Saturday 28 December 2013

سورة غافر - تفسير وربط آياتها وبيان المتشابهات لتثبيت الحفظ ج 1



سورة غافر



تفسير وربط الآيات وبيان المتشابهات لتثيبت حفظ سورة غافر- الجزء الأول من آية 1 - 22
 غافر ( وتسمى سورة المؤمن ) عدد آياتها 85  وهي مكية
سورة غافر من آل ( حم ) السبع ، وهي أول سورة منها ، وآل حم سور متتابعة تبدأ بهذه السورة ، وتنتهي بسورة الأحقاف، و( حم ) هي آية منفصله في كل منها ، أما الآية الثانية في كل منها فهي على الترتيب
في سورة غافر ....( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)  
في سورة فصلت ..... ( تنزيل من الرحمن الرحيم )
في سورة الشوري .... ( حم * عسق )
سورة الزخرف ، والدخان .....(والكتاب المبين )
سورة الجاثية ، والأحقاف ..... ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم )
ولاحظ الربط بين اسم هذه  السورة  وبدايتها ، ( بين الغين في غافر ، والعين في قوله ( العزيز العليم ) ،  وأيضا في الآية التي تليها يذكر اسمه تعالى الذي سميت السورة به ، ( غافر الذنب)
وهذه السورة مثل الزمر مكية ، فهي تعتني بالعقيدة ، والدعوة إلى توحيد الله ، وأدلة نفي استحقاق غيره بالعبادة ، ووجوبها له جل في علاه .
ففي بدايات هذه السورة المباركة يخبر تعالى عن كتابه العظيم وبأنه صادر ومنزل من الله، المألوه المعبود- المعبود حبا به وكرامة -  لكماله وانفراده بأفعاله ، ويذكر هنا سبع صفات وأسماء من أسمائه الحسنى ، لكل منها مناسبة لموضوع هذه السورة ، فهو { الْعَزِيزِ } الذي  لا غالب له ، قد قهر بعزته كل مخلوق { الْعَلِيمِ } بكل شيء، { غَافِرِ الذَّنْبِ } للمذنبين{وَقَابِلِ التَّوْبِ } من التائبين، وهذا محور السورة وهدفها، بيان عظيم عفوه وتوبته على من تاب، لذلك جاء باللفظين {غافر الذنب وقابل التوب } ثم قال { شَدِيدِ الْعِقَابِ } على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها، { ذِي الطَّوْلِ } أي: التفضل والغنى والسعة  والخير والمن لجميع عباده فهو متطول عليهم بإحسانه.
فلما قرر ما قرر من كماله في أسمائه وصفاته ، فكان تلك حجة موجبة لأن يكون وحده، المألوه  المعبود الذي تخلص له الأعمال قال: { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
وقد أحسن من ربط ورود كل هذه الأسماء والصفات مع ذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الأوصاف؛  أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن،  من المعاني.
فإن القرآن: إما إخبار عن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، وهذه أسماء، وأوصاف، وأفعال.
وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، فهي من تعليم العليم لعباده.
وإما إخبار عن نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وقدرته عليها وأكثر منها  ، فذلك يدل عليه قوله: { ذِي الطَّوْلِ }
وإما إخبار عن نقمته الشديدة، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي، فذلك يدل عليه قوله:   { شَدِيدِ الْعِقَابِ }
وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة، والاستغفار، فذلك يدل عليه قوله: { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ }
وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود، وإقامة الأدلة على ذلك، والنهي عن عبادة ما سوى  الله، وإقامة الأدلة على فسادها والترهيب منها، فذلك يدل عليه قوله تعالى: { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }
وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل، وثواب المحسنين، وعقاب العاصين، فهذا يدل عليه قوله: { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات.
ثم يخبر تبارك وتعالى بعد أيراد هذه الصفات له المستلزمة لكمال توحيده دون سواه في الألوهية والعبادة  أنه { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } أما المؤمن فإنه خاضع  لربه طائع له ، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال: { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي: ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب، فإنما هو أمهال لهم ، وعطاء دنيوي .
ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، أن يُفعل به كما فُعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق ليبطلوه، وعلى الباطل لينصروه، { و } أنه بلغت بهم الحال، وآل بهم التحزب إلى أنه { هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ } من الأمم { بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي: يقتلوه، ، هموا بقتلهم، فماذا كان جزاؤهم بعد هذا البغي إلا العذاب العظيم  الذي لا يخرجون منه؟ { فَأَخَذْتُهُمْ } أي: بسبب تكذيبهم وتحزبهم { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } كان أشد العقاب وأفظعه، ما هو ألا صيحة أوحاصب ينزل عليهم أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم فإذا هم خامدون.
وهكذا حقت على أولئك  الأولين كلمة ربك بعذابهم في الدنيا { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } ومثلهم هؤلاء  حقت عليهم كلمة ربك بعذاب الآخرة  : { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}
  
