Thursday 1 January 2015

شرح أحاديث الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر - احفظ الله يحفظك



 



الحديث التاسع عشر

عن أبي العباس عبد الله بن عباس قال ( كنت خلف النبي يوماً فقال لي : يا غلام ! إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعــن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك ، وإن اجتمعــوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحــف ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
وفي رواية غير الترمذي ( احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً ) .

معاني الكلمات :
احفظ الله : أي احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه  . وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي .
يحفظك : حفظ الله للعبد في دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وحفظه أيضاً في إيمانه ودينه .
تجده تجاهك : أي من حفظ حدود الله وجد الله معه ينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده
الفوائد :
1-حسن تعليم النبي وتربيتــه .
2-تواضع النبي .
3-جواز الإرداف على الدابة ، لكن بشرط أن تطيق ذلك .
4-الاهتمام بالناشئــة وتعليمهم أمور دينهم .
5-أن من حفظ الله وذلك بإقامة أوامره وترك نواهيــه حفظه الله في الدنيا والآخرة

أمثلة لحفظ الله لمن حفظــه :
- كان العبد الصالح أبو الطيب الطبري رحمه الله ، قد جاوز المائة ، وهو متمتــع بعقله وقوتــه وكافة حواسه ، حتى أنه سافر ذات مرة مع رفقة له ، فلما اقتربت السفينة من الشاطىء وثب منها إلى الأرض وثبة شديدة ، عجز عنها بقيـــة الذين كانوا معه على السفينة ، فاستغرب بعضهم هذه القوة الجسدية التي منحها الله إياه مع كبر سنه وشيخوختـــه ، فقال لهم الطبري : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر.
- قال عروة بن الزبير : ” بلغت أسماء بنت أبي بكر مائة سنــة لم يسقط لها سن ولم ينكــر لهــا عقل “ .
- قال ابن رجب : ” ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذيــة بالطبع حافظة له من الأذى ، كما جرى لسفينــة مولى النبي حيث كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأى الأسد ، فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق ، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعــه ثم رجع عنه “ .
6-أن من لم يحفظ الله لم يحفظــه الله .
قال تعالى : {ولاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ﴿الحشر: ١٩﴾
7-ومن أعظم ما يجب حفظــه من أوامر الله :
أولاً : الصلاة .
قال تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ}﴿البقرة: ٢٣٨﴾  
ثانياً : الطهارة .
قال : ( ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمــن ) رواه أحمد .
ثالثاً : حفظ الرأس والبطن .
قال : ( الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، وتحفظ البطن وما حوى ) رواه الترمذي .
رابعاً : حفظ الفرج .
قال تعالى : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِ‌هِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُ‌وجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ‌ بِمَا يَصْنَعُونَ}  ﴿النور: ٣٠﴾  .
8-أن الجزاء من جنس العمل ، فمن حفظ الله حفظه الله : وهذه قاعدة شرعية جاءت نصوص كثيرة تدل عليها :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُ‌وااللهَ  يَنصُرْ‌كُمْ } ( محمد ٧.
وقال تعالى : { فَاذْكُرُ‌ونِي أَذْكُرْ‌كُمْ }  ﴿البقرة: ١٥٢﴾   .
وقال تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } ﴿البقرة: ٤٠﴾   .
وقال : ( من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ) رواه مسلم .
وقال: ( من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة ) رواه مسلم .
وقال : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) متفق عليه .
وقال : ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه أبو داود .
وقال : ( من كان له وجهان في الدنيا ، كان له لسانان من نار يوم القيامة ) رواه أبو داود .
9-أن من عرف الله حال رخائه وصحتــه وغناه عرفه الله عندما تحل به الشدة والضيق والفقر والمرض .
قال : ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي .
ويونس عليه السلام عرف ربه حال الرخاء فعرفــه في بطن الحوت ونجاه وثبتــه ونصره .
10-أن الإنسان يجب عليه أن يسأل الله ويستعين به ولا يسأل غيره .
فلا يدعى إلا الله ، ولا يستعان إلا به كما قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } الفاتحة 4
