Sunday 18 January 2015

صحابيات حول رسول الله ﷺ - أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان ؛ أم حبيبة

  
  


نسبها رضي الله عنها:

هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية القرشية ،
وكان أبوها أبا سفيان في شبابه سيد بني عبد شمس بن عبد مناف، ثم نال سيادة جميع بطون قريش بعد معركة بدر بعد مقتل عتبة بن ربيعة العبشمي وأبو الحكم عمرو بن هشام المخزومي ، ثم نال سيادة جميع فروع قبيلة كنانة في معركة أحد وبقي على هذا حتى فتحت مكة.
أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى ،أنجبت لأبي سفيان حنظلة هو بكره وكذل أم المؤمنين أم حبيبة وأختها أميمة، وأخواها معاوية كاتب وحي رسول الله ، وعتبة والي عمر بن الخطاب على الطائف .
وهي بنت عم الرسول ، وهي أقرب أزواجه منه نسباً، وهي أكثر نساءه 
 صداقاً، وتتميز عنهن أنه تزوجها وهي بعيدة الديار عنه.
ولدت قبل الإسلام ، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ، وهي من الثلّة المؤمنة التي أسلمت مبكراً في مكة.
زواجها الأول وجهادها وهجرتها الأولى:
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي ، وعاشت معه تلك التجربة القاسية التي لاقاها المؤمنون في بدايات الدعوة المكيّة، وما انطوت عليه من معاناة مريرة وأحداث مروعة ، ولم يكن ثمّة مخرجٍ من هذه الحال سوى هجرة الأوطان وترك الديار،  إلى أرضٍ تسمح لهم بحريّة العبادة،  ووقع اختيار رسول الله على أرض الحبشة ، وهكذا هاجرت أم حبيبة مع زوجها إلى الحبشة ليظفروا بالأمن والأمان ، ولم تدم سعادتها طويلاً ، فقد حدث لها ما لم يكن في الحسبان .
تقول أم حبيبة : " رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها ، ففزعت ، فقلت في نفسي: تغيّرت والله حاله ، فلما أصبح الصباح دعاني وقال لي : يا أم حبيبة ، إني نظرت في الدين قبل إسلامي ، فلم أرى ديناً خيراً من النصرانية ، وكنت قد دنت بها ، ثم أسلمتُ ودخلتُ في دين محمد ، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية ، ففزعتُ من قوله وقلت : والله ما هو خيرٌ لك . وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيتها فيه ، فلم يحفل بها ، وأكبّ على الخمر يعاقرها حتى مات .
زواجها من النبي ﷺ:
تقول رضي الله عنها : فأصابني- بعد وفاة زوجها عبيد الله بن جحش- من ذلك همٌّ وغمٌّ عظيمين ، إلى أن رأيت فيما يرى النائم من يناديني قائلاً : يا أم المؤمنين ، فأوّلتها أن رسول الله يتزوجني ، فما هو إلا أن انقضت عدّتي ، حتى أتاني رسول النجاشي يستأذن  الدخول عليّ ، فإذا هي جاريةٌ له يقال لها أبرهة ، كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فدخلتْ عليّ فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله كتب إليّ أن أزوجك إيّاه ، ففرحت وقلت : بشّرك الله بخير ، فقالت لي : يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك ، فأرسلت إلى خالد بن سعيد العاص فوكّلته ، وأعطيتُ الجارية ما عندي من حليٍّ وجواهر مكافأةً لها على ما بشّرتني به .
أصدقها النجاشي عن رسول الله
فلما كان العشي أمر النجاشي بحضور جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين ، فخطب النجاشي فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام ، المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنّه الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام ، أما بعد : فإن رسول الله كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبته إلى ما دعا إليه ، وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ، فتكلم خالد بن سعيد فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أما بعد : فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله ، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان ، فبارك الله لرسوله . ثم قام ودفع إليّ الدنانير ، ثم أرادوا أن يقوموا ، فقال لهم النجاشي : اجلسوا ؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعامٌ على الزواج ، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا ".
وتواصل أم حبيبة سرد قصتها قائلةً : " فلما وصل إليّ المال أرسلتُ إلى الجارية التي بشّرتني ، فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذٍ ولا مال بيدي ، فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستغني بها ، لكنها ردّت إليّ كل ما أعطيتها ، وقالت : عزم عليّ الملك ألا آخذ منك شيئا ، وإني قد تبعت دين رسول الله وأسلمت لله ، فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله مني السلام ، وتعلميه أني قد اتبعت دينه ، فلما قدمتُ على رسول الله مع شرحبيل بن حسنة أخبرته كيف كانت الخطبة ، وما فعلت بي الجارية ، فتبسّم رسول الله وقال : ( وعليها السلام ورحمة الله ) .
جهادها وصبرها ومواساة النبي لها :