فائدة في التلاوة :ـ  يقبح وصل هذه الآية ( أنهم أصحاب النار ) بالآية التي تليها         ( الذين يحملون العرش ..) وذلك لأنه إذا وصلت أوهمت أن أصحاب النار هم الذين يحملون عرش الرحمن ، وهم الملائكة الكرام ، وحاش أن يكون هذا مقصودا , فيفضل  تمام الوقوف عند نهاية هذه الآية .
ثم  يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، فقال جل وعلا : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } أي: عرش الرحمن، وحملة العرش الأربعة { وَمَنْ حَوْلَهُ } ومن حوله من الملائكة الكروبيين( قيل هم سادة الملائكة ، وقيل هم أنفسهم حملة العرش ، وقيل هذه التسمية ضعيفة الأثر ) المقربين  في المنزلة والفضيلة { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } هذا مدح   لهم بكثرة عبادتهم للّه تعالى، وخصوصًا التسبيح والتحميد،  { ويؤمنون به}  ، وأنهم {  يستغفرون للذين آمنوا}  أي من أهل الأرض ممن آمن بالغيب، فقيض اللّه تعالى ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب، ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليهم السلام كانوا يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، كما ثبت في الصحيح: (إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثله) أخرجه مسلم في صحيحه، قال شهر بن حوشب رضي اللّه عنه: حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك  الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا: ربنا وسعت كل  شيء رحمة وعلماً}  أي رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم  وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم {  فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك} أي فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا، وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخير وترك المنكرات, { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } أي: قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب.وهذا غاية ومراد المؤمن . ما أكرم المؤمن على الله نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له ،ويدعون له ،وهذا  من فضائل الملائكة  ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم .
ثم لا يتوقف الملائكة عن سؤال زيادة من الفضل لأهل الإيمان من الناس ، فيسألون الله  لهم ..{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } على ألسنة رسلك { وَمَنْ صَلَحَ } أي: صلح بالإيمان والعمل الصالح { مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } زوجاتهم وأزواجهن وأصحابهم ورفقائهم في الإيمان.
  قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنة، فيقول : يا رب أين أبي وجدي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك؛ فيقول : يا رب كنت أعمل لي ولهم؛ فيقال ادخلوهم الجنة. ثم تلا  الآية . { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } العزيز القادر القاهر الذي لا يغلب، فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتوصلهم بها إلى كل خير { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها، ، ثم  يسألون الله لهم السبب الموصل لنعيم الآخرة  فيقولون : { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } أي: الأعمال السيئة في الدنيا وجزاءها في الآخرة ، وتسمى سيئة ؛ لأنها تسوء صاحبها. { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن.فقد دخل في رحمة ربه سبحانه وتعالى { وَذَلِكَ  هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي لا فوز مثله.

