Tuesday 10 June 2014

سلسلة الفقه الميسر - الدرس السابع عشر ؛ أحكام السقط








أحكام السقط

جاء في الحديث أن النبي قال: (والذي نفسي بيده إن السقط ليجرُّ أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته) رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة أي: احتسبت أجره عند الله، وصبرت لمصابها.
وهذه جملة من أحكام السقط التي تهم المرأة المسلمة،وهي تشمل على مسائل:

المسألة الأولى : تعريف الإجهاض:
الإجهاض في اللغة:
قال الفيومي: "أَجْهَضَتِ الناقة والمرأة ولدها: إِجْهَاضًا، أسقطته ناقص الخلق، فهي جَهِيضٌ ومُجْهِضَةٌ بالهاء.
فالإجهاض في اللّغة على صورتين، وهما: إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدّة، سواء كان من المرأة أو غيرها، والإطلاق اللّغويّ يشمل الإلقاء للجنين مطلقاً، سواء كان بفعل فاعل أم تلقائيّاً.
تعريف الإجهاض في الاصطلاح الشرعي:
هو إلقاء المرأة جنينها، قبل أن يستكمل مدة الحمل ميتاً أو حياً، دون أن يعيش، وقد استبان بعض خلقه، بفعلٍ منها، كاستعمال دواءٍ أو غيره، أو بفعلٍ من غيرها.
بواعث الإجهاض المتعمد:
إن الإجهاض في وقتنا الحاضر، أصبح مشكلةً منتشرةً بشكلٍ رهيبٍ في العالم أجمع، وأصبح غير ظاهرٍ للعيان في الأغلب، إذ أنَّ كثيراً من حالات الإجهاض تتم بشكل سِرِّي، عن طريق الطبيب، أو تناول الدواء، وعليه فإن بواعث الإجهاض، لا تخلو عن الآتي:
1. قصد التّخلّص من الحمل.
2. قصد سلامة الأمّ، لدفع خطرٍ عنها من بقاء الحمل.
3. وجود تشوهات مؤكدة في الجنين، يستحيل علاجها في مستقبل حياته.
الأصل في حكم الإجهاض:
الأصل في حكم الإجهاض: الحظر والمنع؛ لأن الإسلام اعتبر النفس البشرية معصومة، وحافظ عليها، وجعلها إحدى الضرورات الخمس، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)  [الأنعام: 151]. والجنين داخل في ذلك، ومن المعروف أن النبي لم يقم الحد على الغامدية التي جاءت معترفة بالزنا، فقالت يا رسول الله: إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردَّها، فلما كان الغد، قالت يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فو الله إني لحبلى. قال: ( إما لا فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت، أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته، أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت، هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها.) ( مسلم) فلأنها كانت حاملاً، فقد أخَّر النبي إقامة الحد عليها إلى أن وضعت حملها، وأرضعته، ثم فطمته،فهذا دليل على المحافظة على نفس الجنين.
ولأن الإجهاض ينافي الحضَّ النبوي على التناكح والتناسل، لاستكثار الأمة الإسلامية، وفيه تَخلُّص من الحمل بعد تكونه، ففيه تعدٍّ على مخلوقٍ في مرحلة سيُصْبح بعدها بَشَرًا سويًّا.
ومن المعلوم عند العلماء أن للجنين أهلية وجوب -وإن كانت ناقصة- تُثبت له بعض الحقوق المعروفة عند الفقهاء، منها حق الحياة.
مراحل تكون الجنين، ونفخ الروح فيه:
قبل البدء في بيان حكم الإجهاض قبل نفخ الروح، وبعد نفخ الروح، لا بد من بيان الأطوار التي يمر بها الجنين، ومتى يتم تكون الجنين، ومتى تنفخ فيه الروح، ذلك أنَّ العلم في مجال الطب، أعطى حقيقة مفادها أن الحياة تبدأ في الجنين مبكرة، وقبل مرحلة نفخ الروح التي ورد ذكرها في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبدأ مع هذه الحياة حركة تستطيع الأجهزة الطبية العصرية من تبيُّنها، قبل مضي شهرين من عمر الجنين.
