Thursday 15 January 2015

سلسلة الفقه الميسر – الدرس الثاني والعشرون – حكم تارك الصلاة-وأوقات الصلوات المفروضة.



  

 حكم تارك الصلاة :

تارك الصلاة إما أن يكون قد تركها كسلاً وتهاوناً، أو تركها جحوداً لها، أو استخفاً بها:
-        فأما من تركها جاحداً لوجوبها، أو مستهزئاً بها، فإنه يكفر بذلك ويرتد عن الإسلام، فيجب على الحاكم المسلم في وجود الحكم بالإسلام أن يأمره بالتوبة، فإن تاب وأقام الصلاة فذاك، وإلا قتل على أنه مرتد، ولا يجوز غسله ولا تكفينه ولا الصلاة عليه، كما لا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، لأنه ليس منهم.  
-        وأما إن تركها كسلاً، وهو يعتقد وجوبها: فإنه يكلف من قبل الحاكم بقضائها والتوبة عن معصية الترك. فإن لم ينهض إلى قضائها وجب قتله حداً، أي يعتبر قتله حداً من الحدود المشروعة لعصاة المسلمين، وعقوبة على تركه فريضة يقاتل عليها. ولكنه يعتبر مسلماً بعد قتله ويعامل في تجهيزه ودفنه وميراثه معاملة المسلمين لأنه منهم.
روى البخاري  ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله".
دليل الحديث على أن من أقر بالشهادتين بقاتل إن لم يقم الصلاة، ولكنه لا يكفر، بدليل ما رواه أبو داود وغيره، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول:"خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، لم يضع منهن، شئ استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأتي بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
فقد دل على أن تارك الصلاة لا يكفر، لأنه لو كفر لم يدخل في قوله:"وإن شاء أدخله الجنة"، إذ الكافر لا يدخل الجنة قطعاً، فحمل على من تركها كسلاً، جمعاً بين الأدلة.
روى مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه  قال:سمعت النبي يقول: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". وهو محمول على الترك جحوداً وإنكاراً لفريضتها، أو استهزاء بها واستخفافاً بشأنها.
أوقات الصلوات المفروضة:
الصلوات الخمس، كل منها لها وقت معين، ذو بداية لا تصح إذا قدمت عليها، وذو نهاية لا يجوز تخيرها عنها.
قال لله تعالى: ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا ًموقوتاً) [النساء:103].
أي كانت فريضة محددة بأوقات مخصوصة . وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي بعد أن فرضت الصلوات الخمس في معراجه يعرفه أوقاتها، ويضبط له وقت كل منها ابتداءً وانتهاءً.
عن ابن عباس قال رسول الله :( أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وصلى بي العصر حين كان ظله مثله وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين )
[ سنن أبي داود ، كتاب الصلاة ].
كما بين رسول الله ذلك للمسلمين بالقول والفعل.
والحديث الذي يجمع مواقيت الصلوات الخمس ما رواه (مسلم) وغيره، عن أبي موسى الأِشعري رضي الله عنه، عن النبي: إنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئاً. وفي رواية أخرى قال: "اشهد معنى الصلاة. قال: فأقام الفجر حين أنشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو كان أعلم منه، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق.
ثم أخّر الفجر من الغد، حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى أنصرف منها والقائل يقول: قد أحمرت الشمس، ثم أخّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ثم أصبح، فدعا السائل فقال: "الوقت بين هاذين".
[ انشق الفجر: طلع ضوءه. زالت: مالت عن وسط السماء. الشفق: الحمرة التي تظهر بعض غروب الشمس. سقوط الشفق: غيابه]  
وهناك أحاديث بينت بعض ما أجمل فيه، أو زادت عليه
تفصيل وقت كل صلاة، واليك بيانها:" الفجر" 
يدخل وقته ظهور الفجر الصادق ويمتد إلى طلوع الشمس، قال رسول الله :" وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس" (رواه مسلم).
" الظهر"
يبدأ وقته بانحراف الشمس عن منتصف السماء نحو الغروب ـ ويسمونه الزوال ـ حيث يظهر للشاخص عندئذ ظل يسير يبدأ بالامتداد نحو جهة الشرق- ويسمونه ظل الزوال–. ويمتد وقته إلى أن يصير طوال ظل الشئ مثله، علاوة على ظل الزوال الذي كان علامة على أول وقت الظهر.
روى مسلم أن رسول الله قال: "وقت الظهر إذ زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر".
" العصر"
يبدئ وقته بنهاية وقت الظهر ويستمر حتى تغرب الشمس، دل على ذلك قوله : "ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" (رواه البخاري، ومسلم).
ولكن الاختيار أن لا يؤخرها المصلي عن مصير ظل الشئ مثليه علاوة على ظل الزوال، لما مر معك في حديث المواقيت، ولقول : "ووقت العصر ما لم تصفر الشمس" (رواه مسلم). وهو محمول على الوقت المختار.
"المغرب"
يبتدئ وقته بغروب الشمس، ويمتد حتى يغيب الشفق الأحمر ولا يبقى له أثر في جهة الغرب.
والشفق الأحمر: وهو بقايا من آثار ضوء الشمس، يظهر في الأفق الشرقي عند وقت الغروب، ثم أن الظلام يطارده نحو الغروب شيئاَ فشيئاً.
فإذا أطبق الظلام وامتد إلى الأفق الغربي، وزوال أثر الشفق الأحمر، فذلك يعني انتهاء وقت المغرب ودخول وقت العشاء.
دل على ذلك حديث المواقيت، مع قول رسول الله : "وقت المغرب ما لم يغيب الشفق" (رواه مسلم ) .
  "العشاء" 
يدخل وقته بانتهاء وقت المغرب وفي استمراره قولان : الجمهور على أنه  إلى وقت طلوع الفجر ، ودليلهم حديث مسلم رواه عن قتادة " إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى "
 القول الثاني : أن صلاة العشاء تستمر إلى منتصف الليل  ، ودليل من قال بهذا القول :ـ ما  ورد في حديث صريح أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أول الأوقات وآخرها وفيه " فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل ."  قال الإصطخري: إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء،  وقال  قال النووي:   معناه وقت لأدائها اختيارا ،
والاختيار ألا  تؤخر عن منتصف الليل، ولكن إن أُخرت حتى قبل طلوع الفجر فالجمهور على أنه ما زال وقتها.
هذه هي أوقات الصلاة الخمس، ولكن ينبغي أن لا يتعمد المسلم تأخيرها إلى أواخر أوقاتها، محتجاً باتساعها، إذ ربما تسبب عن ذلك إخراجها عن وقتها، بل ربما تسبب عن هذا التهاون تركها، وإنما يسن تعجيل الصلوات لأول الوقت، وقد سأل النبي عن أفضل الأعمال ؟ فقال: "الصلاة على وقتها"، أي عند أول وقتها." (رواه البخاري ومسلم:)
وأعلم أن من وقع بعض صلاته في الوقت، وبعضها خارجه: فإنه إن وقع ركعة في الوقت كانت الصـلاة أداء، وإلا كانت قضاءً، ودليل ذلك ما روه (البخاري ومسلم)، عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله : "من أدرك أن الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". وقوله : "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (رواه البخاري ومسلم ). وهذا من فضل الله وكرمه ، فلله الحمد والمنة .

No comments:

Post a Comment