Tuesday 10 June 2014

الفقه الميسر - الدرس السادس عشر - موجبات الغسل : 3- النفاس




  


النَّفـاس
معناه:  
النفاس لغة: الولادة ، وشرعاً: الدم الخارج اثناء الولادة أو عقبها، وسمي نفاساً، لأنه يخرج عقب خروج النفس، ويقال للمرأة نُفَساء.
وقد اختلف في والدم الذي يخرج أثناء الطلق، أو مع خروج الولد، هل يعتبر دم نفاس، لتقدمه على خروج الولد، أو دم فساد، وعلى ذلك تجب الصلاة أثناء الطلق ولو رأت الدم، وإذا لم تتمكن من الصلاة ، وجب قضاؤها؟
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في الشرح الممتع: والنِّفاس : دمٌ يخرج من المرأة بعد الولادة، أو معها، أو قبلها بيومين، أو ثلاثةٍ مع الطَّلق، أما بدون الطَّلق، فالذي يخرج قبل الولادة دمُ فساد وليس بشيء، فإِن قيل: كيف نعرف أنه قبل الولادة بيومين أو ثلاثة؟ فهنا امرأة أحسَّت بالطَّلق، وصار الدَّم يخرج منها، فالدم دم نفاس، والطَّلق قرينةٌ على أنَّ الدَّم دمُ نِفاسٍ، وأن الولادةَ قريبةٌ، وعلى هذا لا تُصلِّي، فإِن زاد على اليومين قضت ما زاد، لأنَّه تبيَّن أنَّ ما زاد ليس بنفاس، بل هو دمُ فساد.
وقال بعض العلماء: لا نفاس إِلا مع الوِلادة أو بعدها، وما تراه المرأةُ قبل الولادة ولو مع الطَّلق فليس بنِفاس، وعلى هذا القول تكونُ المرأة مستريحةً، وتُصلِّي وتصومُ حتى مع وجود الدَّم والطَّلق ولا حرج عليها، وهذا قول الشَّافعية, وأشرت إِليه لقوَّته، لأنَّها إِلى الآن لم تتنفَّس، والنِّفاس يكون بالتنفُّس. اهــ.
وسئل عما ينتشر عند كثير من النساء قبل ولادتها بيوم أو يومين عندما يخرج الدم تترك الصلاة، فهل هذا صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً هل تعيد الصلاة؟ فأجاب بقوله: يقول العلماء رحمهم الله: النفاس هو الدم الذي يخرج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق، فإذا أحست بالطلق وبدأ يخرج دم معها فهو نفاس لا تصلي ولو كان قبل خروج الولد بيومين أو ثلاثة. اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ما يخرج من الحامل قبل الولادة بيوم أو يومين ومعه علامة الولادة يعتبر نفاسا تترك من أجله الصيام والصلاة، وإن كان ليس معه أمارة ولادة، فإنه لا يعتبر نفاسا، وعليها أن تصلي وتصوم ولو كان نازلا، لأن حكمه حكم البول. اهـ.
مدة النفاس:
وأقل مدة النفاس لحظة، وقد يمتد أياماً، وأكثره أربعون يوماً ، فما زاد عليه فهو استحاضة والأصل في هذا الاستقراء، كما علمت في مدة الحيض.
رؤية الدم حال الحمل:
وفي اعتبار الدم الخارج من الحامل قولان :
الاول : إذا رأت الحامل دماً، وبلغت مدته أقل مدة الحيض – وهي يوم وليلة – ولم يتجاوز أكثر مدة الحيض – وهي خمسة عشر يوماً بلياليها- اعتبر هذا الدم حيضاً على الأظهر، فتدع الصلاة والصوم وكل ما يحرم على الحائض، أما إذا كان الدم الذي رأته أقل من مدة الحيض، أو أكثر من مدة أكثره، اعتبر الأقل والزائد دم استحاضة، وأخذ حكمه من حيث الصلاة وغيرها.
وقيل: الدم الذي تراه المرأة الحامل يعتبر دم استحاضة مطلقاً كيف كان، وليس دم حيض، لأن الحمل يمنع الحيض، وهذا الغالب الأكثر، وحيض المرأة أثناء الحمل إن لم يكن ممتنعاً فهو نادر جداً.
التحقيق في المسألة : أنه لا حيض مع الحمل، وهو القول الأصح، أي حال كونها حاملاً، والدَّليل من القرآن، والحسِّ.
أما القرآن: فقوله تعالى:( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ( البقرة\ 228)  وقال تعالى:( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) (الطلاق: 4) أي: عدتهن ثلاثة أشهر.
ثم قال تعالى:( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) (الطلاق: 4)  فدلَّ هذا على أنَّ الحامل لا تحيض، إذ لو حاضت، لكانت عِدَّتها ثلاث حِيَضٍ، وهذه عِدَّة المطلقة.
وأما الحِسُّ: فلأَنَّ العادة جرت أنَّ الحامل لا تحيض، قال الإمام أحمد رحمه الله: "إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدَّم"
أما ما يتعلق بالمشاهد من رؤية الحامل للدم فقد ذكر الاطباء له عشرة اسباب فهو ليس من الحيض البته، ولا سببه  وقد اجمع الاطباء على ان الحائض يستحيل في حقها الحيض بل ان تكوين الحمل الذي ثبت بالمشاهدة يمنع حيضها .
وعليه فإن وما تراه من الدم فهو دم فساد وهو قول جمهور التابعين منهم‏:‏ سعيد بن المسيب وعطاء والحسن، وغيرهم ، ويؤكد هذا القول  قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏لا توطا حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرا بحيضة‏)‏ [ يقصد الأمة يشتريها مالك جديد ] فجعل وجود الحيض علامة على براءة الرحم‏,‏ فدل ذلك على انه لا يجتمع الحيض مع الحمل ، واحتج الإمام أحمد بحديث سالم عن أبيه ‏(‏انه طلق امراته وهي حائض فسال عمر النبي - فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا او حاملا‏)‏ فجعل الحمل علما على عدم الحيض‏,‏ كما جعل الطهر علما عليه ولانه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبا فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالايسة

