Tuesday 17 December 2013

سورة الزمر تفسير ميسر ومبسط وربط للآيات وبيان للمتشابهات لتيسير وتثبيت الحفظ










الجزء الرابع والأخير 

من شرح ميسر مختصر لسورة الزمر،وربط لآياتها ببعضها ،وتنبيه على المتشابهات لتيسير حفظها


- بعد آيات بيان حال المستكبرين المعاندين الظالمين لأنفسهم تأتي أرجى آية في القرآن ،فيها يقول ربنا جل وعلا : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَ‌فُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّ‌حْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ‌ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ‌ الرَّ‌حِيمُ ﴿٥٣، ففيها عظيم كرم الله تعالى للمسرفين على أنفسهم بالذنوب ،وهي أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ هؤلاء المسرفين على أنفسهم بكرمه تعالى ، وإمهاله لهم ،فإنه يغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروه قبل فوات الأوان .فـ ( انيبوا إلى ربكم ...) ارجعوا إليه بالإسغفار والتوبة  ، ثم ( اتبعوا أحسن ما نزل إليكم ...) اعملوا بما أنزل الله إليكم ، ثم إنذار لهم ... افعلوا ذلك قبل أن تندموا فتقول نفس يوم لا ينفعها ( يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله وكنت من الساخرين..) أي يا ندامتي.. على التفريط والإستهزاء بآيات الله ، أو تحتج بمقولة أخرى فتقول : ( لو أن الله هداني لكنت من المتقين ) يحتج بأن كفره سببه أن الله لم يرد ان يهديه – وليس الأمر كذلك فالله أبان لك يا إنسان ( النجدين ..) طريق الخير والشر – وقد روى الإمام أحمد في مسنده  عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"  كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ؟ ! فتكون عليه حسرة " . قال : " وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني  " قال : " فيكون له الشكر "  (  أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين)  أي تود لو أعيدت إلى الدنيا لتحسن العمل،ولكن هيهات فقد جاءتك آيات االله وأنت في الدار الدنيا ، وقامت عليك الحجج ، فكذبت واستكبرت عن اتباعها وكنت من الكافرين .
 ثم .. وصف حال هؤلاء يوم القيامة ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ....) كذبوا وافتروا على الله بادعائهم الولد له سبحانه وتعالى عن قولهم:، فمصير هؤلاء ومثواهم جهنم  ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين)  ؟ أي أليست جهنم كافية سجناً وموئلاً، لهم فيها الخزي والهوان بسبب تكبرهم عن الانقياد للحق؟ وفي الحديث: (إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلوا سجناً من النار في واد يقال له بولس من نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار ومن طينة الخبال)
ولأن الله تعالى لا ينذر أهل الكفر ، إلا ويردفها بالبشارة لأهل الإيمان – يتبع الترهيب بالترغيب – فتأتي الآية ( وينجي الله الذين اتقوا ...) لهم الفوز ، ( لا يمسهم السوء)  أي يوم القيامة ( ولا هم يحزنون) أي ولا يحزنهم الفزع الأكبر، بل هو آمنون من كل فزع، مزحزحون عن كل شر، نائلون كل خير.  اللهم اجعلنا منهم
وما الذي صار بهم إلى هذا الحال ؟؟؟ يقينهم بأن (  الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) ولأن الله وليهم فمتعهم بنعيم مقيم فهو له مقاليد – مفاتيح – أي خزائن السموات والأرض يعطيها لأوليائه ، فالذين كفروا هم الخاسرون ، فكيف تأمروني أعبد غيره ؟؟ - استفهام إنكاري على لسان نبي الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .والرد من الله أنه قد جاءه   ولجميع النبيين من قبله إن الشرك محبط للعمل ، والمنجي هو عبادة الله وحده وشكره . ( قل أفغير اللّه تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)
