Tuesday 3 June 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - الحزب 21 - سورة التوبة ؛ المسجد الذي أسس على التقوي من أول يوم


مسجد الضرار والمسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم 

قال تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَ‌ارً‌ا وَكُفْرً‌ا وَتَفْرِ‌يقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْ‌صَادًا لِّمَنْ حَارَ‌بَ اللهَ وَرَ‌سُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَ‌دْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللهُ  يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)  لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِ‌جَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُ‌وا ۚ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِ‌ينْ ) التوبة  107-108

سبب نزول الآيات :
سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب.  
  وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب ،وله شرف في الخزرج كبير . فلما قدم رسول الله مهاجرا إلى المدينة ، واجتمع المسلمون عليه ، وصارت للإسلام كلمة عالية ، وأظهرهم الله يوم بدر ، بارز النبي بالعداوة ، وخرج فارا إلى كفار مكة من مشركي قريش فشجعهمم على حرب رسول الله ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ، وقدموا عام غزوة أُحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان من امتحان لهم على عدم امتثال بعضهم لأمر رسول الله .

وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول الله ، وأصيب ذلك اليوم ، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى ، وشج رأسه
  وكان رسول الله قد دعاه إلى الله قبل فراره إلى مكة، وقرأ عليه من القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرد ، فدعا عليه رسول الله أن يموت بعيدا طريدا ، فنالته هذه الدعوة .

وذلك أنه لما فرغ الناس من أُحد ، ورأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور ، ذهب إلى هرقل ، ملك الروم ، يستنصره على النبي ، فوعده ومناه ، وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له مكانا  يأتيهم فيه  فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج النبي إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول الله أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته
 فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا له أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل المرض الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المسجد النبوي في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : " إنّا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " ـ  

فلما قفل راجعا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار، وما نواه  بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء، الذي أسس من أول يوم على التقوى
 فبعث رسول الله إلى ذلك المسجد من هدمه قبل وصوله إلى  المدينة ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَ‌ارً‌ا وَكُفْرً‌ا  ..)   قال تعالى فيه : ( لا تقم فيه أبداً ..)ـ
وقوله تعالى : ( وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ) وهذا حلفهم إن أردنا أن نيسر على الضعفاء الذين لا يستطيعون الوصول إلى مسجد قباء .
  ما أردناه ببنيانه إلا خيرا ورفقا بالناس ، قال الله تعالى :  ( والله يشهد إنهم لكاذبون )
أي : فيما قصدوا وفيما نووا ، وإنما بنوه ضرارا لمسجد قباء ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ، وهو أبو عامر الفاسق ، الذي يقال له : " الراهب " لعنه الله 
مسجد قباء :
ثم حثه ربه جل وعلا على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى ، وهي طاعة الله ، وطاعة رسوله ، وجمعا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلا للإسلام وأهله ؛ ولهذا قال تعالى: ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه)
والمقصود هنا هو مسجد قباء ؛ ولهذا جاء  في الحديث الصحيح أن رسول الله قال :
" صلاة في مسجد قباء كعمرة " وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَجَاءَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرُ عُمْرَةٍ» ، وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَيْضًا: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ دَخَلَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَرَكَعَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَانَ ذَلِكَ عَدْلَ عُمْرَةٍ» ، وَيَجْمَعُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ ثَوَابَ الْعُمْرَةِ رُتِّبَ أَوَّلًا عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ سَهَّلَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَرَتَّبَهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
وعليه فكل صلاة تصلى بركعتين في قباء يكون بها أجر عمرة مثل صلاة الفجر وتحية المسجد ، وسواء كانت فرضا أن نفلا ، منفردا ، أم في جماعة .
  وفي الصحيح أيضا :( أن رسول الله كان يزور مسجد قباء راكبا وماشيا )، وفي زيادة : انه كان يأتيه كل سبت .
رجال يحبون أن يتطهروا:
امتدح الله سبحانه وتعالى هذا المسجد وأهله والقيام فيه وشهد له بأنه مسجد أسس على التقوى والإيمان لا الرياء والمفاخرة أو الإضرار. قال الله تعالى: (لمسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) والجمهور من المفسرين على أن المراد في الآية مسجد قباء.

