Thursday 26 June 2014

مختصر شامل في أحكام الصيام – الدرس السادس : مفسدات الصوم



 



مفسدات الصوم ( المفطرات )
للصوم عدة مفسدات:

أولاً: الأكل والشرب عمداً غير نسيان، وقد أجمع على هذا أهل العلم رحمهم الله تعالى، قال تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".
والتدخين داخل فيه كما أفتى بهذا الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وغيره من أهل العلم.
ومثله إدخال شيء إلى الجوف عن طريق الأنف، كقطرة الأنف، لحديث لقيط بن صبرة مرفوعاً: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الترمذي، بخلاف قطرة العين فلا تفطر، كما أفتى بهذا الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى.

ثانياً: كل ما يقوم مقام الأكل والشرب في تقوية الجسد فهو مفطر كالإبر المغذية ونحوها، فهو في معنى الأكل والشرب وغايته.

ثالثاً: الجماع، ويكون بإيلاج الذكر في الفرج، وهذا مفطر بإجماع أهل العلم رحمهم الله تعالى، وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، أما ما دون الإيلاج من مداعبة للزوجة ، أو تقبيلها وخلافه  فعلى الصائم أن يتجنب كل ما من شأنه أن يثير شهوته كما جاء في الحديث القدسي، يقول الله تعالى: ( الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي)  رواه البخاري.
وفي الأمر تفصيل :  ذلك أنه إن كان الرجل ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل فإنّه يحرم عليه تقبيل زوجته وكذا دواعي الوطء كلّها من اللمس وتكرار النظر، وأمّا إن كانت القبلة  ممّن لا تحرك شهوته فتجوز بلا كراهة  وهذا مذهب الحنابلة .
قال في كشّاف القناع: " وتكره القبلة ممّن تحرك شهوته فقط وإن ظنّ الإنزال لفرط شهوته حرِّم بغير خلاف، ولا تكره  القبلة ممّن لا تحرك شهوته " .
وفي الحديث :دخل الأسود ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقالا: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم ؟ قالت: " كان يفعل وكان أملككم لإربه ". [ رواه مسلم]، وهو وإن كان كما قالت عائشة رضي الله عنها أنه أملك لإربه من غيره من الرجال ، فإنه قد رخص لغيره فيها؛ كما رواه مسلم عن عمر بن أبي سلمة: "أنه سأل رسول الله : أيُقَبل الصائم؟ فقال له: سل هذه، لأم سلمة، فأخبرته: أن رسول الله يفعل ذلك، فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أرخص فيها للشيخ وكرهها للشباب، ولأنه في حق أحدهما لا يأمن أن ينزل فيفسد الصوم، وفي الآخر يأمن ففرق بينهما. اهـ.
 قال الشيرازي في المهذب: ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم، والكراهة كراهة تحريم، وإن تكن لم تحرك القبلة أو المداعبة للزوجة شهوته قال الشافعي: فلا بأس بها وتركها أولى، خصوصاً إذا كان شاباً .
والعلة في فساد الصوم هي في إنزال المني ، وليس المذي.
في فتاوى اللجنة الدَّائمة للبحوث والإفتاء: "الفَرْقُ بيْنَ المنِيِّ والمَذْي: أنَّ المنيَّ من الرَّجُل ماءٌ غليظ أبيض، ومن المرأة رقيقٌ أصفر، وأمَّا المذي فهو ماء رقيق أبيضُ لزِج يَخرج عند الملاعبة، أو تذكُّر الجماع أو إرادته، أو نظر، أو غير ذلك، ويشترك الرجُل والمرأة فيه" اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحِمه الله: "خروج المذْيِ لا يُبْطِل الصَّوم في أصحِّ قولَيِ العُلماء؛ سواءٌ كان ذلك بسبب تقبيلِ الزَّوجة، أو مُشاهدة بعض الأفلام، أو غير ذلك مِمَّا يثيرُ الشَّهوة، ولكن لا يَجوزُ لمسلمٍ مُشاهدة الأفلام الخليعة، ولا استماعُ ما حرَّم الله من الأغاني، وآلات اللَّهو.
 أمَّا خروج المنيّ عن شهوة فإنَّه يُبْطِل الصَّوم سواءٌ حصَلَ عن مُباشرةٍ، أو قُبْلة، أو تَكرار النَّظر، أو غير ذلك من الأسباب التي تُثِيرُ الشَّهوة؛ كالاستمناء ونَحوه. وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع": والصواب أنَّه إذا باشر فأمذى، أوِ إذا استَمْنى فأمذى أنَّه لا يفسد صومُه، وأنَّ صومَه صحيح، وهذا اختيارُ شيخ الإسلام.
 أمَّا الاحتلام والتَّفكير فلا يَبْطُل الصَّوْمُ بِهِما ولو خرج منيٌّ بسبَبِهما" اهـ.

رابعاَ: الحيض والنفاس للمرأة: وهذا مفسد للصوم بإجماع العلماء، وقد روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"، وأما بالنسبة لاستعمال بعض النساء لحبوب لمنع العادة في رمضان فقد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن الحبوب، والحمد لله على قدرته وعلى حكمته". والسبب أنها باستعمالها الحبوب قد تؤذي نفسها ، والأفضل أن تدع المرأة طبيعتها تسير مسارها، وترضى بقضاء الله لها وتحمده عليه ، وتفطر هذه الأيام من رمضان وتقضى متى استطاعت وشاءت ففي الأمر متسع ، وكذلك كانت أمهات المؤمنين يفعلن .