وبيان مراحل تكوين الجنين في الحديث الوارد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق: ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار) ( البخاري) .
 أفاد الحديث أن الجنين يمر بالأطوار التالية: النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم يبعث الله إليه الملك، لكتابة الأربع الكلمات، ثم ينفخ فيه الروح، وكلمة (ثم) في اللغة تدل على التراخي، مما يدل على أن النفخ في الروح تكون في مرحلة متأخرة عن تخلق الجنين.
وجاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله يقول: ( إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص) ( مسلم) أفاد الحديث: أن النطفة إذا مرَّ بها اثنان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا فصورها، وأتم خلقها، مما يفيد أنَّ مرحلة التخلق للجنين تتم في وقت مبكر، بعد مرور اثنين وأربعين ليلة يتم تخلقه، ويدل عليه حرف الفاء، الذي يفيد التعقيب، في قوله: ( بعث الله إليها ملكا، فصورها...)
ولأن تخلُّق الجنين، أصبح في أيامنا أكثر وضوحا، وأقرب يقينا إن لم يكن هو اليقين بعينيه، فقد يظُن ظانٌّ أنَّ هذه الاكتشافات تتعارض مع ما ثبت من حديث رسول الله في الوقت الذي تنفخ فيه الروح في الجنين، كما في حديث عبد الله ابن مسعود، ومع هذا الوضوح في واقعنا، لا بد من تأويل النص تأويلاً يتفق مع اليقين مع غير تكلف ولا بعد، وبيان ذلك:
أنه لا تعارض ولا تناقض بين الحديث النبوي، وبين ما توصل إليه الطب في بدء لحياة للجنين؛ لأن الحديث الشريف أخبر أن مرحلة النفخ في الروح، تأتي بعد مرحلة النطفة والعلقة والمضغة، وبعد كتابة الأربع الكلمات، فالزمن الذي ينفخ فيه الروح، يكون بعد هذه المراحل المتقدمة.
وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه، بأن عملية التخلق للجنين، تكون في طور المضغة، فقال سبحانه: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) [القيامة: 37- 39]. أفادت الآيات: أن الجنين بعد مرحلة النطفة والعلقة، يتم تخلقه، ودلَّ على ذلك ترتيبه بحرف الفاء، والذي يفيد التعقيب، مما يدل على أن عملية الخلق تكون بعد مرحلتي النطفة والعلقة، وهي طور المضغة التي يتم فيها تخليق الجنين، ليكون صالحا لنفخ الروح، وأخذِ صفات الآدمية.
قال الطبري، وهو يتكلم عن تفسير قوله تعالى: ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون: 14]. عني نفخ الروح فيه، وذلك أنه بنفخ الروح فيه يتحول خلقا آخر إنسانا، فهو تحوّل إلى معنى الإنسانية كما تحول أبوه آدم بنفخ الروح في الطينة التي خلق منها إنسانا وخلقا آخر غير الطين الذي خلق منه .
حكم الإجهاض في فترة من فترات الحمل:
الأصل في الإجهاض هو المنْع، والمسوِّغ استثناء يتقيَّد بحدوده. فهناك فترة من فترات الحمل يجوز فيها الإجهاض عند الفقهاء، وفترة أخرى تجري على الأصل في حكم الإجهاض وهو المنع.
وللإجهاض حكمان، وهما:
1. تعلق حق العباد في الإجهاض، وهو الدية التي هي الغرة.
2. الحكم الشرعي للإجهاض قبل نفخ الروح أو بعدها.
