Sunday 8 June 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - الحزب 23؛ سورة هود - فاحشة قوم لوط؛ ما سبقهم بها من أحد من العالمين





قال تعالى :
  (وَلَمَّا جَاءَتْ رُ‌سُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْ‌عًا وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَ‌عُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ‌ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللهَ َ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَ‌جُلٌ رَّ‌شِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِ‌يدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُ‌كْنٍ شَدِيدٍ (80) هود

التفسير وسرد القصة:
يخبر تعالى عن قدوم الملائكة بعدما أعلموا إبراهيم بهلاكهم وفارقوه، فانطلقوا من عنده فأتوا لوطاً عليه السلام، ‏وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ بصرت بنتا لوط - وهما تستقيان - بالملائكة ورأتا هيئة حسنة، فقالتا‏:‏ ما شأنكم‏؟‏ ومن أين أقبلتم‏؟‏ قالوا‏:‏ من موضع كذا نريد هذه القرية قالتا‏:‏ فإن أهلها أصحاب الفواحش؛ فقالوا‏:‏ أبها من يضيفنا‏؟‏ قالتا‏:‏ نعم‏!‏ هذا الشيخ وأشارتا إلى لوط؛ فلما رأى لوط هيئتهم خاف قومه، عليهم‏.‏ ‏( سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْ‌عًا)  ‏أي ساءه مجيئهموهم في أجمل صورة  تكون، على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاءً من الله - وله الحكمة والحجة البالغة - فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم، وخشي أن يضيفهم أحدٌ من قومه فينالهم بسوء، فقرر أن يضيفهم هو على كراهة وشدة من ذلك،(وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)، قال ابن عباس: شديد بلاؤه، وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ويشق عليه ذلك، وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه فاستحيا منهم، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه: ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلاً، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات، قال قتادة: وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوا قومه حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك، قال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار، ولقوا بنت لوط تستقي، فقالوا: يا جارية هل من منزل؟ فقالت: مكانكم حتى آتيكم وفَرِقت عليهم من قومها فأتت أباها، فقالت: يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك، وكان قومه نهوه أن يضيف رجلاً، فقالوا: خل عنا فلنضيف الرجال، فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته، فخرجت امرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون إليه.
ورد عن المفسرين قولهم : أن القوم دخلوا دار لوط ، وأرادوا أن يدخلوا الغرفة الذي كان فيها جبريل عليه السلام ، فوضع جبريل عليه السلام يده على الباب ، فلم يطيقوا فتحه حتى كسروه، فمسح أعينهم بيده فعموا ، فقالوا : يا لوط قد أدخلت علينا السحرة وأظهرت الفتنة.
 أولاً- وفي هذه القصة مسائل تحتاج التوضيح:
أولا: أنه لما دخلت الملائكة دار لوط عليه السلام، مضت امرأته عجوز السوء ، فقالت لقومه : دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن وجوها ولا أنظف ثيابا ولا أطيب رائحة منهم ، وهذا ذتبها الذي جعلها مثلا للذين كفروا، ,هذا ما وصفة الله تعالى من فعلها أنه خيانة لزوجها، حيث قال سبحانه : (ضَرَ‌بَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُ‌وا امْرَ‌أَتَ نُوحٍ وَامْرَ‌أَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ‌ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( التحريم 10)، كانت تفشي أسرار بيتها . لقد خانت سر بيته ، فضحت ستره، وأخبرت الناس خارج بيته بما في بيته، ولا يجوز لزوجة أن تبوح بأسرار بيتها ، ولا ما يكره زوجها أن يُعرف من الغيب فيه ، وقد مدح الله تعالى الزوجات الصالحات فقال: ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ...) النساء 34.
هذا فضلا عن مساعدتها للفجرة على فجورهم ، فكانت تدلهم وتنبههم إذا زار نبي الله لوط أحد من الرجال .
وللفائدة :
حفظ الأسرار أهم الحقوق الزوجية:

