Wednesday 4 June 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - الحزب 22 - سورة يونس - أولياء الله



صفات أولياء الله ، وما أعد لهم 

قال تعالى : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَ‌ىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَ‌ةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) سورة يونس

في هذه الأيات ذكر أولياء الله ، بيان من هم ، وماوعدهم الله عز وجل في الدنيا والآخرة ، جعلنا الله منهم، قال: 

أولاً : وعدهم بـأنهم إذا جاءهم الموت ، وتذكروا من يتركون وراءهم من الأهل والولد بأن تطمئنهم الملائكة بأن (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) قال لا خوف عليهم؛ أي على ذرتكم، لأن الله يتولاهم ،وليس هذا فقط ، بل  (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) على دنياهم التي هم مغادروها تاركون كل ما لهم فيها، فالله تعالى يعوضهم إياه في آخراهم وخير منه،  لأنه وليهم ومولاهم .

ثانياً : من هم أولياء الله ؟ وبم صاروا إلى هذه المرتبة أن يتولاهم الله تعالى ؟ ماذا فعلوا من عظائم أمور الخير حتى  يكون نسبهم إلى الله ، أولياء الله ؟
1ـ جاء تبييان من هم أولياء الله في الآية التي بعدها فسرها بها ، قال عنهم : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) بالإيمان وتقوى الله صاروا أولياءه تبارك وتعالى .
وما حق ثبوت الإيمان في القلب ؟ حقه أن يجري على اللسان كلمة التوحيد، ينطلق بها كل الأوقات ، ويتبعها  كل أنواع للذكر لمن أدعى الإيمان به
ثم يظهر أثر ذلك على الجوارح ، فتركع وتسجد لربها وخالقها ،وتمتنع عن الطعام والشراب في أوقات معينة طاعة له ،  واليد تعطي لا تبتغي إلا وجهه الكريم ، والرجل تمشي في مرضاته ،وإلى بيوته ،  تمشي في حاجات المسلمين ، وغير ذلك كثير
( وكانوا  يتقون  ) كانوا في حياتهم في الدنيا يتقون ... فما هي التقوي ؟

 لغة: مشتقة من الوقاية وحفظ الشيء مما يؤذيه ويضره – صيانته – الحفظ  -
المعنى الشرعي:

أن تجعل بينك وبين ما حرم الله حاجزا وحاجبا ، وذلك بالإنتهاء عن نواهيه ، فلا يأتيها أبدا ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".( مسلم ) ـ في الأمر قال اعملوا منه ما تستطيعون ، أما في النهي فلا ، دعه كلياً

1) الخوف من الجليل ( وهو الله تعالى ) والعمل بالتنزيل ( الكتاب والسنة ) والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.