أولاً: تعلق حق العباد في الإجهاض، وهو الغرة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى بحجر، فطرحت جنينها ( فقضى فيه النبي بِغُرَّة: عبد أو وليدة) ( البخاري)
وقد استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في إملاص المرأة؟
فقال المغيرة بن شعبة: ( شهدت النبي قضى فيه بغرة: عبد أو أمة) [الإملاص: أن تلقي جنينها ميتا، يقال منه: قد أمصلت المرأة إملاصاً، وإنما سمي بذلك؛ لأنها تزلقه]
 وإيجاب الغرة في الجنين، دليلٌ على أنه محترم يأثم المتعدي عليه، وإذا كان يأثم بالتعدي عليه فإنه لا يجوز إسقاطه.
وقيمة الغرة، خمس من الإبل، بما يساوي نصف عشر الدية، وهذا أقل ما قُدِّر في الشرع.
ومثله إذا أسقطت المرأة جنينها بفعل منها وخرج منها ميتا، بعد أن كانت الروح قد سرت فيه، وجب عليها الغرة وكذلك الحكم إذا أسقطه غيرها، وانفصل عنها ميتا. ومعنى هذا أن هناك إثما وجريمة في اسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه.
ثانياً: الحكم الشرعي للإجهاض قبل نفخ الروح أو بعدها.
لا بد من التفريق في حكم الإجهاض بين أن يكون الإجهاض قبل نفخ الروح، أو أن يكون بعدها، وذلك أن الفقهاء قد اختلفوا في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح، واتفقوا في حكم الإجهاض بعد نفخ الروح، وعليه فلا بد من توضيح كلُّ حكمٍ بمفرده، كما يلي:
أ‌. حكم الإجهاض قبل نفخ الروح:
في حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح، اتّجاهات مختلفة وأقوال متعدّدة، حتّى في المذهب الواحد، وإليك بيان أقوال أئمة المذاهب عن حكم الإجهاض قبل نفخ الروح:
خلاصة أقوال الفقهاء في حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح، وأدلتهم:
مجمل أقوال الفقهاء وأئمة المذاهب، في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين، تتلخص في الأقوال التالية وهي:
القول الأول: التحريم، وهو المعتمد عند المالكية، والمتجه عند الشافعية، والمتفق مع مذهب الظاهرية، ومما أيدوا به أقوالهم يلي:
1- أنَّ هذه النطفة هي مبدأ الحياة، وإذا كان لا يجوز إتلاف الحي، فكذلك السقط الذي هو مبدأ الحياة.
2- أنَّ فيه تَخلُّص من الحمل بعد تكونه، ففيه تعدٍّ على مخلوقٍ في مرحلةٍ سيُصبح بعدها بَشَرًا سويًّا.
3- أنَّ الإسقاط يشبه الوأد، لاشتراكهما في القتل، إذ الإسقاط قتل ما تهيأ ليكون إنساناً، والوأد محرم بالإجماع فكذلك الإسقاط.
القول الثاني: الإباحة مطلقا من غير توقف على وجود عذر، وهذا هو قول فريق من فقهاء الحنفية، وهو قول للشافعية، وقول للحنابلة، ومما أيدوا به قولهم ما يلي:
1- أن كل ما لم تحلّه الروح لا يبعث يوم القيامة، ومن لا يبعث، فلا اعتبار لوجوده، ومن هو كذلك، فلا حرمة في إسقاطه.
2- أن الجنين إذا لم يتخلق، فإنه ليس بآدمي، وإذا لم يكن كذلك، فلا حرمة له، ومن ثم فيجوز إسقاطه.
القول الثالث: الإباحة لعذر، وهو ما تفيده أقوال فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة، وهو المعتمد عندهم. ومما أيدوا به قولهم، ما يلي:
أن الضّرورات تبيح المحظورات، ومن هذه الضرورات، أن يكون بقاء الجنين فيه ضررٌ على الأم، فيجوز إسقاط الحمل، الذي لم تنفخ الروح، لأجل الحفاظ على سلامة وبقاء الأم، وهذا فقه جيد حسن، يراعي الضرورة، ويقدر لها قدرها.