هذا وقد شهد لها القريب والبعيد بالذكاء والفطنة ، والفصاحة والبلاغة ، ، وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام عندما تنصّر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى منزلتها في نفس رسول الله ، فأراد مواساتها بزواجه منها .
وقفة براء من الشرك وأهله ولو كان أقرب الناس إليها:
وكان لها مع والدها أبي سفيان وقفة براءٍ من الشرك وأهله ، فإنه لمّا قدم المدينة راغباً في تمديد الهدنة ، دخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه ، فاستنكر والدها ذلك وقال : " يا بنيّة ، أرغبتِ بهذا الفراش عنّي؟ ، أم أم رغبتِ بي عنه ؟ "، فأجابته إجابة المعتزّ بدينه المفتخر بإيمانه : "بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت امرؤ نجسٌ مشرك " . قال: يا بُنَيَّة، لقد أصابك بعدي شرٌّ. فقالت: بل هداني الله للإسلام، وأنت يا أبتِ سيِّد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرًا لا يسمع ولا يبصر؟! فقام من عندها.
كانت سبباً للمودة بين أباها ورسول الله ﷺ:
وقيل: إن قول الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة: 7) قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب، فإنَّ رسول الله تزوَّج ابنته أمَّ حبيبة،؛ فلانت عند ذلك عريكة أبي سفيان، واسترخت شكيمته في العداوة. فكانت هذه مودَّة ما بينه وبينه، حتى أسلم، وحسن إسلامه وصار حربا على أعداء الدين، من ذلك ما أخرجة ابن أبي حاتم عن ابن شهاب أن رسول الله استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن، فلما قبض رسول اللهِ أقبل، فلقي ذا الخمار مرتداً، فقاتله فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين، قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل الله فيه الآية".
تحب أن تشاركها أختها في الخير:
وكانت -رضي الله عنها- مع غَيْرتها على رسول الله تحبُّ أن تشاركها فيه أختها عزَّة بنت أبي سفيان؛ فقد سمِعَتْ أن رسول الله همَّ أن يتزوَّج دُرَّة بنت أمِّ سلمة؛ فعن زينب بنت أبي سلمة أن أمَّ حبيبة قالت: قلتُ: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان. قال: " وَتُحِبِّينَ؟" . قلتُ: نعم، لست لك بمُخْلِيَةٍ، وأحبُّ مَن شاركني في خيرٍ أُختي. فقال النبي : " إِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لِي"، قلتُ: يا رسول الله، فوالله إنَّا لنتحدَّث أنك تريد أن تنكح دُرَّة بنت أبي سلمة. قال: " بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ"،  فقلتُ: نعم. قال: " فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي؛ إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ" .
مروياتها عن رسول الله
روت أمُّ المؤمنين أمُّ حبيبة رضي الله عنها عن النبي عدَّة أحاديث، قيل تصل إلى خمسة وستِّين حديثًا، ولها في مجموع الكتب الستَّة تسعة وعشرون حديثًا، اتَّفق لها البخاري ومسلم على حديثيْن، وروى عنها أخواها معاوية وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير وغيرهم .  
وحديثها رضي الله عنها مشهور في إحداد المرأة على غير الزوج ، وفي تحريم الربيبة وأخت المرأة أيضا متواتر، وحديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن مشهور،  وهو قولها رضي الله عنها قالت : سمعتُ رسولَ اللهِ : ما من عبدٍ مسلمٍ يصلِّي للهِ تعالى في كلِّ يومٍ ثِنْتي عشرةَ ركعةً تطوُّعًا غيرَ فريضةٍ إلا بنى اللهُ تعالى له بيتًا في الجنَّةِ ، أو : إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنَّةِ :أربعًا قبلَ الظهرِ ، و ركعتَين بعدَها ، و ركعتَين بعد المغربِ ، و ركعتَين بعد العشاءِ ، و ركعتَين قبلَ صلاةِ الغَداةِ
وفي تحريم الكحل للحادة ، عن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها، عنهاأن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينيها فأتوا رسول الله فاستأذنوه في الكحل فقال: "لا تكحل قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر " البخاري
وفي أبواب الحج روت في استحباب دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى مِنى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، وفي أبواب الطهارة: الوضوء ممَّا مسَّته النار، وفي صلاة الرجل في الثوب الذي جامع فيه، وما يجوز للرجل من المرأة الحائض... وفي أبواب الصوم: روت في جواز القُبْلَة للصائم، وفي الدعاء بعد الأذان... وروت في العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها  .
عبادتها رضي الله عنها
كانت رضي الله عنها عابدة لله تعالى كثيرة الصلاة َ، قالت رضي الله عنها: سمعتُ رسولَ اللهِ يقول: " ما من عبدٍ مسلمٍ يصلِّي لله كل يومٍ ثِنتي عشرةَ ركعةً تطوعًا ، غير فريضةٍ ، إلا بني اللهُ له بيتًا في الجنةِ . أو إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنةِ " . قالت أُمُّ حبيبةَ : فما برِحتُ أُصلِّيهنَّ بعد . " رواه مسلم .