خامساً: التقيؤ عمداً، بدليل ما روي عن النبي أنه قال: " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" رواه أبو داود والترمذي وغيرهم.

سادساً: الاستمناء يقظةً، سواءً بقبلة أو لمس أو غيرهما، بدليل قوله يرويه عن ربه : "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري ومسلم، وقد ذكر ابن قدامة في المغني أن من أنزل بقبلة أو لمس فإنه يفطر بغير خلاف يعلم.
-والاستمناء لا يجوز لا في رمضان ولا في غيره، فالاستمناء محرم ومنكر عند جمهور أهل العلم، لا يجوز فعله لما فيه من مخالفة لقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (5-7) المؤمنون،  فالاستمناء غير إتيان الزوجة، هو عبث ومنكر وهو عدوان على محارم الله.
ثانياً: فيه مضار كثيرة مع كونه مخالفاً للشرع، قرر الأطباء العارفون بهذه الجريمة قرروا أن فيها مضاراً كثيرة على المستمني نفسية وجسدية، إلا إذا اضطر لها لتفريغ شهوة عارمة لم يكن هو منشئها.
ثالثاً: على من استمنى في رمضان أن يقضي اليوم، عليه أن يتوب إلى الله وأن يقضي ذلك اليوم؛ لأنه أفطر فيه بهذا الاستمناء.
سابعاً: الحجامة، ومثلها التبرع بالدم الكثير، والفصد:  وهي ليست من المفطرات ولكني رأيت أضافتها هنا لما يكثر السؤال عنه وتناقله بين الناس أنها تفطر ويستدلون بقوله : "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه البخاري. فإليكم التفصيل  
الحجامة معناها: الشق، أو جرح عضوٍ من الجسد كالظهر، ومص الدم منه بالفم أو بآلة ‏كالكأس على سبيل التداوي.‏
والتداوي بالحجامة مستحب، لقوله : " إن كان في شيء من أدويتكم ‏خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي".متفق عليه. وقال : " خير ما تداويتم به الحجامة" رواه أحمد ‏والبخاري، ‏
وقد اختلف أهل العلم في الحجامة: هل تفطر الصائم أم لا؟.‏
فذهب الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي، إلى أنها لا تفطر، لما روى البخاري عن ‏ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي احتجم وهو محرم، واحتجم وهو ‏صائم. ‏
وقال ابن عباس وعكرمه: الصوم مما دخل وليس مما خرج. وعن أم علقمة قالت: "كنا ‏نحتجم عند عائشة ونحن صيام، وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم".‏
وذهب أحمد إلى أن الحجامة تفطر، لما في المسند والترمذي من حديث رافع بن خديج أن ‏النبي قال: "أفطر الحاجم والمحجوم".
وما ذهب إليه جمهور أهل العلم هو الراجح، وأدلتهم هي ...
1-          أنهم تأوَّلوا حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" بأن معناه: تسببا في الفطر، هذا بسبب ‏مصه للدم الذي قد يصل منه شيء إلى حلقه، والآخر بسبب إضعاف نفسه إضعافاً ينشأ ‏عنه اضطراره إلى الفطر.
2-          والظاهر من النقول: أن حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" إن أخذ بظاهره، قد نسخ، بدليل حديث ابن عباس في احتجامه عليه الصلاة والسلام، وهو متأخر، لأنه كان في حجة الوداع وأحاديث الترخيص في الحجامة تدل علي أنها متأخرة، كما في حديث أنس وغيره، وغالب ما يستعمل الترخيص بعد المنع.
3-          كما أن أحاديث الترخيص في الحجامة للصائم أصح وأقوى، وينصرها القياس، كما قال الإمام الشافعي فوجب تقديمها.

قال الشافعي: والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم: أن لا يفطر أحد بالحجامة ( كما في الفتح )
وعلى هذا يعرف حكم أخذ الدم من الجسم في الصيام،سواء بالحجامة أو التبرع بالدم أو للتحليل ، على رأي الجمهور: لا يُفطر، ولكن قد يكره من أجل الضعف، أي إذا كان يضعف المأخوذ منه.
والأولى لمن تضعفه الحجامة أن يؤخر الحجامة إلى الليل، ‏لأنه قد يضطر إلى الفطر بسببها. ففي موطأ مالك عن ابن عمر: "أنه احتجم وهو صائم ثم ‏ترك ذلك، وكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر"، وعن الزهري: "كان ابن عمر يحتجم ‏وهو صائم في رمضان وغيره، ثم تركه لأجل الضعف" والحديث وصله عبد الرزاق عن ‏معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، هكذا ذكره الحافظ في الفتح.‏

أخيراً:

ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أن المفطّرات ماعدا الحيض والنفاس لا يفطر بها الصائم إلا بشروط ثلاثة:

الأول: أن يكون عالماً بالحكم وعالماً بالوقت.
الثاني: أن يكون ذاكراً لصومه.
الثالث: أن يكون مختاراً.   والله أعلم

No comments:

Post a Comment