Sunday 25 January 2015

صحابيات حول رسول الله ﷺ - أم المؤمنين صفية بنت حيي

  


 



صفيـة بنت حُيَيِّ- أم المؤمنين:

هي صفيـة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن سعيد ، من ذرية نبي الله هارون عليه
السلام من سبط اللاوي بن يعقوب -نبي الله إسرائيل- بن اسحاق بن إبراهيم
عليه السـلام ، ولِدَت رضي اللـه عنها بعد البعثة بثلاثة أعوام ، وكانت
شريفـة عاقلة ، ذات حسبٍ وجمالٍ ، ودين وتقوى ، وذات حِلْم ووقار
مولدها ونشأتها:
كان من شأنها أنه لما أجلى رسول الله يهود بني النضير من المدينة، ذهب عامتهم إلى خيبر، وفيهم حيي بن أخطب والدها، وبنو أبي الحقيق، وكانوا ذوي أموال وشرف في قومهم، وكانت صفية إذ ذاك طفلة دون البلوغ.

تحكي موقف أباها وعمها من النبي أول قدومه إلى المدينة :

حدّثت صفية  رضي الله عنها  فقالت : كنت أحَبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا . قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهـو هـو ؟ قال : نعم والله ! قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة .
ها هم اليهود يشهدون بنبوة سيد ولد آدم ، ومع ذلك جحدوا بها ، فهم كما قال فيهم الله في كتابه: {  فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ  } ( البقرة 89)
رأت القمر الذي في السماء يسقط في حجرها:

ثم لما تأهلت للتزويج تزوجها بعض بني عمها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ورأت وهي ما زالت عروسا بإبن عمها أن قمرا وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا، فلطم وجهها لطمة خضَّر عينها منها.
فما كان إلا مجيء رسول الله وحصاره إياهم في خبير، فكانت صفية في جملة السبي، وكان زوجها في جملة القتلى.
ولما اصطفاها رسول الله ، وصارت في حوزته وملكه كما سيأتي، وبنى بها بعد استبرائها وحلها، فأُتي بها رسول الله وبها أثر اللطمة، فسألها «ما هذا؟» فذكرت له ما كانت رأت من تلك الرؤيا الصالحة رضي الله عنها وأرضاها. فقال لها الرسول:( هلْ لك فيّ ؟) يرغّبها بالزواج منه، فأجابت:( يا رسول الله ، قد كنتُ أتمنى ذلك في الشرك ، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام ) فأعتقها وتزوجها ، وكان عتقُها صداقُها .
فتح خيبر

لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة ، وأقبل هلال المحرم من أول السنة السابعة تهيأ الرسول لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز، فخرج مع ألف وأربعمائة مقاتل في النصف الثاني من المحرّم الى خيبر ( معقل اليهود ) وسار يفتح حصونها ومعاقلها واحداً إثر واحد ، حتى أتى القموص ( حصن بني أبي الحُقين ) ففتحه، وقتل ابن عمها فيه، وجيء بسبايا الحصن ومنهنّ صفية ومعها ابنة عمّ لها ، جاء بهما بلال رضي الله عنه، فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكّت وجْهها وصاحت ، وحثت التراب على وجهها ، فقال الرسول :( أغربوا هذه الشيطانة عني ) وصفية ثابتة الجأش رزينة ، فأمر بصفية فجُعِلت خلفه ، وغطى عليها ثوبه ، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه ، وقال لبلال: ( أنُزِعَت الرحمة من قلبك حين تَمُرُّ بالمرأتين على قتلاهما ؟)
الزواج المبارك : 