المرأة المسلمة التقية هي من تحفظ هذه الحقوق وتعمل بها، مراعاة لحرمة الرباط المقدس ولتستقر حياتها الزوجية، يقول ﷺ: ( أعظم الناس حقا على المرأة زوجها)
ومن أهم هذه الحقوق التي تحفظ السكينة والمودة والسلام الأسري, حفظ الزوجة لأسرارها الزوجية وإحاطتها بالكتمان, وعلى الزوجة أن تعلم أن الأسرار الزوجية أنواع, منها ما يتعلق بالمشاكل والأمور الزوجية الحياتية العامة، ومنها ما يرتبط بأسرار العلاقة الخاصة بين الزوجة وزوجها،  وحفظ هذه الأسرار دليل على صلاح الزوجة ومعرفة ما لها من حقوق وما عليها من واجبات لقوله تعالى:  (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفـظ الله).
فما أهمية كتمان الزوجة لأسرارها الزوجية ؟ وما دوافع المرأة لإفشاء الأسرار؟ ثم ما هي نتائج إفشاء المرأة لأسرارها الزوجية ؟ وما هي الحالات التي يجوز فيها إفشاء الأسرار؟ 
الإسلام يؤكد الحق في حفظ الأسرار

ومن هذه الحقوق, حق كل من الزوج والزوجة في الستر وحفظ أسرارهما, وقد اهتم الإسلام بالدعوة إلى حفظ الأسرار والنهي عن إفشائها، فمن الخيانات يوم القيامة إفشاء الزوجة لأسرار زوجها، فإلى جانب الأضرار التي ستترتب على إذاعة هذه الأسرار، تكون قد خانت العهد الذي وافقت عليه عند توقيع عقد الزواج وخانت الأمانة الزوجية ، يقول الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
ويقول ﷺ: ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).
وفي أكثر من موضع بالغ رسول الله في تعظيم جرم من يفشي أو تفشي أسرار زوجها فنجده يصف من يفشي هذه الأسرار بأشر الناس فيقول :(إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها وتنشر سره)
وفي مسند الإمام أحمد يشبه من تفشي أسرار زوجها بالشيطانه, ونجده يحذر وينهي أصحابه من إفشاء أسرار الفراش فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله والرجال والنساء قعود عنده فقال: ( لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها)  فأرم القوم فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون،  قالﷺ: ( فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)
 ولأهمية حفظ الأسرار الزوجية وأثرها في استقرار العلاقة بين الزوجين نصحت امرأة أعرابية ابنتها ليلة الزفاف نصيحة خالدة تبني عليها حياتها الزوجية فقالت لها: "لا تفشي له سرا, ولا تعصي له أمرا, فإنك إن أفشيت سره لم تأمن غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره"

ثانيا - وقوله تعالى: (  وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَ‌عُونَ إِلَيْهِ)  أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك، وقوله: (وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ )  أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال.والسيئة التي كانوا يفعلونها كما نبه عليها سبحانه في قوله : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّ‌جَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ..) ‌﴿العنكبوت 28-29)

