقيل : يوم خروجهم من قبورهم ، وقيل : يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث ، واختار هذا القول ابن كثير وقال : ” وهذا القول يجمـــع الأقوال كلهــا وهو حسن جداً “ .
ثانياً : الاستقامة سبب لبسط الرزق .
قال تعالى : }وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِ‌يقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا {( الجن 16)
قال القرطبي : ” أي لو آمن هؤلاء الكفار لوسعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق “ .
ثالثاً : أن الله أمر نبيــه بالاستقامـة .
قال تعالى : } فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْ‌تَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‌{ ( هود١١٢  .
كان الحسن يقول : ” اللهم أنت ربنــا فارزقـنــا الاستقامة “ .
4-            لا يلزم من الاستقامة عدم الوقوع بشيء من المعاصي:
 فقد قال تعالى {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُ‌وهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِ‌كِينَ} ﴿فصلت  ٦﴾ .
PBUH.JPGقال ابن رجب : ” فيه إشـــارة إلى أنه لا بد من التقصير في الاستقامــة المأمور بها ، فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبـــة والرجـــوع إلى الاستقامة ، فهو كما قال النبي لمعاذ ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) ، وقد أخبر النبي أن الناس لن يستطيعوا الاستقامة حق الاستقامــة ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة  عن النبيقال ( سددوا وقاربــــوا ) فالسداد هو حقيقة الاستقامــة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصـــد، والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه ، ولكن بشرط أن يكون مصمماً على قصد السداد وإصابة الغرض ، فتكون مقاربته عن عمد “ .
5-            وأعظم ما ينبغي مراعاتــه في الاستقامة استقامــة القلب ، فهو مَلِكُ الأعضاء وهي جنوده ، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه .
وكذلك مما ينبغي مراعاة استقامتــه بعد القلب اللســـان ، فإنه ترجمان القلب .
 ولذلك قال ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، تقول : إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا ) رواه الترمذي .
وجاء في حديث الباب في رواية للترمذي : قلت يا رسول الله ! ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلســـان نفســـه .
وقد جاء في مسند الإمام أحمد عن أنس،  أن النبي  قال :( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانــه ) .
6-            أسباب الاستقامــة :
أولاً : دعاء الله بالثبات .
كان يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك ) .
ثانياً : قراءة القرآن وتدبره .
قال تعالى } .. لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً { .
7-            أن من استقــام في هذه الدار على الهداية ، وفقه الله تعالى للهداية يوم القيامة .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيــم ، الذي أرسل به رسله ، وأنزل به كتبــه ، هدي هناك إلى الصراط المستقيــم ، الموصل إلى جنتــه ودار ثوابــه ، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ، يكون ثبوت قَدَمــه على الصراط المنصوب على متــن جهنــم ، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط “ .
8-            أنه لا خوف ولا حزن على المستقيــم .
9-            الحث على مجالسة ومصاحبــة أهل الاستقامــة .
10-            وجوب المداومــة على العمل الصالح وأن ذلك من أسباب الاستقامــة .
وأفضل العمل ما داوم عليه صاحبه .
قال :( أحب الأعمال إلى الله أدومهــا وإن قل ) .
وهذا كان هدي النبيإذا عمل عملاً أثبتــه .
قالت عائشة ( كان رسول الله إذا عمل عملاً أثبتــه) رواه مسلم .
قال النووي : ” وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير المنقطع لأن بدوام القليل تدوم الطاعـــة والذكر والمراقبــة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة “ .
وللمداومــة على العمل الصالــح آثار :
أولاً : دوام اتصال القلب بخالقــه مما يعطيه قوة وثباتاً واستقامــة .
ثانياً : تعهــد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها .
ثالثاً : أن المداومة على العمل الصالح سبب للنجاة من الشدائد .
قال   ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي .

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ، وَنَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَنسْأَلُكَ ألِسَنة صَادِقًةً ، وَقَلْوبًا سَلِيمًةً، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَنَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ

No comments:

Post a Comment