وقد كانت صفية بعد فتح خيبر في السبي ،قال أبو داود: عن أنس قال: جمع السبي  يعني: بخيبر  فجاء دحية فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي، قال: «اذهب فخذ جارية» فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى رسول الله فقال: يا نبي الله أعطيت دحية، صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك.
قال: «ادعوا بها» فلما نظر إليها النبي قال: «خذ جارية من السبي غيرها» وإن رسول الله أعتقها وتزوجها. وأخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن علية.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا بهز بن أسد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس قال: وقع في سهم دحية جارية جميلة، فاشتراها رسول الله بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سلمة تصنعها وتهيئها. قال حماد: وأحسبه قال: «وتعتد في بيتها صفية بنت حيي».
تفرد به أبو داود.
وقال البخاري: عن أنس بن مالك يقول: سبى النبي صفية فأعتقها وتزوجها. قال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها. تفرد به البخاري من هذا الوجه.
فقالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب. انفرد به البخاري.
حراسة الصحابي أبو أيوب للنبي ليلة عرسه بصفية:
ولما أعرس الرسول بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق إلى المدينة، وكانت التي جمّلتها لرسول الله ومشّطتها وأصلحت من أمرها ، أم سليم بنت مِلحان أم أنس بن مالك ، فبات بها الرسول في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد متوشحاً سيفه يحرس رسول الله ويطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله ، فلما رأى مكانه قال :( مالك يا أبا أيوب ؟)  قال :( يا رسول اللـه ، خفت عليك من هذه المـرأة ، وكانت امرأة قد قتلـت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ) فزعموا أن رسـول الله قال :( اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني )
وليمة العرس: 

وقال البخاري: عن أنس بن مالك قال: قدمنا خيبر فلما فتح الحصن، ذُكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها النبي لنفسه، فخرج بها حتى بلغ بها سُدَّ الصهباء حلت، فبنى بها رسول الله ، ثم صنع حيسا في نطع صغير، ثم قال لي: «آذن من حولك» أي ادع من وجدت من حولك ،فكانت تلك وليمته على صفية.
وقال البخاري: عن أنس يقول: أقام رسول الله بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالا بالأنطاع فبسطت، فألقي عليها التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أوما ملكت يمينه؟
ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب.
في المدينة المنورة:
لمّا قدمت صفية رضي الله عنها من خيبر ، أنزلت في بيت الحارث بن نعمان فسمع نساء الأنصار، فجئن ينظرن الى جمالها، وجاءت السيدة عائشة متنقبة ، فلما خرجت ، خرج النبي على أثرها فقال :( كيف رأيت يا عائشة ؟) قالت :( رأيتُ يهودية ) فقال:( لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسُنَ إسلامها )
في بيت النبوة : 

وما أن حلّت صفية رضي الله عنها بين أمهات المؤمنين شريكة لهن برسول الله ، حتى أثارت حفيظة بعضهن ، وقد لاحظت هي ذلك ، فقدمت لهنّ بعض الحلي من الذهب كرمز لمودتها لهن ، كما قدمت أيضاُ لفاطمة رضي الله عنها .
إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي:

ومن بعض المواقف التي حصلت بين الضرائر ، بلغ صفية أن حفصة قالت لها :( بنت يهودي ) فبكت فدخل النبي وهي تبكي فقال :( ما شأنك ؟) قالت :( قالت لي حفصة إني بنت يهودي ) فقال لها النبي :(إنك لبنتُ نبيّ ، وإنّ عمّك لنبيّ ، وإنّك لتحت نبيّ ، فبِمَ تفخرُ عليكِ )  ثم قال :( اتق الله يا حفصة )
على رسلكما أنها صفية :

