Thursday 19 December 2013

شرح أحاديث الأربعين النووية - الحديث الثالث



 



الحديث الثالث
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان )  متفق عليه



هذا الحديث بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الإسلام ودعائمه وأركانه العظيمة قال النووي "إن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه إعتماده وقد جمع أركانه" ، وفي الحديث مسائل:ـ

الأولى: لا يقتصر دين الإسلام على هذه الأمور الخمسة بل يشمل أعمالا وشعبا كثيرة وإنما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر هذه الأركان الخمسة لأنها بمنزلة الدعائم للبنيان
والمقصود تمثيل الإسلام بالبنيان وهذه الخمس هي دعائمه التي يقوم عليها فلا يثبت البنيان بدونها وبقية خصال الإسلام تتمة للبنيان فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينتقض بنقص ذلك بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام يزول بزوالها جميعا بغير إشكال وكذلك يزول بفقد الشهادتين .

الثانية: من إلتزم بهذه الأركان الخمسة صار مسلما ومن تركها جميعا أو جحد شيئا منها كفر
وقد تنازع العلماء في من ترك الصلاة بالكلية تهاونا وكسلا في قولين مشهورين والصحيح أنه يكفر وهو كفر دون كفر، فليس الكفر المخرج من الملة ، أما من تركها جاحدا بها ، فقد كفر كفرا مخرجمن الملة والعياذ بالله ،  وذلك لحديث جابر عن النبي قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم،  وقال الرسول   :( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه أحمد بسند صحيح ، وقال عمر "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"ـ

 وأما ترك شيء من أركان الإسلام غير الصلاة فقد ورد في ذلك خلاف ضعيف عن بعض أهل العلم ولا يصح في ذلك حديث والصواب أن ترك الزكاة والصوم والحج ليس بكفر وإن كان جرما عظيما وهو مذهب عامة أهل العلم.

الثالثة : قوله (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) الشهادة هي الإخبار عن علم واعتقاد والمعنى أن يقر العبد عن اعتقاد جازم أن لا إله معبود بحق إلا الله سبحانه
 ولا تتحقق الشهادة إلا بركنين:

الأول: نفي الألوهية والعبادة عن سائر الأنداد والآلهة والطواغيت من شجر وحجر وملك وجني وولي وغي ذلك
 
الثاني: إثبات الألوهية والعبادة الحقة لله دون ما سواه قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )ـالنحل 36
 وقال تعالى :( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)ـالبقرة 256

ومعنى شهادة أن محمدا عبد الله ورسوله الإقرار بأن محمدا عبد لله وأن الله أرسله لتبليغ دينه وهداية الخلق كافة
 قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) سبأ 28 ، وقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)ـالأنبياء 107
 ويقتضي ذلك تصديقه بما أخبر وطاعته فيما أمر وإجتناب مانهى عنه

 ولا تصح الشهادتان بمجرد النية بل يشترط لمن أراد الدخول في الإسلام التلفظ بهما
وللشهادتين شروط لا تصح إلا بالإتيان بها والعمل بمقتضاها ولا يكفي التلفظ بهما  
والشهادتان لا تنفــع قائلها إلا بسبعة شروط : ـ
ـ العلم  بها وبمعناها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) رواه مسلم
ـ اليقين بها لا يشوبه شك أبدا ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أشـــهد أن لا إله إلا الله ، وأني رســــول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شـــاك فيهما إلا دخل  الجنة ) رواه مسلم

 ـ الإنقياد لها بدون ترك ( ومن يسـلم وجهه إلى الله وهو محسـن فقد استمسك بالعروة الوثقى )ـ لقمان 22 اي يستسلم لما فيها
ـ وقبولها بلا رد لاي من معانيها 
ـ الإخلاص فيها الذي لا يدخله شرك
ـ الصدق بقولها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من أحـد يشـهد أن لا إله إلا الله وأن محمـداً رسـول الله من قلبـه إلا حـرمه الله على النار ) البخاري
ـ المحبة لها ولأهلها ، والمعاداة لأجلها ، قال تعالى: ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) المجادلة 22


الرابعة: قال في الحديث (وإقام الصلاة) ولم يقل أداء الصلاة لأنه ليس مقصود الشارع فعلها فحسب وإنما مقصوده أداؤها تامة بشروطها وأركانها والمحافظة على أوقاتها ومراعاة سننها وآدابها، وللصلاة شروط خاصة لا تصح إلا بها:
1ـ دخول الوقت. 2- الطهارة من الحدث. 3- إجتناب النجاسة. 4- النية. 5- ستر العورة. 6- إستقبال القبلة.