وقد أورد أهل السيَر أنه لما نزل قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) أرسل رسول الله يسألهم عن ذلك فقال:" ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به. فقالوا: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة إلى الغائط إلا غسل فرجه أي بعد الاستنجاء بالأحجار ـ وفي رواية: نتبع الغائط الأحجار الثلاثة، ثم نتبع الأحجار الماء. فقال: هو هذا. زاد في رواية: ولا ننام الليل كله على الجنابة".

قرية قباء...

وقباء هذه ضاحية من ضواحي المدينة المنورة، تقع في الجهة الجنوبية الغربية الموالية لمكة المكرمة، على طريقها المسمى طريق الهجرة، وهو الطريق الذي سلكه النبي عندما خرج من مكة، واتجه صوب المدينة مهاجراً إليها وبرفقته أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وهي منطقة مشهورة ببساتينها ونخيلها وحدائقها الغناء، وكانت تبعد قرابة 5 كم وقد شملها البنيان فألحقها صفحة بيضاء قديمة بالمدينة المنورة حالياً...
وقد كان جمهور الأنصار من أهل المدينة (والذين بلغ عددهم قرابة خمسمائة مسلم كما تذكر ذلك بعض الروايات) قد تلقوا رسول الله بظاهر المدينة في الحرة فرحين به، مسلمين عليه وعلى صاحبه، فعدل ذات اليمين حتى نزل بقباء، في دار بني عمرو بن عوف، وذلك في يوم الاثنين لاثنتي عشرة( 12 أو قيل 8  ) ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان نزوله عند كلثوم بن الهدم شيخ بني عمرو بن عوف، ومكث عنده أربعة أيام ـ وقيل بضع عشرة ليلة ـ أسس خلالها بقباء المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى وصلى فيه.

وبعض الروايات تقول أن هذا المسجد كان موضع صلاة المسلمين قبلَ وصول النبي إلى قباء. فقد نقل السمهودي في كتابه "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى أنه قيل: "كان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله والأنصار بقباء قد بنوا مسجداً يصلون فيه يعني هذا المسجد، ولكن النبي كان قد جمع فيه أول جمعة – أي صلى بالناس صلاة الجمعة لأول مرة -

مزايا مسجد قباء:
 

المسجد الأول في الإسلام

1ـ يعتبر مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام على وجه الأرض، فسواء كان الذين اختاروا موضعه ابتداء هم المهاجرون والأنصار قبل وصول النبي أم كان الذي اختار موضعه هو النبي قبيل دخوله المدينة المنورة لأول الهجرة ـ على المشهورـ فإن ذلك لا يغير من كونه أول مسجد بني في الإسلام، ولذلك دلالته الكبرى التي لا تنكر.

إشراف ومباشرة من قبل الرسول

2ـ حاز مسجد قباء شرف وضع النبي لأساسه، والمشاركة الشخصية منه عليه السلام في بنائه، ومسارعة الصحابة: المهاجرون منهم والأنصار في إعماره، حتى قامت بنيته وعلا كعبه.
روى ابن زُبالة وغيره أنه كان لكلثوم بن الهدم بقباء مِرْبد (والمربد: الموضع الذي يبسط فيه التمر لييبس) فأخذه منه رسول الله فأسسه وبناه مسجداً...
وروى يونس بن بُكير في زيادات المغازي عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة قال: لما قدم النبي فنزل بقباء قال عمار بن ياسر: ما لرسول  بُدُّ من أن يجعل له مكاناً يستظل به إذا استيقظ  ويصلي فيه، فجمع حجارة  فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني.
قال السمهودي: وهو في التحقيق أول مسجد صلى فيه بأصحابه جماعة ظاهرا.

تفاصيل البناء الأول:


وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يسارعون في بناء مسجد قباء ويرتجزون شعراً ينشطون به همهم. روى ابن شبّه أن عبد الله بن رواحة كان يقول، وهم يبنون مسجد قباء:
افلح من يعالج المساجدا. فقال رسول الله : المساجدا.
فقال عبدالله: ويقرأ القرآن قائماً وقاعدا. فقال : وقاعدا.
 فقال عبدالله: ولا يبيت الليل عنه راقدا. فقال رسول الله : راقدا.