عن صفية أمّ المؤمنين "أنها جاءتْ رسولَ الله تزُورُه في اعتكافِه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدّثتْ عنده ساعة ثم قامت تنقلب، فقام النبي يقلّبُها حتى إذا بلغت بابَ المسجد عند باب أمّ سلمة، مرّ رجلان من الأنصار فسلّمَا على رسول الله ، فقال لهما النبي : "على رَسْلِكُمَا إنما هي صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبُر عليهما، فقال النبي ﷺ" : إنّ الشيطان يبلغ من الانسان مبلغ الدم و إني خشيتُ أن يقذِفَ في قلوبكما شيئاً".رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فخشيِي النبيُ عليهما من وسوسة الشيطان المسلّط على الانسان بأن يُلقي في قلوبهما شيئا من وجود امرأة مع النبي ، فأراد النبيُ أن يسدَّ في وجه الشيطان بابَ الكيد للصحابيين رضي الله عنهما ويقطع عليه طريقَ إذايتهما وإذيتِه معهما، فقال لهما: تمهّلا ولا تسرعا في مشيتكما، وأعلَمَهما بأنها زوجتُه صفية، ولم يكن قد وقع في قلبي الصحابين الجليلين شيءٌ و لم يخطر أدنى خاطر منه في بالهما، فاستعظما وكبر عليهما واشتدّ عليهما أن يظنّ النبي فيهما خطور مثل هذا ببالهِما حتى يحتاج إلى تعريفهما، فبيّن لهما النبي الداعي الذي دعاه إلى تعريفهما بالواقع وهو الخوف عليهما بما جُعِل للشيطان من التمكن من إلقاء الوسواس للإنسان وبلوغه منه في الإحاطة والتمكن مبلغ الدم.

وقد حج الرسول بنسائه ، فبرك بصفية جملها ، فبكت وجاء الرسول لمّا أخبروه ، فجعل يمسح دموعها بيده ، وهي تبكي وهو ينهاها ، فنزل رسول الله بالناس ، فلمّا كان عند الرواح ، قال لزينب :( أفقري أختك جملاً ) أي أعيريها إياه للركوب ، وكانت أكثرهن ظهراً ، فقالت :( أنا أفقِرُ يهوديتك ؟!) فغضب فلم يكلّمها حتى رجع الى المدينة ، ومحرّم وصفر فلم يأتها ، ولم يقسم لها ويئست منه ، حتى جاء ربيع الأول ، وهكذا كان النبي في حُسْنِ معاشرته لـ(صفية) يبدلها الغم سروراً ، والغربة أنساً .
مآثرها وخلقها: 

كانت رضي الله عنها صادقة في قولها ، وقد شهد لها بذلك رسول الله فعندما اجتمع نساء النبي في مرضـه الذي توفـي فيه ، قالت صفيـة :( إني واللـه لوددت أن الذي بك بـي )  فغَمَـزْنَ أزواجه ببصرهـن فقال الرسـول :( مضمِضْنَ ) أي طهّرن أفواهكنّ من الغيبة ، قُلْنَ :( من أي شيء ؟) فقال : ( من تغامزكنّ بها ، والله إنها لصادقة )  

كما أن صفية رضي الله عنها كانت حليمة تعفو عند المقدرة ، فقد ذهبت جارية لها الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالت :( إن صفية تُحبّ السبت وتصِل اليهود ) فبعث إليها عمر فسألها عن ذلك ، فقالت :( أمّا السبت فإني لم أحِبّه منذ أبدلني الله به الجمعة ، وأما اليهود فإن لي فيهم رحِماً فأنا أصلها ) فلم يجب عمر ثم قالت للجارية :( ما حملك على هذا ؟) قالت :( الشيطان )  فقالت :( اذهبي فأنت حرة )  

كما اتصفت رضي الله عنها بعمق الفهم ودقة النظر ، فقد اجتمع نفر في حُجرةِ صفية ، فذكروا الله وتلو القرآن وسجدوا ، فنادتهم صفية رضي الله عنها :( هذا السجود وتلاوة القرآن ، فأين البكاء ؟) فقد طالبتهم بالخشوع لله تعالى والخوف منه وهذا ما تدل عليه الدموع  
في محنة عثمان رضي الله عنه :

لقد شاركت صفية رضي الله عنها في محنة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد قَدِمت على بغلةٍ مع كنانة مولاها لترد عن عثمان، فلقيهم الأشتر النخعي، فضرب وجْه البغلة ، فلما رأت فظاظته ووحشيته قالت :( رُدّوني لا يفضحني )  ثم وضعت حسناً رضي الله عنه بين منزلها ومنزل عثمان ، فكانت تنقل إليه الطعام والماء .
وفاتها 

توفيت رضي الله عنها حوالي سنة خمسين للهجرة ، والأمر مستتب لمعاوية بن أبي سفيان ، ودفنت في البقيع مع أمهات المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

No comments:

Post a Comment