الخامسة: الركن الثالث إيتاء الزكاة وهي من أجل العبادات المالية قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه في إثنين وثمانين موضعا مما يدل على عظم شأنها
وفرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة

 والزكاة في اصطلاح الشرع: حق واجب في  المال ، لطائفة مخصوصة من الناس في زمن محدد ، وقد أوجبها الله في الأموال التي تنمو وتحتمل المواساة فيها وهي:ـ
 سائمة بهيمة الأنعام ( اي الأنعام التي تأكل من الأرض ، ولا يتكلف صاحبها لتغذيتها)ـ
والنقدان الذهب والفضة ( ومثلهما المال وهو الأوراق النقدية )
والخارج من الأرض من المعادن والكنز
 وعروض التجارة
 وللزكاة شروط تجب بها :.
 1-  الإسلام فلا تجب على الكافر
2- ملك النصاب فلا تجب فيما لم يبلغ النصاب
3- إستقرار الملكية فلا زكاة في مال لم تستقر ملكيته
 4- مضي الحول إلا في الخارج من الأرض فلا يشترط فيه ذلك
 والزكاة تجب في مال البالغ ذكرا أو أنثى ،والصغير والمجنون
ومن امتنع عن أدائها عزر وأخذت منه قهرا ، ومن وجبت عليه ثم مات قبل أدائها أخرجت من تركته .

السادسة: دل الحديث على وجوب صوم رمضان وأنه ركن من أركان الإسلام
والصيام شرعا: الإمساك عن جميع المفطرات بنية التقرب إلى الله من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس
 والأحاديث على فضله وفضائله مشهورة كقوله"قال الله تعالى:( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به)  رواه البخاري
 والصوم الكامل هو أن يدع العبد فيه أمرين:المفطرات الحسية والمنقصات العملية فلا يرفث ولا يصخب ويجتنب جميع المعاصي والمخاصمات

 ويجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل مقيم ، ويصح الصوم من صغير مميز ويكون نافلة في حقه
والحائض والنفساء تفطران وجوبا وتقضيان
 ومن به مرض يرجى برؤه والمسافر يفطر ويقضي وجوبا
 ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا
 ويجب تبييت النية من الليل في صوم الفرض أما صوم التطوع فيجوز نيته من النهار لفعل النبي

السابعة: يجب على كل مسلم بالغ عاقل حر الحج البيت والعمرة مرة واحدة: لقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) ـآل عمران 97
وأخرج الخمسة من حديث ابن عباس قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:  "إن الله كتب عليكم الحج "فقام الأقرع ابن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله قال :"لو قلتها لوجبت الحج مرة فما زاد فهو تطوع"
 والصحيح أنه يجب على الفور، بدون تأخير إذا تيسر السبيل إليه
 وشروطه خمسة:الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والإستطاعة ، وتزيد المرأة شرطا سادسا وهو وجود المحرم
 ومن كان قادرا بماله وبدنه وجب عليه السعي للحج
ومن كان قادرا بماله عاجزا ببدنه لكبر ومرض لا يرجى برؤه أقام بماله من يحج عنه
 ومن كان عاجزا بماله وبدنه لم يلزمه الحج .
 ويصح فعل الحج والعمرة من الصبي نفلا فإذا بلغ حجَّ للفريضة.
 وأركان الحج أربعة: الإحرام والوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة.


اللهم أحينا على الإسلام ، وتوفنا مسلمين

 

No comments:

Post a Comment