القول الراجح في حكم إجهاض الجنين قبل نفخ الروح:
الأصل في الإجهاض المنع، وعدم جواز الإجهاض قبل نفخ الروح، إلا لعذر شرعي مقبول، ومن تلك الأعذار: إذا تم التأكد عبر الطبيب المختص الثقة، أن استمرار الحمل يشكل خطراً أكيداً على حياة الأم، فيجوز إجهاض الحمل؛ لأن حياة المرأة ضرورة  شرعية مبيحة لإسقاط الحمل قبل نفخ الروح.
ولأنه عند الموازنة بين حياة الأم وحياة الجنين، تُقدَّم حياة الأم؛ لأنها أصله وهو فرعٌ لها، والفرع لا يكون سبباً في إعدام الأصل.
ومعنى ذلك أن المرأة إذا تناولت دواءً، لتصح نفسها من مرض ما، فسقط جنينها بسبب هذا التداوي، فلا شيء عليها، كذلك إذا كان إسقاط الحمل لأجل بقاء الأم وسلامتها، فإنه يجوز، لوجود الضرورة في ذلك.
ومن الضرورة كذلك لجواز الإجهاض، أن يكون الجنين فيه تَشَوُّهٌ خَلقيٌ شديد، فقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة إلى جواز إجهاض الجنين الذي فيه تشوه، قبل مرور مائةٍ وعشرين يوماً عليه، بشروطٍ، وهي:
1. إذا ثبت بتقرير الطبيب المختص الثقة أن الجنين فيه تشوُّه خطير.
2. أن يكون الجنين غيرُ قابل للعلاج في مستقبل حياته.
3. أن يوافق الوالدَان على الإجهاض.
ب. حكم الإجهاض بعد نفخ الروح:
لم يختلف الفقهاء في حكم الإجهاض بعد نفخ الروح، فقد اتفقوا على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين، أي بعد انقضاء أربعة أشهر على الحمل، واستدلوا بحديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه السابق .
وعلى كُلٍّ: فإنًّ الفقهاء لم يجيزوا إسقاط الحمل بعد أن تنفخ فيه الروح
حتى أن بعض الفقهاء لم يستثن حتى حالة المرض، وضرورة العلاج، ولو أدى عدم الإجهاض إلى وفاة الأم؛ لأن الإجهاض في هذه المرحلة يُعد جريمةً محرمةً، وقتل للجنين ، ولا يُستباح هذا الحرام لأي سبب.
ولكن : عملاً بالقاعدة الفقهية: يزال الضرر الأشد بالضرر الأخف، وبعبارة أخرى: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.
فإذا قامت ضرورة تحتِّم الإجهاض، وذلك لإنقاذ حياة الأم من الموت، عن طريق إسقاط جنينها، ورأى الأطباء المختصون الثقات أن بقاء الحمل في بطنها يؤدي لا محالة إلى موتها( أي تأكد موتها في حالة بقاء الجنين في بطنها )  فعندئذ يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح، مراعاة للضرورات، والضرورات تبيح المحظورات، بل يجب إذا كان يتوقف عليه حياة الأم، ولا مِراء في أنه إذا دار الأمر بين موت الجنين وموت أمه، فإن بقاء الأم أولى؛ لأنها أصله، وقد استقرت حياتها .
المسألة الثالثة: الأحكام المترتبة على سقوط الحمل:
متى تعتبر الأم في حالة نفاس عند اسقاط جنينها؟
أولاً: إذا سقط الحمل في مرحلة النطفة - في الأربعين يوماً الأولى - أو في مرحلة العلقة - الأربعين يوماً الثانية -؛ فلا تعتبر المرأة نفساء ، والدم النازل منها ليس دم نفاس ، فعليها في هذه الحالة على المرأة أن تتلجم - يعني تضع على فرجها ما يمنع خروج الدم إلى الملابس مما هو مستعمل عند النساء -؛.وعليها أن تستمر في صلاتها، وصيامها إذا كانت صائمة، ويجوز لزوجها أن يجامعها ويعاشرها وطئاً واستمتاعاً.