فالتقوى هي طاعة الله عز وجل بفعل أوامره والإبتعاد عن نواهيه ، المتقون يعملون بكتاب الله فيحرمون حرامه ويحلون حلاله، المتقون لا يخونون في أمانة، ولايعقون آباءهم ولايقطعون رحمهم ،  ولايؤذون جيرانهم ،  ولايضربون إخوانهم
 المتقون يصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعفون عمن ظلمهم
 المتقون لايغتابون ولايكذبون ولا ينافقون، المتقون لايحسدون ولا يراؤون ولا يرابون ولا يرشون ولايقذفون ،المتقون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
 تلك صفات المتقين حقاً الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة خائفون مشفقون، المتقون حقاً هم أهل الفضائل، وصلوا إلى درجة أن يكونوا أولياء الله لأنهم غضو أبصارهم عما حرم الله عليه، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ولم يتجاوزوها .
عظم الخالق جل شأنه في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ، فلم يلقوا له بالاَ.
هذه هي صفاتهم ، أجملها الله تعالى بصفتين ( الإيمان ، والتقوى ).
ولكن لكل من هاتين الكلمتين حقوق، من الإخلاص والعمل ؛ حتى لا يكون كل من ادعى أنه مؤمن ،وأنه متقى ولا حاجة له أن يعمل لكي يصل إلى الجنة ، وأنه يكفيه إيمانه ، لا يكتب من أهلها بدعواه إلا أن يجمع بين الإعتقاد الصحيح بقلبه، والعمل باللسان والجوارح، ويظهر أثر ذلك كله على سمته وهيئته .
2ـ نعود لنتعرف من هم  أولياء الله ، فنبحث في السنة : ورد في حديث مرفوع عن ابن عباس قال : قال رجل يا رسول الله من أولياء الله ؟ قال : ( الذين إذا رؤوا ذُكر الله )ـ إذا  رآهم الناس رؤوا على سيماهم الخير والتقوى فتذكروا فذكروا الله
يُعرفون بعلاماتِ الخيرِ والصلاح، وحسن الخاتمة بمجرد رؤيتهم، فرؤيتُهم وهديُهم وسمتهم يذكِّر بالله سبحانه، فـ( أولياء الله الذين  إذا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ). الصحيحة ،وفي حديث آخرقال :  ( إنَّ خيارَ عبادِ اللهِ من هذه الأمةِ؛ الذين إذا رُؤوا ذُكرَ الله تعالى، وإنَّ شِرارَ عبادِ اللهِ منْ هذهِ الأمَّة؛ المشَّاؤونَ بالنميمة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون للبراء العنت) . السلسلة الصحيحة   
وَوُعاةُ القرآنِ وحفظتُه، هم أهلُ الله وخاصته، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ( إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ هُمْ؟! قَالَ: (هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ؛ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ) (سنن ابن ماجه  وصحيح الجامع )، إنهم من خيرِ الناس، ويجبُ أنْ يكونوا خيرَ الناس؛ (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) (صحيح البخاري)
وروَّادُ المساجد، وعمَّارُ بيوتِ اللهِ يُشهَدُ لهم بالخير، فليتَّقوا الله فيما بينهم وبين الله، وليتقِ اللهَ جيرانُ الله، فيما بينهم وبين خلقِ الله، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : "إِنَّ اللهَ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ جِيرَانِي؟ أَيْنَ جِيرَانِي؟ قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ؟! فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ) مسند الحارث، والسلسلة الصحيحة.
  
أهل التواضع لله، الذين لا تتكبرون على خلقِ الله، فهم من خالصي أهلِ الله، قَالَ عَوْنٌ -رحمه الله-: (مَنْ أَحْسَنَ اللهُ صُورَتَهُ، وَأَحْسَنَ رِزْقَهُ، وَجَعَلَهُ فِي مَنْصِبٍ صَالِحٍ، ثُمَّ تَوَاضَعَ للهِ، فَهُوَ مِنْ خَالِصِي أَهْلِ اللهِ) حلية الأولياء
، فـكما قال ﷺ: (من تواضع لله رفعه الله) السلسلة الصحيحة ، وعند أحمد بن حنبل: قال حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وساق السند إلى عُمَرَ -قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ– (قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ تَوَاضَعَ لِي هَكَذَا"، -وَجَعَلَ يَزِيدُ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَدْنَاهَا إِلَى الْأَرْضِ- "رَفَعْتُهُ هَكَذَا" -وَجَعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَرَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ-) مسند أحمد،وصحيح الترغيب.
وأيضا وصف آخر لأولياء الله ، اسمعوا : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء ) قيل من هم يا رسول الله لعلنا نحبهم ؟ قال : ( هم قوم تحابوا في الله في غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ) ثم قرأ ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
 