حياة أم حبيبة بعد النبي؛ فقهها ومحافظتها على سنته:

عاشت السيدة أمُّ حبيبة رضي الله عنها بعد رسول الله ثلاثًا وثلاثين سنة، متمسِّكة بهدية، سائرة على سُنَّتِه، ففي حديث رواه البخاري تروي زينب بنت ابي سلمة  قالت دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللهِ  مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ:"  لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" فمست رضي الله عنها الطيب –و لا حاجة لها فيه- حتى لا تكون راغبة عن سنة رسول الله ﷺ.

وكانت عميقة الصلة بالمؤمنين جميعًا، مشارِكة للمسلمين في الأحداث العظمى؛ ففي أيام الفتنة الكبرى، ولما اشتدَّ أذى المتمرِّدين على عثمان بن عفان رضي الله عنه،  قال الناس: لو جئتم بأمِّ المؤمنين؛ عسى أن يكفُّوا عنه. فجاءُوا بأمِّ حبيبة بنت أبي سفيان، فنظرتُ إليها وهي على بغلة بيضاء في محفة ، فلمَّا جاءُوا بها إلى الدار، صرفوا وجه البغلة حتى ردُّوها.
استجابة الله تعالى دعائها رضي الله عنها
أتت أم حبيبة رضي الله عنها عثمان بن عفان عندما حوصر، فجاء رجل فأطلع في خدرها فجعل ينعتها للناس، فقالت رضي الله عنها : ما له قطع الله يده  وأبدى عورته ؟ فدخل على هذا الرجل الفاسق داخل فضربه بالسيف فألقى بيمينه فقطع فانطلق هاربا آخذا ازاره بفيه بادية عورته، فاستجاب بذلك الله تعالى لدعوتها رضي الله عنها .
وفاتها رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها قالت : دعتني أم حبيبة زوج النبي عند موتها فقالت : قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله ذلك كله وتجاوزه ، وحللتك من ذلك كله ، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: سررتني سرك الله وأرسلت الى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك.

وتوفيت رحمها الله سنة أربعة وأربعين في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان ودفنت بالبقيع،  فجزاها الله تعالى عنا جميعا كل الخير،  وأكرمنا بلقياها في الجنة إن شاء الله .




No comments:

Post a Comment