ثانياً: أن يسقط الحمل بعد أن تمَّ له ثمانون يوماً:ـ  فعلى المرأة أن تنظر في هذه المضغة إن تمكنت، أو تسأل الطبيب أو الطبيبة الثقة؛ هل خلقت هذه المضغة أو لا؟  يعني: هل بدأ فيها تخليق الإنسان ولو خفياً كتخطيط بطن أو رجل أو رأس ونحو ذلك؟
فإن كانت هذه المضغة لم يتبين فيه خلق الإنسان يعني قطعة لحم، وليس فيها تخطيط ولو خفياً كيد، أو رجل، أو رأس، أو نحو ذلك؛ فإن المرأة تأخذ أحكام القسم الأول فتتلجم وتصلي وتصوم وتحل لزوجها.
وإذا كانت المضغة قد بدأ فيها تخليق الإنسان ولو كان خفياً كتخطيط يد أو رجل أو رأس ونحو ذلك:ـ  فإن المرأة تأخذ أحكام النفاس فلا تصلي، ولا تصوم، ولا يجوز لزوجها أن يجامعها حتى ينقطع عنها الدم أو الصفرة، أو الكدرة، أو حتى تبلغ أربعين يوماً إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصفرة أو الكدرة، فإذا بلغت أربعين يوماً فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وتحل لزوجها.
مسألة مهمة:
إذا سقط الحمل بعد وفاته في الرحم بمدة، مثاله: إذا سقط الحمل بعد ثلاثة أشهر، وتبيَّن أنه قد توفي قبل سقوطه بشهر، فإن الحمل في هذه الحالة يكون عمره شهرين فقط، وتأخذ المرأة أحكام القسم الأول فتتلجم وتصلي، وتصوم وتحل لزوجها ..إلخ، والعبرة بمدة حياة الجنين في الرحم، وليس بزمن إسقاطه.
رابعاً: أن يسقط الحمل بعد تمام أربعة أشهر - بعد نفخ الروح - فالمرأة هنا تأخذ أحكام النفاس، فلا تصلي، ولا تصوم، ولا يجوز لزوجها أن يجامعها حتى ينقطع عنها الدم أو الصفرة أو الكدرة، أو حتى تبلغ أربعين يوماً إذا لم ينقطع عنها الدم أو الصفرة أو الكدرة، فإذا بلغت أربعين يوماً فإنها تغتسل وتصلي، وتصوم وتحل لزوجها، والجنين الذي سقط في هذه المرحلة - بعد نفخ الروح -، وتمَّ له أربعة أشهر يغسَّل، ويكفَّن،ويُصلَّى عليه، ويقبر في مقابر المسلمين، وتذبح عنه العقيقة في اليوم السابع من سقوطه.
قال ابن مازة في البرهاني:
المرأة إذا أسقطت سقطا ، فإن كان استبان شيء من خلقه ، فهي نفساء فيما رأت الدم ، فإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها ، ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضا بأن تقدمه طهر تام يجعل حيضا ؛ لعلة أنه دم خارج عن الرحم ، وإن لم يمكن جعله حيضا بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة .
-وإن رأت الدم قبل اسقاط السقط ، ورأت دما بعد اسقاط السقط
-  فإن كان السقط مستبين الخلق فما راته قبل الاسقاط لا يكون حيضا لأنه تبين انها حين رأته كانت حاملا ، وليس لدم الحامل حكم الحيض ، وهي نفساء فيما رأت بعد اسقاط السقط .
 - وإن لم يكن السقط مستبين الخلق :ـ فما رأته قبل الإسقاط حيض إن أمكن جعله حيضا ، بأن وافق أيام عادتها ، أو كان مرئيا عقيب طهر صحيح ؛ لأنه تبين أنها لم تكن حاملا .