ثالثاً- أما قوله تعالى : (قَالَ يَا قَوْمِ هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ‌ لَكُم)  فقد يظن الظان أن نبي الله عليه السلام يدعوهم لفعل الفاحشة مع بناته ، حماية لأضيافه من  للملائكة !! وليس الأمر كذلك ، فحاش لله أن يصدر هذا عن نبي معصوم، بل في بيانه قولان :
 الأول : قال قتادة : المراد بناته لصلبه ، واتفقوا على أنه عليه السلام  ما دعا القوم إلى الزنا بهن، بل المراد أنه دعاهم إلى التزوج بهن، وأنه دعاهم إلى التزوج بهن بشرط أن يقدموا الإيمان، ولذلك كان ردهم  
(قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِ‌يدُ (79) 
لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان، ونحن لا نجيبك إلى ذلك، فلا يكون لنا فيهن حق.
الثاني : يرشدهم إلى نساءهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة،وهو التزوج بالنساء، كما قال في الآية الأخرى: ( وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) ، قال مجاهد: لم يكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته، ( ومن بينهن نسائهم أي زوجاتهم ) وأضافهن عليه السلام إلى نفسه إضافة متابعة ؛ولأنه كان نبيا لهم، فكان كالأب لهم ،كما خص تعالى زوجات  نبينا بمنزلة الأمومة لجميع رجال الأمة،  قال تعالى: ( وأزواجه أمهاتهم ) [الأحزاب 6 ] يقتضي ذلك أنه أب لهم، وهذا القول هو المختار، ويدل عليه وجوه
 1- أن إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفجار أمر مستبعد، لا يليق بأهل المروءة ، فكيف بأكابر الأنبياء ؟
2- وهو أنه قال: (هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ‌ لَكُم ) فبناته اللواتي من صلبه لا تكفي للجمع العظيم، أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل.  
رابعاً- لو قال نبي الله لوط عليه السلام "هؤلاء بناتي" وسكت، لكان ذريعة لخصوم الإسلام أن يقولوا أنه كان يعرض بناته ( أو نساء أمته )على القوم لارتكاب الفحشاء معهن، لكن قد خصص النبي لوط عليه السلام هذا العرض بقوله "هن أطهر لكم" ففيه إشارة إلى أنه يلفت انتباههم إلى البحث عن الطيب والطاهر وترك  الخبيث ، بل لقد استخدم اسم التفضيل ( أطهر ) هو من قبيل متابعة الحوار على ما يظن الخصم لإفحامه بالحجة، وكأنه يقول لقومه " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم من الذكران إن كنتم تظنون أن هذا الفعل الفاحش من الطهر في شيء لكنه خبث مبين وأنتم تعلمون، وهذا تأكيد على طلب الطهر، فالزواج وطلب العفة بما أحله الله تعالى هم خير لكم، وأطيب غاية . كما أن لفظ "أطهر " فيه إشارة إلى لزوم بذل الجهد في البحث عن الطيب وترك الخبيث .  
ولفظة "لكم" تتمم مضمون العلاقة الطبيعية بين الأنثى "هن" والذكر "لكم"، وهي "الطهر" وهذا الطهر هو الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة،
خامساً-  والآية وإن كانت تتحدث عن موقف النبي لوط عليه السلام ، من قومه وعرضه بناته عليهم للزواج لأنه أطهر من إتيان الذكران، إلا أنها تقيد أن الزواج الشرعي بما كان بين الرجل والمرأة بعقد شرعي، وعليه تُحرم الآية صراحة الزواج المثلي "ذكر من ذكر وأنثى من أنثى" المنتشر الآن والعياذ بالله من نكوص الفطرة .
سادساً- وإذا كان الشارع قد نص صراحة على عقوبة إتيان الذكران وهي الموت، فالقياس يقضي بتطبيق نفس العقوبة على المثليات من النساء، والجامع بينهما الخبث في كل، وهو نقيض الطهر الذي نصت عليه الآية هنا صراحة.
وفي قوله : ( لا تخزوني في ضيفي ..) أي لا تخجلوني فيهم ؛ لأن مضيف الضيف يلزمه الخجالة من كل فعل قبيح يوصل إلى الضيف ، يقال : خزي الرجل إذا استحيا. 
قال ابن عباس : لا تفضحوني في أضيافي ، يريد أنهم إذا هجموا على أضيافه بالمكروه ، لحقته الفضيحة .
 
ثم قال : ( أليس منكم رجل رشيد ) " رشيد " بمعنى مرشد ، أي فيه خير، يقبل ما آمره به ويترك ما أنهاه عنه، ويقول الحق ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي .


وقوله: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُ‌كْنٍ شَدِيدٍ) أي لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث: (رحمة اللّه على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد -يعني اللّه عزَّ وجلَّ- فما بعث اللّه بعده من نبي إلا في ثروة من قومه)، والثروة الكثرة والمنعة؛ حديث حسن، فعند ذلك أخبرته الملائكة أنهم رسل الله إليه، وأنهم لا وصول لهم إليه، يروى أن الملائكة وجدت عليه حين قال هذه الكلمات، وقالوا‏:‏ إن ركنك لشديد‏،‏ ويروى أن لوطا عليه السلام لما غلبه قومه، وهموا بكسر الباب وهو يمسكه، قالت له الرسل‏:‏ تنح عن الباب؛ فتنحى وانفتح الباب؛ فضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم، وعموا وانصرفوا على أعقابهم يقولون‏:‏ النجاء، النجاء.




اللهم احفظ جميع المسلمين من الفواحش ما ظهر منها وما بطن

No comments:

Post a Comment