الآيات من 67 إلى آخر السورة مشاهد من يوم القيامة توجل لها القلوب ، البشر لا يقدرون الله حق قدره ، ولا يعلمون مدي عظمته ، وملكه ، فالأرض – أي كل الكواكب – و السموات  وما فيها – الكون كله – في قبضته سبحانه يوم القيامة ، والسموات مطويات بيمينه (وَمَا قَدَرُ‌وا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِ‌هِ وَالْأَرْ‌ضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِ‌كُونَوعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يقبض اللّه تعالى الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟) "أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري ،فهذا ذكر يوم القيامة ، فيذكر بعدها مقدماته  .... ذكر النفخ في الصور، الأولى  للصعق – وهو موت جميع الخلائق (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ‌ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْ‌ضِ ) والثانية للنشر، والقيام من القبور ينظرون ، أو ينتظرون أمر الله (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَ‌ىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُ‌ونَ ) ، وحينئذن تشرق الأرض أو تضيء الأرض  يوم القيامة إذا تجلى الحق جلَّ وعلا للخلائق لفصل القضاء(وَأَشْرَ‌قَتِ الْأَرْ‌ضُ بِنُورِ‌ رَ‌بِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) ثم وضعت الكتب ،كتاب الأعمال، وجيء بالنبيين  يشهدون على الأمم بأنهم بلغوهم رسالات اللّه إليهم، والشهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خير وشر، ( وقضي بينهم بالحق ) بين الخلائق بالعدل فلا يظلمون. ثم يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار، كيف يساقون إلى النار سوقاً عنيفاً، بزجر وتهديد ووعيد ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ..) ، وإذا جاءوها تفتح لهم أبوابها مباشرة بدون تأخر لاستعجال العقوبه لهم، ويقرعهم خزنتها ، لماذا أنتم هنا ، ألم يأتكم رسل منكم يتكلمون لغتكم وتفهمون منهم ينذرونكم هذا اليوم؟  فيقولون ( بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) أي أنهم يعترفون بالتكذيب ويقرون على أنفسهم أنهم يستحقون العذاب ، ( قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها)  لم يسند هذا القول إلى قائل معين بل أطلقه ليدل على أن الكون كله شاهد عليهم بأنهم يستحقون ما هم فيه. ثم يبين الله تعالى حال السعداء ، (  وسيق الذين اتقوا إلى الجنة زمرا ..)  زمراً:  أي جماعة بعد جماعة، المقربون ثم الأبرار، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء مع الأنبياء، والصديقون مع أشكالهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، وكل زمرة تناسب بعضها بعضاً. ( حتى إذا جاؤوهاوفتحت أبوابها ...) – لاحظ في حال الجنة والمؤمنين على بابها ، لا ينفتح لهم مباشرة ، ولكن إذا وصلوا إلى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط، حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذِّبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فيحييهم خزنتها بسلام عليكم، طبتم  وطابت أعمالكم وأقوالكم وطاب سعيكم وجزاؤكم هذه الجنة فادخلوها خالدين فيها  (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) ، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الأَلُوَّة (الألوة: العود الذي يتبخر به ) وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء( رواه الحافظ أبو يعلي) ، يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر، والعطاء العظيم، والنعيم المقيم والملك الكبير يقولون عند ذلك: ( الحمد للّه الذي صدقنا وعده) أي الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام،  الحمد لله على ما أثابنا من نعمه وإحسانه ونصرنا على من ظلمنا، فما أحسن ثواب العاملين. ثم أخبرعن ملائكته أنهم محدقون من حول العرش المجيد، يسبحون بحمد ربهم ويمجدونه، ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور، فقد حكم بالعدل، ثم قال  (وقيل الحمد للّه رب العالمين) أي نطق الكون أجمعه، بحمد الله تعالى لعدله ، ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد. قال قتادة : افتتح الخلق بالحمد في قوله: ( الحمد للّه الذي خلق السماوات والأرض) ، واختتم بالحمد في قوله تبارك وتعالى: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد للّه رب العالمين) ،وهذه ثاني سورة تنتهي بالحمد بعد سورة الصافات .       ( من تفسير ابن كثير )
ولله الحمد والمنة أولا وأخيرا .

No comments:

Post a Comment