Monday 2 December 2013

فوائد ووقفات مع الدعاء من سورة الفاتحة

  
 


وقفات مع الدعاء في سورة الفاتحة
- في معنى قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين ) هو لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك ،  إياك نعبد تبرؤ من الشرك ، وإياك نستعين تبرؤ من الحول والقوة, والتفويض إلى الله تعالى، وهذا المعنى موجود في أكثر من آية من آيات القرآن، كقوله تعالى: ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود 123)، وقوله تعالى :( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا (( الملك 29 )
فالعبادة غاية والاستعانة وسيلة , والوسائل لها حكم المقاصد في الإسلام , والغاية لا تبرر الوسيلة في الإسلام.
وذكر الألوسي رحمه الله: سر قوله ( نَعْبُدُ ) دون أعبد فقد قيل هو الإشارة إلى حال العبد كأنه يقول:  إلهي ما بلغت عبادتي إلى حيث أذكرها وحدها لأنها ممزوجة بالتقصير ولكن أخلطها بعبادة جميع العابدين وأذكر الكل بعبارة واحدة حتى لا يلزم تفريق الصفقة.
-       وقيل النكتة في العدول إلى الإفراد التحرز عن الوقوع في الكذب فإنا لم نزل خاضعين لأهل الدنيا متذللين لهم مستعينين في حوائجنا بمن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا حياتاً ولا موتاً ولا نشوراً .
-       ويمكن في الجمع أن يقصد تغليب الأصفياء المتقين من الأولياء والمقربين وقيل لو قال إياك أعبد لكان ذلك بمعنى أنا العابد ولما قال ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ) كان المعنى أني واحد من عبيدك وفرق بين الأمرين .
-       وقيل الضمير في الفعلين للقاري ومن معه من الحفظة وحاضري الجماعة وقيل هو من باب : «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ» على ما ذكره الغزالي رحمه الله.
الدعاء وآدابه من سورة الفاتحة :ـ
كم نكرر في صلواتنا الدعاء بقولنا (اهدنا الصراط المستقيم ) ، والدعاء لُبّ العبادة كما قال النبيّ :
« الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ! ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )  رواه الترمذي وقال : حسن صحيح
وسورة الفاتحة نصفها دعاء ولذا كان من أسمائها "سورة الدعاء"
فيها أفضل وأوجب وأنفع دعاء دعا به العبد ربه ، فإنه يجمع مصالح الدين و الدنيا والآخرة ، يحتاجه العبد دائما ،  لا يقوم غيره مقامه.
وقد جاءت سورة الفاتحة ببيان آداب الدعاء التي يكون بسببها مقبولاً :
1- فأول ما يبدأ به الداعي هو الثناء والحمد لربه ، ويستحب له أن يطيل فيه بما يُقارب دعاء مسألته ، فقد قُسمت سورة الفاتحة نصفين ، نصفاً ثناء ونصفاً دعاء .
ومن حديث فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ « سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجل هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء ) صحيح الترمذي   وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُصَلِّي ، فَمَجَّدَ اللهَ ، وَحَمِدَهُ ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ تُجَبْ ، وَسَلْ تُعْطَ  

2-  ثم يتذلل لله بذكر عبوديته وحاجته لمولاه ( أياك نعبد وإياك نستعين )  وينطرح بين يدي ربه منكسرا خاضعاً ، يتبرا من كل حول وقوة إلا من حول وقوة القادر وحده سبحانه 
  
3- ثم يبدأ بالسؤال مقدماً أهم شؤنه وأعظمها (اهدنا) ، متبعاً ذلك بكل حاجة له مهما دقّت وصغرت كما جاء في الحديث عند الترمذي وصححه ابن حبان عن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم: «ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه» ، وكان بعض السلف يسأل الله كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته 

4- وعلمتنا سورة الفاتحة الإلحاح وتكرار الدعاء ، فالمسلم يكرر نفس الدعاء في كل ركعة منها دون ملل ولا كلل ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي ! ) ، وثبت في مسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أَلِظُّوا بـ : يا ذا الجلال والإكرام "  

