Wednesday 25 December 2013

شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع



  




الحديث الرابع
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  قال : حدثنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  - وهو الصادق المصدوق : ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد ، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها “ . رواه البخاري ومسلم

معاني الكلمات :
الصادق : هو الصادق في جميع أقواله صلى الله عليه وسلم
المصدوق : فيما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم
يجمع : يضم .
خلقه : أي تكوينه .
نطفة : أصل النطفة الماء الصافي ، والمراد هنا : بويضة مخصبة ، وليس فقط المني بدليل قوله أن هذه المرحلة تستمر أربعين يوما
علقة: وردت كلمة (علقة) في كتب اللغة بالمعاني الآتية:
لفظة (علقة) مشتقة من (علق) وهو: الإلتصاق والتعلق بشيء ما.
والعلقة: دودة في الماء تمتص الدم، وتعيش في البرك، وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها، والجمع علق.
وعلقت الدابة إذا شربت الماء فعلقت بها العلقة، والعلق: الدم عامة والشديد الحمرة أو الغليظ أو الجامد  أو (الدم الرطب) وهذا ما أشار إليه أكثر المفسرين.
مضغة : هذا الطور الثالث الذي يمر به الجنين كلمة مضغة:
المضغة في اللغة تأتي بمعان متعددة منها:
(شيء لاكته الأسنان)
وفي قولك (مضغ الأمور) يعني صغارها
وذكر عدد من المفسرين أن المضغة في حجم ما يمكن مضغه
انظر الرابط التالي



فوائد من هذا الحديث :( من شرح الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله -  لأحاديث الأربعين النووية  )

1-   قال تعالى في كتابه : ] يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة [ ( سورة الحج 5 ) ـ

       لكن ما الذي يترتب على كونها مخلقة أو غير مخلقة ؟

         يترتب عليها مسائل:ـ
  
 أ ـ لو سقطت هذه المضغة غير مخلقة ، ولم يظهر له تقسيمات الإنسان   
فالدم الخارج مع السقط ليس نفاس ، ولكنه استحاضة ، فعليها ان تغتسل وتصلي
إلا إذا صادف موعد دورتها الشهرية ، فهو دم حيض .

ب-  لو سقطت هذه المضغة قبل أن تخلق وكانت المرأة في عدة لم تنقض العدة،( لأن عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل )ـ لإثبات انقضاء العدة أن يكون الحمل مخلقاً، ولابد لثبوت النفاس من أن يكون الحمل مخلقاً، لأنه قبل التخليق يحتمل أن تكون دم متجمد  فقط وليست آدمياً، فلذلك لا نعدل إلى إثبات هذه الأحكام إلا بيقين بأن يتبين فيه خلق إنسان
عن شرح الحديث للشيخ بن عثيمين رحمه الله

2-   أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر ، لقوله : ” ثم يرسل إليه الملك ... “ .
وينبني على هذا :
                 أ‌-   أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين .
            ب‌-   أنه يحرم إسقاطه متعمدا: وقد اباح البعض إسقاطه إذا كان في بقائه خوف على حياة الام  
3-   أن من الملائكة من هو موكل بالنفخ في الأجنة :  والملائكة كثيرون ، وكل له عمل خاص به :ـ
جبريل : موكل بالوحي  فهو الرسول من الملائكة من الله إلى رسل االبشر
وإسرافيل : موكل بالنفخ  
وميكائيل : موكل بالمطر  
ومالك : خازن النّار
ورضوان : خازن الجنّة
وملك الموت ، ولم يسمَ في كتاب الله ، ولا مما صح من سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
وهناك ملائكة سياحة لمجالس الذكر ، وملائكة لسؤال الميت في قبره  
4-   أن الملائكة عبيد يُؤمرون وينهون ، لقوله : ” فيؤمر بأربع كلمات "ـ
والملائكة عملهم عبادة الله وطاعته :ـ
وقال تعالى : ] ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون [  الأنبياء
وقال تعالى : ] لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ الأنبياء
5-   وجوب الإيمان بالقضاء والقدر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” ويؤمر بكتب أربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد  “ .
فكل شيء مكتوب ومفروغ منه ، وكل ميسر لما خلق له  
ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب قال: "كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكث بمخصرته ثم قال: "ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة"  فقال رجل:  يا رسول الله؛  أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة،  فقال صلى الله عليه وسلم : " اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييصيرون لعمل أهل الشقاوة،  ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)ـ الليل 5-10

6-   التوكل على الله ، وعدم الخوف من الفقر ، لأن الرزق مكتوب  
7-   التحذير من سوء الخاتمة
وقوله في الحديث :ـ( إِنَّ أَحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ) أي حتى يقرب أجله تماماً
 وليس المعنى حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع في مرتبة العمل،لأن عمله الذي عمله ليس عملاً صالحاً،كما جاء في الحديث :ـ
( إِنَّ أَحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ) لأنه أشكل على بعض الناس:كيف يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
فنقول: عمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ولم يتقدم ولم يسبق، ولكن حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أي بدنو أجله ، أي أنه قريب من الموت

"فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ"  فيدع العمل الأول الذي كان يعمله، وذلك

  لوجود دسيسة في قلبه  هوت به إلى هاوية  

أقول هذا لئلاّ يظن بالله ظن السوء: فوالله ما من أحد يقبل على الله بصدق وإخلاص،

 ويعمل بعمل أهل الجنة إلا لم يخذله الله أبداً
فالله عزّ وجل أكرم من عبده، لكن لابد من بلاء في القلب  
وامثال على ذلك في  قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزواته عليه الصلاة والسلام، وكان هذا الرجل لا يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا قضى عليها، فتعجب الناس منه وقالوا: هذا الذي كسب المعركة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " فعظم ذلك على الصحابة رضي الله عنهم كيف يكون هذا الرجل من أهل النار؟ فقال رجل: لألزمنه،أي أتابعه، فتابعه، فأصيب هذا الرجل الشجاع المقدام بسهم من العدو فجزع، فلما جزع سل سيفه ثم وضع ذبابة سيفه على صدره ومقبضه على الأرض، ثم اتّكأ عليه حتى خرج من ظهره، فقتل نفسه، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال: أشهد أنك رسول الله، قال:ـ  بِمَ  قال: إن الرجل الذي قلت فيه إنه من أهل النار حصل منه كذا وكذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:ـ " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فِيْمَا يَبْدُو للِنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ   "

واذكروا قصة الأصيرم من بني عبد الأشهل من الأنصار،كان منابذاً للدعوة الإسلامية عدواً لها، ولما خرج الناس إلى غزوة أحد ألقى الله تعالى في قلبه الإيمان فآمن وخرج في الجهاد وقتل شهيداً.
 فجاء الناس بعد المعركة يتفقدون قتلاهم وإذا الرجل، فقالوا: ما الذي جاء بك يا فلان، أجئت حدباً على قومك، أم رغبة في الإسلام، قال: بل رغبة في الإسلام
 ثم طلب منهم أن يقرؤوا على النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وهكذا كانت خاتمته أن قتل شهيدا ، ولم يعمر في الإسلام إلا عشية أو ضحاها ، وقد كان قبلها منابذا للأسلام يظهر منه كراهته للدين.

وقد قال صلى الله عليه وسلم  : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) .

7-                       قرب الجنة والنار من العبد

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك )

اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاك

No comments:

Post a Comment