ثم عودة إلى التنفير من الكفر، وارتكاب المعاصي ، فيخبر تعالى بحال أهل الكفر يوم القيامة ، عن الفضيحة والخزي الذي يصيبهم، ، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أطلقه ليشمل أنواع الكفر كلها، حين يدخلون النار، ويقرون أنهم مستحقونها، لما فعلوه من الذنوب والأوزار، فيمقتون أنفسهم ويبغضونها  لذلك أشد المقت، ويغضبون عليها غاية الغضب، فينادون عند ذلك، ويقال لهم: { لَمَقْتُ اللَّهِ } أي: إياكم  { أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } لأن  مقته مستمر عليكم لا يفارقكم ، فهو أكبر من كرهكم لأنفسكم ، لماذا ؟ لأنكم كنتم  { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } ، فعند ذلك تمنوا الرجوع و { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } الميتتين هما  إما : الموتة الأولى في الدنيا ، ثم موتة وما بين النفختين على ما قيل ، أوقيل : يعني العدم المحض قبل إيجادهم، ثم أماتهم بعدما أوجدهم، { وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } الحياة  الدنيا والحياة الأخرى، { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } أي: تحسروا واعترفوا بذنوبهم ، وقالوا: هل هناك من سبيل إلى الخروج ؟ فلم ينفعهم اعترافهم بالذنوب ،  بل قيل لهم أن ما أنتم فيه سببه: { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ } أي: إذا دعي لتوحيد الله { كَفَرْتُمْ } به ونفرتم منه غاية النفور. والعكس { وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا } أي: هذا الذي أنزلكم هذ المنزل أنكم  ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا من شرك بالله
{ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } العلي: الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه، فمن كمال عدله تعالى، وأنه يضع الأشياء مواضعها، ولا يساوي بين المتقين والفجار.
{ الْكَبِيرُ } الذي له الكبرياء والعظمة والمجد ،وقد حكم عليكم بالخلود الدائم، فحكمه لا يغير ولا يبدل.
 { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } وهو سبحانه من حكمته وعدله قد أراكم في الدنيا آياته، التي تمحو كل شك للمتبصر بها  المتدبر لها،  ونبه على آية عظيمة فقال: { وينزل لكم من السماء رزقا } ولكن { وَمَا يَتَذَكَّرُ } بالآيات حين يذكر بها { إِلَّا مَنْ يُنِيبُ } إلى الله تعالى، بالإقبال على محبته وخشيته،  فيتعين إخلاص الدين له وحده . ولذلك كان حقا عليكم أن  { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }
ولما كانت الآيات تثمر التذكر، والتذكر يوجب الإخلاص للّه، رتب الأمر على ذلك بالفاء الدالة على السببية فقال: { فَادْعُوا .. } وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة،أي فأخلصوا للّه تعالى في كل ما تدينونه به وتتقربون به إليه.
{ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } لذلك، فلا تبالوا بهم، ثم ذكر من جلاله وكماله أنه{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } أي: العلي الأعلى، الذي استوى على العرش واختص به،، وهو سبحانه في عليائه { يُلْقِي الرُّوحَ } أي: الوحي الذي هو للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد، ففيه  نفع العباد ومصلحتهم.{ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الرسل يصطفيهم من بين عباده ، ليكونوا مبشرين ومنذرين للناس ،ولهذا قال: { لِيُنْذِرَ } أي يخوف النس من { يَوْمَ التَّلَاقِ } ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية من العذاب .
وسماه { يوم التلاق } لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق 
 والمخلوقون بعضهم مع بعض على حسب منازلهم ودرجاتهم 
 والعاملون يلتقون بأعمالهم وجزاؤهم. 
وفي هذا اليوم { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } أي: ظاهرون على الأرض، قد اجتمعوا في صعيد واحد لا عوج ولا أمت فيه، ويومها { لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } لا من ذواتهم ولا من أعمالهم، ولا من جزاء تلك الأعمال.
{ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } أي: من هو المالك لذلك اليوم العظيم الجامع للأولين والآخرين؟ الملك    { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } الذي دانت له المخلوقات وذلت وخضعت.