5- وعلمتنا جوامع الدعاء : فالخير كله في جملة واحدة (اهدنا الصراط المستقيم) .ومثلها في القرآن قوله تعالى : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) 

6- وعلمتنا أيضاً التفصيل وتكرار المعاني عند الدعاء في المهمات والأمور العظام ، ففي الثناء جاء حمد الرب على ربوبيته وألوهيته ورحمته وملكه ، ولم تكتف السورة بواحد منها ، وفي دعاء المسألة جاء تكرار المعاني بذكر ( الذين أنعمت عليهم) و (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) مع أن الثاني بدلٌ من الأول ، لكنه من باب التوكيد الذي يُستحب في مثل هذه المواطن .
وكان من دعائه المفصل صلى الله عليه وسلم ، ما ثبت في الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم : « اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَفِى سَمْعِى نُورًا وَعَنْ يَمِينِى نُورًا وَعَنْ يَسَارِى نُورًا وَفَوْقِى نُورًا وَتَحْتِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَخَلْفِى نُورًا وَعَظِّمْ لِى نُورًا ». وفي رواية : « وفي عَصَبِى وَلَحْمِى وَدَمِى وَشَعَرِى وَبَشَرِى ..! 
 
وعودا على بدء نقول ::  الفاتحة هي سورة الحمد ، وفي مقامات الحمد
 يقول يقول نظام الدين النيسابوري : في تفسيره "غرائب القرآن ورغائب الفرقان"
الحمد على نعم الدين أفضل من الحمد على نعم الدنيا
 والحمد على أعمال القلوب أولى من الحمد على أعمال الجوارح
 والحمد على النعم من حيث إنها عطية المنعم أولى من الحمد عليها من حيث هي نِعَم
وأصول حمد الله أربعة :
1- حمده سبحانه على ذاته المقدسة وأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، بدون سابقة نعمة ينعمها .
2- حمده على خلقه ونعمته .
3- حمده على وحيه وهدايته .
4- حمده على قضائه وقدره 

الحمْد لِلَّه الَّذِي منَّ عَلَيْنَا بِالإسلام، الحمْدُ لِله رَبِّ العَالمِيْنَ، الحَمْدُ لله الَّذِي لَهُ ما فِي السَّمَواتِ وما في الأرْضِ ولَهُ الحمْدُ في الآخِرَةِ وهُوَ الحَكِيْمُ الخبِيْرُ، الحمْدُ لله فَاطِر السَّمَواتِ والأرْضِ، الحمْدُ لله الَّذِي أنْزَلَ على عَبْدِهِ الكِتَابَ ولم يجْعَلْ لَهُ عِوَجًا،  الحمْدُ لله الَّذِي لم يَتَّخِذْ صَاحِبَةً ولا ولدًا ولمْ يَكُنْ لَهُ شَريْكٌ في المُلْكِ ولمْ يَكُنْ لَهُ ولِيٌّ مِن الذُّلِّ وكبِّرْهُ تَكْبيْرًا.
اللَّهُمَّ لكَ الحمدُ أنتَ نُورُ السمواتِ والأرضِ ومَنْ فيهِنَّ، ولكَ الحَمْدُ، أنتَ قيِّمُ السموات والأرض ومن فيهنَّ ، ولكَ الحَمْدُ، أنتَ ملك السموات والأرض ومن فيهنَّ ، ولك الحمدُ أنت الحقُّ، ووعدُكَ حقٌّ، وقولُكَ حقٌّ ولقاؤكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ والسَّاعةُ حقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ ..

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم
وبارك على محمد وعلى آل محمد  كما باركت على ابراهيم انك حميد مجيد
 
 

2 comments:

  1. جزاك الله خيرا بما أفدتنا به من شرح ميسر

    ReplyDelete
    Replies
    1. جزانا وإياكم ، ونفعنا الله بما علمنا

      Delete