Monday 16 December 2013

سورة الزمر تفسير ميسر ومبسط وربط للآيات وبيان للمتشابهات لتيسير وتثبيت الحفظ



  


شرح ميسر مختصر لسورة الزمر ، وربط لآياتها ببعضها لتيسير حفظها الجزء الثاني (2) 



كنا قد انتهينا إلى وصف الله تعالى للنار ثم الجنة ودرجاتها ، جعلها الله تعالى من أهلها وساكنيها مع أحبابنا وآبائنا وذرياتنا ، والجنة والنار عما وعد الله ووعيده لعباده بعد المعاد ، ورأينا أن غاية سورة الزمر هو إثبات المعاد بعد الموت الذي أنكره الكفار ، فلا بد أن تأتي آية تبين للناس أنهم لا شك إلى ربهم راجعون ، وأن المعاد والنشئة الأخرى حاصلة وليست بمستحيلة على الله الذي بدأ الخلق على غير مثال ، ومن العدم فهل يعجزه الإعادة ... حاشا لله ، ويقرب الله تعالى النشئة الأخرى بعد الموت بمثل من الحياة الدنيا يراه كل مبصر ، ويدركه من له لب وفؤاد يعي ، فالآية 21 يضرب الله فيها مثل إحياء الأرض بعد موتها بإنزال الماء من السماء عليها ، فيقول سبحانه لَمْ تَرَ‌ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْ‌ضِ ثُمَّ يُخْرِ‌جُ بِهِ زَرْ‌عًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَ‌اهُ مُصْفَرًّ‌ا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَ‌ىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿٢١
ولاحظ أنه في قوله تعالى : ( سلكة ينابيع ...) أي من ماء السماء تتكون الآبار والينابيع في الأرض .. وهذه حقيقة علمية تخالف من كانوا سابقا يقولون أنها من تكثفات حدثت في داخل الأرض بعد أن بردت . واستخدامة لكلمة( سلكه ) دليل على سهوله اختراق الماء لطبقات الأرض ونزوله فيها ، قال الدكتور السامرائي : السلوك يكون أيسر من الدخول  فاستخدم هذا اللفظ هنا لأن نزول الماء في جوف الأرض ميسر بفعل الجاذبيه الأرضية ، فلزم أن يكون سلكه في الأرض ، كما قال تعالى للنحل : ( فاسلكي سبل ربِك ذللا ( 69)  النحل) لأنه ذلل لها السبل فقال لها اسلكي لانها مذللة لها  ، وينبغي التنبيه هنا أيضا إلى أنه في وصف النبات بعد الجفاف يقول ربنا عز وجل ( ... ثم يجعله حطاما ) وهذا الموضع الوحيد في القرآن يستخدم لفظ ( يجعله) ، في سورة الحديد ( ثم يكون حطاما ).
-       ثم الآية بعدها .... إن هذا المثل المضروب للإحياء لا بد ان يشرح الله به صدر من أنار الله قلبه ، فالآية : (أَفَمَن شَرَ‌حَ اللَّـهُ صَدْرَ‌هُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ‌ مِّن رَّ‌بِّهِ ۚ...) وفيها الوعيد للـ ( القاسية قلوبهم من ذكر الله ..) والتفكر بآياته ، والآية التي تليها تأكيد على المبدأ ، فمن شرح الله صدرة للإسلام يعلم ويوقن أن ...(اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ‌ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ‌ اللَّـهِ ۚ ) وقوله ( متشابها ) أي يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة ويصدق بعضه بعضا، ليس فيه تناقض ولا اختلاف. ويشبه بعضه بعضا في الآي والحروف. وقيل : يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه؛ لما يتضمنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب وإن كان أعم وأعجز. ( مثاني) تثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام وثنى للتلاوة فلا يمل. فيه ترديد القول ليفهموا عن ربهم تبارك وتعالى ، وقوله تعالى: (  تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه)  أي هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، (  ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه)  ، لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه، فهذه الهداية من الله يهدي بها من استحق من عباده . وبما ان الآية في الجلود فتليها آية مناسبة لها يذكر فيها الوجه الذي هو ظاهره جلد ، فيقول ربنا تبارك وتعالى : (أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..) أي يرمى به مكتوفا في النار فأول شيء تمس منه النار وجهه. أو هو يجر على وجهه في النار. أعاذنا الله منها  والخبر محذوف. ومفهوم منه  : أي أهذا  أفضل أم من سعد، مثل قوله في فصلت : (  أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) [فصلت : 40]. ( وقيل للظالمين) أي يومئذن تقول الخزنة للكافرين: ( ذوقوا ما كنتم تكسبون) أي جزاء كسبكم من المعاصي، وهذا جزاءكم كما كان جزاء المكذبين من قبلكم ،ثم قوله تعالى (  فَأَذَاقَهُمُ اللَّـهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَ‌ةِ أَكْبَرُ‌ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) يفضحهم الله في الحياة الدنيا عند خلقه ، ثم يوم القيامة العذاب الأكبر  لو كانوا يعلمون ، وهذه الآية تشبة آية سورة فصلت  إلا أنه جاء بصفة عذاب الآخرة بأنه ( أخزى ) قال تعالى : (لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَ‌ةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُ‌ونَ ﴿١٦ فصلت﴾  وهنا في الزمر وصف عذاب الآخرة بانه ( أكبر ) ومثلها في سورة القلم 33 (كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَ‌ةِ أَكْبَرُ‌ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) .
-       ثم تاتي الآية بأن الله بين لهم ويوضح ويضرب لهم المثل بالأمم السابقة لعلهم ينتهون ـ فقال جل وعلا : (وَلَقَدْ ضَرَ‌بْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا الْقُرْ‌آنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُ‌ونَ ﴿٢٧ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا غَيْرَ‌ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿٢٨ أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال ( لعلهم يتذكَّرون) فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان ، وقوله جلَّ وعلا: (  قرآناً عربياً غير ذي عوج)  أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه، ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان، وإنما جعله اللّه تعالى كذلك، وأنزله بذلك ( لعلهم يتقون) أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد، ثم قال: ( ضرب اللّه مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون) أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم، ( ورجلاً سلماً) أي سالماً ( لرجل) أي خالصاً لا يملكه أحد غيره، (هل يستويان مثلاً)  ؟ أي لا يستوي هذا وهذا، كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع اللّه، والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا اللّه وحده لا شريك له؟ ولما كان هذا المثل ظاهراً بيناً جلياً قال: ( الحمد للّه) أي على إقامة الحجة عليهم ( بل أكثرهم لا يعلمون) أي فلهذا يشركون باللّه، وقوله تبارك وتعالى: ( إنك ميت وإنهم ميتون)أي إنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة، وستجمعون عند اللّه تعالى في الدار الآخرة، وتختصمون فيما أنتم فيه من الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي اللّه عزَّ وجلَّ، فيفصل بينكم، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين . وقوله تعالى: ( إنك ميِّتٌ وإنهم ميتون ) قالوا : الميِّت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والمَيْت بتسكين الياء وتخفيفها من فارقته الروح؛ فلذلك لم تسكن ولم تخفف هنا حيث أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته .
-        ويروى في هذه الآية أن الزبير بن العوام رضي اللّه عنه قال: لما نزلت هذه السورة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) ، قال الزبير رضي اللّه عنه: أي رسول اللّه، أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه) قال الزبير رضي اللّه عنه: (واللّه إن الأمر لشديد) " أخرجه الإمام أحمد ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح"




1 comment:

  1. جزاكم الله خير أين الجزء الثالث

    ReplyDelete