مدة الحمل:
أقلُّها: وأقل مدة الحمل ستة أشهر أخذاً من الآيتين الكريمتين: قوله تعالى:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ‌ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ‌ ) 14 لقمان
فصاله : أي فطامه عن الرضاع.
وقوله تعالى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً‌ا ۚ )  15 الأحقاف
فإذا كانت مدة مجموع الحمل والرضاع ثلاثين شهراً، وكانت مدة الرضاع وحده عامين، كانت مدة الحمل ستة أشهر، وهي أقل مدته، فإذا جاءت المرأة بولد بعد الزواج بأقل من ستة أشهر وهو حي، لا يثبت نسبه لأبيه.
غالبها: وغالب مدة الحمل تسعة أشهر، أخذاً من واقع الحال فإن عامة النساء يلدن بعد بدء الحمل بتسعة أشهر، أو يزيد على ذلك أياماً قليلة، أو ينقص.
ما يحرم بالحيض والنفاس:
1ـ الصلاة: لأحاديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها السابقة في الاستحاضة.
2- المكث في المسجد لا العبور فيه: لما مرَّ معك فيما يحرم بالجنابة. ومما يدل على أن مجرد العبور لا يحرم، بالإضافة لما سبق: ما رواه مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال لي رسول الله : " نَاولِيني الْخُمْرَة مِنَ المَسْجدِ" . فَقُلْتُ: إنَّي حَائِضٌ، فقال:" إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ في يَدِكِ" .
وعن النسائي عن ميمونة رضي الله عنها قالت: تَقُومُ إحْدانا بِالخُمْرَةِ إلى المَسْجدِ فَتَبْسُطُها وهِيَ حَائِضٌ.
[ الخمرة: هي السجدة أو الحصير الذي يضعه المصلي ليصلي عليه أو يسجد].
3- الطواف حول الكعبة: ودل على ذلك ما مَّر في الجنابة.
وما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا لا نُرى إلاَّ الحجَّ، فلمَّا كنَّا بسَرَفٍ حِضْتُ، فدخل علىَّ رسول الله وأنا أبكي، قال: " مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟" قُلْتُ: نعم ، قال:" إنَّ هَذا أَمْرُ كَتَبَهُ اللهُ عَلى بَناتِ آدمَ، فاقضِي مَا يَقْضِي الحاجُّ، غير أن لا تطوفي بالبَيْتِ". وفي رواية " حتى تَطْهُري".
[لا نرى : لا نظن أنفسنا إلا محرمين بالحج. بسرف: مكان قرب مكة. أنفستِ: أحضتِ. فاقضي: افعلي ما يفعله الحاجُّ من المناسك] .
ويحرم على الحائض زيادة على ذلك أمور أخرى وهي:
1- عبور المسجد والمرور فيه إذا خافت تلويثه، لأن الدم نجس ويحرم تلويث المسجد بالنجاسة وغيرها من الأقذار، فإذا أمنت التلويث حلَّ لها المرور كما علمت.
2- الصوم: فلا يجوز للحائض أن تصوم فرضاً ولا نفلاً، ودليل ذلك ما رواه البخاري، ومسلم، عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله قال في المرأة وقد سئل عن معنى نقصان دينها: " أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟".
وعلى ذلك الإجماع.
وتقضي الحائض ما فاتها من صوم الفرض بعد طهرها، ولا تقضي الصلاة، وإذا طهرت- أي انتهى حيضها قبل طلوع الفجر– وجب عليها الصوم، ولو لم تغتسل.
روى البخاري، ومسلم واللفظ له، عن معاذة قالت: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: "كان يصيبنا ذلك مع رسول الله   فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة". ولعل الحكمة في ذلك أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم.
3- الوطء- أي الجماع – والاستمتاع والمباشرة بما بين السرة إلى الركبة: لقوله تعالى:
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [ البقرة :222 ].
والمراد باعتزالهنَّ ترك الوطء.
وروى أبو داودعن عبدالله بن سعد رضي الله عنه : أنه سأل النبي : ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائضُ ؟ قال: "لَكَ مَا فّوقَ الإِزَارِ". والإزار الثوب الذي يستر وسط الجسم وما دون، وهو ما بين السرة إلى الركبة غالباً.

No comments:

Post a Comment