وقال في فتح باب العناية " وسقط بدا بعض خلقه ولد ، فتصير أمه نفساء والأمة أم ولد ، ويقع المعلق به  من ميراث له أو منه ، وتنقضي العدة به . "                 
 فتاوى في السقط:ـ
ما حكم في امرأة أجهضت جنينها بعد تسعين يوما من الحمل ؟ وتركت الصلاة طيلة مدة نزول الدم عليها ؟ هل يعتبر هذا الدم دم نفاس أم لا ؟

فحكم الدم النازل مع إجهاض الجنين إذا تبينت فيه خلقة الإنسان أنه دم نفاس، لا تصلي معه المرأة حتى ينقطع إلا أن يتجاوز أربعين يوماً، فإن تجاوزها اغتسلت وصلت وصامت..... ومن أهل العلم من قال: إن خلقة الإنسان تتبين في الجنين بعد مضي واحد وثمانين يوماً من الحمل.
وبما أن السائلة تقول: إن الإجهاض حصل بعد تسعين يوماً، فإنه يعتبر حملاً قد تخلق، فعليها أن تجلس عن الصلاة والصوم حتى ينقطع عنها الدم أو تكمل أربعين يوماً.

ما حكم الدم النازل مع السقط بعد شهر من الحمل ؟ وقد تركت السائلة الصلاة في فترة نزوله

إلا إن الدم الذي ينزل مع السقط لا يعد نفاساً إذا حصل السقط في الشهر الأول من الحمل، لأنه في هذه الفترة لا يتبين فيه خلق إنسان.
وعليه فإذا تركت الصلاة في هذه الأيام ظناً منك أنه حيض، وقد تبين لك خلافه، فيجب عليك قضاء الصلاة التي لم تصلها في هذه الأيام، ولا إثم عليك إن شاء الله، لأنك تركت الصلاة بطريق الخطأ والتأويل. والله تعالى يقول: (  رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )  [البقرة: من الآية286]
والله أعلم.

وإذا اعتدي على الجنين وأسقط فإنها تجب فيه الكفارة المغلظة، وتجب الدية وهي غرَّة، وإذا اعتدي عليه وأسقط لوقت يعيش لمثله بأن يكون سقوطه لستة أشهر فأكثر، وسقط حياً حياة مستقرة، فديته دية المولود حياً - يعني مئة من الإبل -
وقد أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الطفلَ إذا عُرِفت حياتُه واستهلَّبصوتٍ – أنّه يُغَسَّلُ ويكفَّن ويُصَلى عليه
نقل الإجماع ابن المنذر وابن قدامة في "المغني" (2/328)  والكاساني في "بدائع الصنائع" (1/302)  .
قالَ النوويُّ في "المجموع" (5/210) : ويكونُ كفنُه ككفنِ البالغِ ثلاثةَ أثواب .
وأما من لم يستهل بصوت  لم يغسل ولا يكفن ، ذلك أن العبرة في ذلك بنفخ الروح فيه , ويكون ذلك بعد تمام أربعة أشهر من الحمل ،  فإن نفخت فيه الروح غسِّل وكفّن وصلى عليه , وإن لم تكن نفخت فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه .
ويستحب أن يعق عنه أمَّا العقيقةِ عن السقط إذا بلغ أربعة أشهر , فقد اختلف العلماء في مشروعيتها ، واختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن عثيمين أنها مشروعة مستحبة , وفيهما أيضاً أنه يُسمَّى .
الذي يؤمر بالعقيقة هو من تلزمه النفقة على المولود ،  وهو الأب إن كان موجوداً , فإن امتنع فلا حرج أن يفعلها غيره كالأم .
جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ (30/279)   
وذهبَ الشّافعيّةُ إلى أنّ العقيقةَ تُطلبُ من الأصلِ الّذي تلزمُه نفقةُ المولودِ ، فيؤدّيها من مالِ نفسِه لا من مالِ المولود ، ولا يفعلُها من لا تلزمُه النّفقةُ إلاّ بإذنِ من تلزمُه
فإن كان الأبُ حيًا قادرًا ، فإنه ينصح بالعقيقةِ عن المولود ، فإن امتنعَ أو أذنَ للأمِّ بالعقيقةِ فيُشرَعُ لها ذلك.  والله أعلم


No comments:

Post a Comment