بناء بسيط متواضع


إن بناء رسول الله للمسجد كان بناء أولياً في منتهى البساطة والتواضع، إلا أنه كان من حجر، ولعله اتخذ له في قبلته سقفاً على جذوع النخل يقي المصلين حر الشمس ومطر الشتاء، كما فعل في مسجده الشريف في المدينة المنورة.
إلا أنه لم تكن له مئذنة ولا محراب، لأنهما لم يعرفا حينذاك بعد كما.
لم يكن فيه منبر لعدم إقامة صلاة الجمعة فيه طيلة عهد النبي ، الذي كان مسجده الشريف مجمعاً للمسلمين يوم الجمعة والعيد، يأتون إليه من ضواحي المدينة وأطرافها.

التجديد الأول... أيام عثمان رضي الله عنه  


ولما كانت خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه جدد قباء، وزاد فيه وحسنه، وذلك أسوة بما فعله بمسجد النبي إلا أنه لم يخرجه عن صورته البسيطة التي كان عليها في بنائه الأول.

الدور الأموي في تجديده: 


وبقي الحال هكذا حتى  كانت أيام الوليد بن عبد الملك الأموي، الذي قام بعمارة العديد من المساجد والآثار الإسلامية، وكان مولعاً بذلك ناشطاً فيهاـ فأوعز إلي وإليه على المدينة المنورة ابن عمه عمر بن عبد العزيز الذي تولى إمارتها (87 ـ 93هـ) بأن يجدد بناء مسجد قباء وأن يعني به، فقام عمر بن عبدالعزيز بتنفيذ تلك التعليمات، فبالغ  في تنميقه وتوسعته، وهو أول من عمل له مئذنة وجعل له رحبة وأروقة حول صحن المسجد تقوم  على أعمدة حجرية. وقد جاءت زيادة الوليد في مسجد قباء من جهة القبلة.

ثانياً: في فضل إتمام الطهور:

 روى الإمام أحمد : عن رجل من أصحاب النبي : ـ
 ( أن رسول الله صلى بهم الصبح فقرأ بهم الروم فأوهم ، فلما انصرف قال : " إنه يلبس علينا القرآن ، إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء  فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء ) يقصد أنه التبس عليه قراءة القرآن في الصلاة بسبب أنه كان من بين المصلين معه أناس لم يحسنوا الوضوء وهم يصلون معه
وهذا الحديث يرشدنا إلى أن من أسباب خشوع  القلب في الصلاة ، وقراءة القرآن هو إحسان الطهور ، فمن  أراد أن يعي ما يقول  في صلاته ،ويستحضر قلبه  فإحسان الطهور أول أٍبوابه  ، ومن نوي حفظ القرآن ، فطهور الظاهر والباطن سببا له .
وقد أجاز معظم الفقهاءا قراءة القرآن لغير المتوضيء ، ولكنهم قالوا الأولى أن يكون على وضوء ، فإن ذلك أخشع وأحضر للقلب ،
وقوله تعالى : ( والله يحب المطهرين )
فقد اثنى الله تعالى على من أحب الطهارة ، وآثر النظافة ، وهي مروءة آدمية ، ووظيفة شرعية ، وفي صحيح الترمذي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت :( مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحيهم ) ( صحيح ) أي أستحي أن اقوله لهم .
ثبت أيضا أن رسول الله كان يحمل الماء معه في الإستنجاء ، فكان يستعمل الحجارة تخفيفا - عن أمته ، أي حتى لا بشق على من لا يجد الماء- ، والماء تطهيرا كاملا تاما
وبعد فإن الطهور للجسد  بالماء لحسن ، ولكنهم المطَّهِرون من الذنوب بالتوبة من الذنب ،وطهارة القلب من الضغائن ومن الشهوات والشبهات ومن الشرك ، واللسان من الآفات  المنجسة له أحسن ، والله يحب المحسنين ... اللهم اجعلنا منهم .

اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين

No comments:

Post a Comment