قال تعالى ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ الأحقاف 5     
نفى سبحانه أن يكون أحد أضل ممن يدعو غيره ، وأخبر أنه لا يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة .
والاستفهام فيه إنكار أن يكون في الضلال أبلغ ضلالاً ممن عبد غير الله ودعاه ، حيث يتركون السميع المجيب القادر على تحصيل بُغيه ويدعون من دونه من لا يستجيب لهم .
وقال : ( من لا يسال الله يغضب عليه ) رواه ابن ماجه .
لكن يجوز للإنسان أن يستعين بمخلوق فيما يقدر عليه هذا المخلوق ، لقوله: ( وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ) متفق عليه .
1-وجوب الإيمان بالقضاء والقدر ، وان كل شيء مكتوب ومنتهي .
قال تعالى : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْ‌ضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَ‌أَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ‌}  ﴿الحديد: ٢٢﴾
قال : ( إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) رواه مسلم .
ويتفرع على هذه الفائدة :
عدم جزع الإنسان واطمئنان قلبه ، لأن كل شيء مكتوب ومقدر .
2-أنه لن يصيب العبد إلا ما كتب له ، فلن يستطيع أحد أن ينفعه بشيء لم يكتب له ، ولا يستطيع أحد أن يضره بشيء لم يكتب له .
كما قال تعالى:{ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}  ﴿التوبة: ٥١﴾  .
وقال سبحانه : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَ‌زَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ }  ﴿آل عمران: ١٥٤﴾
3-فضل الصبر وأنه من أسباب النصــــر : وهذا يشمل الجهادين : جهاد العدو الظاهر ، وجهاد العدو الباطــن ، فمن صبر فيهما نصر وظفر بعدوه , ومن لم يصبر فيهما وجزع قهر وصار أسيراً لعدوه أو قتيلاً له .
قال بعض السلف : ” كلنا يكره الموت ، وألم الجراح ، ولكن نتفاضل بالصبر “ .
وقال بعض العلماء : ” الشجاعـــة صبر ساعــة “ .
قال أبو الطيب المكي : ” اعلم أن الصبر سبب دخول الجنــة ، وسبب النجاة من النار ، لأنه جاء في الخبر [حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ . وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ] رواه مسلم ، فيحتاج المؤمن إلى صبر على المكاره ليدخل الجنة ، وإلى صبر عن الشهوات لينجـــو من النار “ .
وللصبر فضائل عظيمة :
أولاً : معية الله للصابرين .
قال تعالى : {إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِ‌ينَ} ﴿البقرة: ١٥٣﴾   
ثايناً : محبة الله لهم .
قال تعالى : { وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِ‌ينَ } ﴿آل عمران: ١٤٦﴾   .
ثالثاً : إطلاق البشرى لهم .
قال تعالى : { وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ } (البقرة: ١٥٥﴾.
رابعاً : إيجاب الجزاء على أحسن أعمالهم، وبغير حساب ولا عدد.
قال تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُ‌وا أَجْرَ‌هُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ﴿النحل: ٩٦﴾.
وقال تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُ‌ونَ أَجْرَ‌هُم بِغَيْرِ‌ حِسَابٍ } ﴿الزمر: ١٠﴾
خامساً : استحقاقهم دخول الجنة وتسليم الملائكة عليهم .
قال تعالى : {  جَزَاهُم بِمَا صَبَرُ‌وا جَنَّةً وَحَرِ‌يرً‌ا } ﴿الانسان: ١٢﴾.
سادساً : الصابرون هم أئمة في الدين .
قال ابن تيمية : ” بالصبر واليقين تنال الإمامــة في الديــن . ثم تلا هذه الآية { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِ‌نَا لَمَّا صَبَرُ‌وا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } ﴿السجدة: ٢٤﴾
سابعاً : أنه من أسباب النصر .
كما في حديث الباب : ( واعلم أن النصر مع الصبر ) .
4-البشارة العظيمة بأن تفريج الكربات وإزالة الشدائد مقرون بالكرب ، فكلما كرب الإنسان فرج الله عنه .
ويشهد لهذا :
قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ‌ رَ‌حْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } ﴿الشورى: ٢٨﴾.
قال ابن رجب رحمه الله :
”وكم قص سبحانــه من قصص تفريج كربات أنبيائــه عند تناهي الكرب ، كإنجاء نوح ومن معه في الفلك ، وإنجاء إبراهيم من النار ، وفدائه لولده الذي أمر بذبحــه ، وإنجاء موسى وقومــه من اليم ، وإغراق عدوهــم “.
5-انه إذا تعسر الأمر فلينتظر المسلم وليستبشر بقدوم اليسر .
ويشهد لهذا :
قوله تعالى : { سَيَجْعَلُ اللهُ  بَعْدَ عُسْرٍ‌ يُسْرً‌ا}  ﴿الطلاق: ٧﴾
وقوله تعالى : {  فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ‌ يُسْرً‌ا  * إنَّ مَعَ الْعُسْرِ‌ يُسْرً‌ا } ﴿الشرح: ٥- ٦ )   6- تحريم اليأس والقنـــوط .

No comments:

Post a Comment