أولياء الله صدورهم نقية من الحقد ولاحسد والغل والضغينة لاي مسلم ، ويدل عليه ما يرويه أنس ابن مالك قال :
( كنا يومًا جلوسًا مع رسولِ اللهِ فقال : (يطلُعُ عليكم مِن هذا الفجِّ رجلٌ مِن أهلِ الجنةِ) ، فطلَع رجلٌ منَ الأنصارِ تنطِفُ لحيتُه مِن ماءِ وضوئِه قد علَّق نعلَيه يدَه بشمالِه فسلَّم ، فلما كان منَ الغدِ ، قال النبيُّ مِثلَ ذلك فطلَع ذلك الرجلُ مِثلَ حالِه الأولى ، فلما أن كان في اليومِ الثالثِ ، قال النبيُّ مِثلَ مقالَتِه فطلَع ذلك الرجلُ على مِثلِ حالتِه الأولى ، فلما قام النبيُّ تبِعه عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ ، فقال : إني لاحَيتُ أبي- أي جادلته بشدة-  فأقسَمتُ عليه أني لا أدخُلُ عليه ثلاثًا فإن رأَيتَ أن تؤويَني إليكَ حتى تَمضِيَ الثلاثةُ أيامٍ فعَلتَ : فقال : نعَم ، قال أنسٌ : فكان عبدُ اللهِ يحدِّثُ أنه كان معه ثلاثَ ليالٍ فلم يرَه يقومُ منَ الليلِ شيئًا ، غيرَ أنه إذا تعارَّ ، أو قال : انقَلَب على فراشِه ، ذكَر اللهَ ، عزَّ وجلَّ ، وكبَّر حتى يقومَ ، لصلاةِ الفجرِ ، قال عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو : غيرَ أني لم أسمَعْه يقولُ إلا خيرًا ، فلما مضَتِ الثلاثُ الليالي كِدتُ أن أحتقِرَ عملَه ، قلتُ : يا عبدَ اللهِ ، لم يكُنْ بيني وبين والدي غضبٌ ، ولا هجرةٌ ولكني سمِعتُ رسولَ اللهِ يقولُ لكَ ثلاثَ مراتٍ يطلُعُ عليكم الآنَ رجلٌ مِن أهلِ الجنةِ , فطلَعتَ أنتَ الثلاثَ مراتٍ فأرَدتُ أن آويَ إليكَ لأنظُرَ عملَكَ فأقتديَ بكَ ، فلم أرَكَ تعمَلُ كبيرةً فما الذي بلَغ بكَ ما قال رسولُ اللهِ ؟ قال : ما هو إلا ما رأيتَ فلما ولَّيتُ دَعاني ، فقال : ما هو إلا ما رأيتَ غيرَ أني لا أجِدُ في نفسي على مسلمٍ غِشًّا ، ولا أحسُدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه اللهُ تعالى إيَّاه ، قال عبدُ اللهِ : قلتُ : هي التي بلَغَتْ بكَ وهي التي لا نُطيقُ ) قال تعالى: ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )(الحجر:47)

صفات أولياء الله  في العمل :

إن من دأب أولياء الله التزود بالنوافل بعد إتمام الفرائض
فقد صح عنه أنه قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: ( ما تقرب إلي عبدي بأحب ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به... ).
ويؤيده وصية رسول الله لفتى كان يخدمه هو ربيعة بن كعب الأسلمي، يرويها فيقول :  كنت أبيتُ مع رسولِ اللهِ فأتيتُه بوَضوئِه وحاجتِه . فقال لي: (  سلْ ")  فقلت: أسألُك مرافقتَك في الجنةِ قال: (أو غيرَ ذلك ؟ )  قلت: هو ذاك قال: (  فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجودِ)  وفي لفظ: ( فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة ).

وإن أولياء الله لا يفترون عن ذكر الله ، وقد قال تعالى:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (البقرة152)، وقال تعالى: ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)  (العنكبوت45)

أولياء الله على قسمين: مقتصد وسابق بالخيرات.
 فالمقتصد من يحافظ على الفرائض ويجتنب الكبائر.
والسابق بالخيرات من يحافظ على الفرائض ويتزود بالنوافل، ويجتنب الكبائر والمحرمات والمكروهات، فالقسمان من أولياء الله، فهم على درجات.

ماذا لأولياء الله ؟ 

ورد عن النبي في قوله ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة )
قال : ( الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له  بشراه في الحياة الدنيا ، وبشراه في الآخرة الجنة )  والرؤيا الصالحة كما جاء عن النبي :( هي جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة  ، فمن رآى ذلك فليخبر بها ، ومن رآى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثا وليكبر ولا يخبر بها احداً )
وروي موقوفاً عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه أنه قال: (الرؤيا الحسنة بشرى من اللّه وهي من المبشرات )، وقال ابن جرير، عن أم كريز الكعبية: سمعت رسول اللهِ يقول: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات).
 وقيل: المراد بذلك بشرى الملائكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة والمغفرة، كقوله تعالى: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) ، وفي حديث البراء رضي اللهُ عنه قول النبي : ( إن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب، فقالوا: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان، فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء) ،وأما بشراهم في الآخرة فكما قال تعالى: ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون)
( لا تبديل لكلمات الله ..) أي لا ينسخها شيء، هذا الوعد لا يبدل ولا يخلف ولا يغير بل هو مقرر مثبت كائن لا محالة ، لا شك فيه، فلأولياء الله البشارات،  وذلك هو الفوز العظيم 


اللهم اجعلنا من عبادك المتقين المفلحين
اللهم  إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى

No comments:

Post a Comment