وقد ورد في في حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ وفي حديث الصور أنه عزَّ وجلَّ إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له، حينئذ يقول: { لمن الملك اليوم} ؟ ثلاث مرات، ثم يجيب نفسه قائلاً: { للّه الواحد القهار} أي الذي قهر كل شيء وغلبه.
{ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } في الدنيا، من خير وشر، وجاء بلفظ كسبت؛ لأن الإنسان إذ يفعل السيئات أنما يعملها لمكسب يظن أنه سيناله ، من شهوة أو متعة أو مادة ، قليل وكثير، فيوبخهم، ويقول لهم ما هذا جراء ما كسبتم { لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ } على أحد، بزيادة في سيئاته، أو نقص من حسناته. { إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } تحتمل معنيين : لا تستبطئوا ذلك اليوم فإنه آت، وكل آت قريب. وايضاً : هو سريع المحاسبة لعباده يوم القيامة، لإحاطة علمه بأعمالهم وكمال قدرته.
ثم يرشد الله  تعالى نبيه محمد إلى إنذار الناس : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ } يوم القيامة التي قد أزفت وقربت، ويومها تكون  { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } تكون قد وصلت القلوب من الروع والكرب إلى الحناجر، شاخصة أبصارهم. { كَاظِمِينَ } لا يتكلمون ،وكاظمين على ما في قلوبهم من الروع الشديد .
{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي: قريب ولا صاحب، { وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } لأن الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك، ولو قدرت شفاعتهم، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم، فلا يقبلها.
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ } وهو نظر المسارقة، يسرقه صاحبه ويخفيه، وهو الغمز ، وهو قول الشخص رأيت ولم ير شيئا ، { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } فالله تعالى يعلم ذلك الخفي، فغيره من الأمور الظاهرة من باب أولى وأحرى.
{ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ } لأن قوله حق، وحكمه الشرعي حق، وحكمه الجزائي حق، وهو المنزه عن الظلم .
وقضاؤه سبحانه نوعين : الأول قدري : والقضاءه القدري، الذي إذا شاء شيئًا كان وما لم يشأ لم يكن.
 وقضاء حكمي : أي هو الذي يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين في الدنيا، ويفصل بينهم في الآخرة .
وبعد أن ذكر أنه هو يقضي بالحق ، بين أن الذين يُعبدون من دونه  ويدعون لقضاء حاجات ذوي العقول التي لا تفرق بين معبود وعبد  { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } لعجزهم وعدم إرادتهم للخير واستطاعتهم لفعله. { إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ } لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. { الْبَصِيرُ بما كان وما يكون، وما نبصر وما لا نبصر، وما يعلم العباد وما لا يعلمون.
قال في أول هاتين الآيتين { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ } ثم وصفها بهذه الأوصاف المقتضية للاستعداد لذلك اليوم العظيم، لاشتمالها على الترغيب والترهيب.
وكثيرا من ينبهنا الله تعالى إلى المسير في الأرض والنظر والتفكر بمآل الإمم السابقة للإعتبار فقال تعالى: { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ } أي: بقلوبهم وأبدانهم سير نظر واعتبار  في الآثار، { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ } من المكذبين، وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء في الْعَدَد والْعُدَد وكبر الأجسام. { وآثارا في الأرض } من البناء والغرس، ولم يغن عنهم ذلك شيئا إذ كفروا بربهم { فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ } بعقوبته بذنوبهم ، ذلك أنه سبحانه  وتعالى  { إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } فلم تغن قوتهم عند قوة اللّه شيئًا.
ثم ذكر نموذجا من أحوال المكذبين بالرسل وهو فرعون وجنوده .........
يتبع الجزء الثاني .... وقصة مؤمن قوم فرعون – الذي سميت به هذه السورة ( سورة  المؤمن )

 

No comments:

Post a Comment