Wednesday 18 December 2013

شرح أحاديث الأربعين النووية الحديث الأول



  
 




   


هذا الحديث من أشهر الأحاديث، وقد اتفق العلماء على صحته وقبوله، وأفرده بعضهم بمصنفات مستقلة لعظيم شأنه وجليل خطره، بل عده بعضهم ثلث الإسلام، وعده بعضهم ربع الإسلام.
قصة الحديث :ـ
ولهذا الحديث من باب الفائدة قصة يحسن أن تذكر ليُعلم خبرها
 عن ابن مسعود قال : كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها : أم قيس ، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر ، فهاجر فتزوجها ، فكنا نسميه مهاجر أم قيس ، قال ابن مسعود : من هاجر لشيء فهو له ( وهذه القصة صحيحة من جهة الإسناد) .
شرح الحديث  
إنما الأعمال بالنيات:  اعتبار النية في جميع الأعمال ( اي لا يعمل أحدا عملا إلا وله قصد لعمله ونية )
 وإنما لكل امرئ ما نوى: فيه كمال عدل الله جل وعلا،أن يعطي لكل امريء على قدر نيته ، لكل امرئ من عمله ما قصد به ،كما قال تعالى وبين أن الجزاء من جنس العمل: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ( الرحمن 60 )، ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) ( الإسراء 7 )
قوله : من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، فيه الترغيب في الإخلاص، وفيه أن من أراد الإخلاص أُعِينَ عليه ودُلَّ عليه وهدي إليه، فمن أخلص في نيته لله -جل وعلا- وعلم الله صدق نيته وطيب طويته، أعانه على بلوغ مقصوده وآجره على عمله.
وقوله :  ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه، فيه الترهيب من الرياء، وأن من أراد بعمله الرياء فقد وكَلَه الله إلى نيته ومراده.
 أن الإخلاص شرط لقبول الله العمــل
 فالعمل لا يقبل إلا بشرطين :ـ
الأول : أن يكون خالصاً لله
 لحديث الباب : ( ... وإنما لكل امرىء ما نوى ... ) ـ

الثاني : أن يكون موافقاً للسنة  
 لحديث عائشة ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ـ
 وإذا افترق أحد الأمرين عن الآخر حصل الخلل في العمل، فكم من عامل على غير إخلاص، وكم من مخلص على غير عمل؛ ولهذا لا بد من اجتماع هذين الأمرين الإخلاص والاتباع.  وهنا مسألتان:
الأولى:ـ
 النية عند الفقهاء أو عند العلماء لها اعتباران:
 الاعتبار الأول باعتبار المقصود، من العمل هل هو لله أو لغير الله.( الإخلاص )
 والاعتبار الثاني باعتبار تمييز العمل.
فوائد النية بالنسبة للأعمال
أ ـ تميز العبادة من العادة : مثل تميز غسل الجنابة عن غسل التبرد والتنظف
ب ـ تميز العبادات بعضها من بعض : مثل تميز صلاة الظهر عن صلاة العصر،
 وتمييز الفرض عن النفل
ج ـ تميز المقصود بالعمل أهو الله وحده أم لا ؟
د- بالنية الصالحة تتحول المباحات إلى مستحبات يثاب عليها الإنسان ، فمن جلس مع غيره وسامره وآنسه من غير باطل فيثاب على هذا المباح إن قصد مؤانسة أخيه المسلم وإدخال السرور عليه وهكذا
المسألة الثانية:ـ إذا خالط العمل شيء يشوب الإخلاص،
 قال العلماء أو قال أهل العلم: ذلك على أحوال
 1- إذا كان قصد العامل من أصل عمله الرياء فعمله حابط لا إشكال في ذلك لقصده
 2-  إذا عمل العمل لله، ثم صاحبه نية أخرى، مثال ذلك، رجل ذهب ليعلم العلم ويبصر الجهلاء احتسابًا، ثم داخله الرغبة في أخذ المال على هذا العلم، العلم لله -جل وعلا- وإنما أخذ المال أو داخلته هذه النية بعد نيته الأصلية، قالوا: لا يأثم، ولكن يقل أجره عما كان عليه.
3- إذا عمل العمل لله، ثم صاحبه أو جاء الرياء قيل: إن دافعه ونازع نفسه في رده فهو مأجور وليس بمأزور، وإذا استرسل معه، وترك الزمام لنفسه فقد أثم باختياره، ويتحمل تبعته
4- لو عمل عملًا فأثني عليه ومدح عليه وكان ذلك بغير اختياره هل يأثم؟ لا يأثم؛ لأن ذلك من عاجل بشرى المؤمن إلا إذا زينت له نفسه ذاك ونسي فضل الله عليه.
ولهذا قد يعمل العامل العمل ويكون وحيدًا لا يراه أحد، فييطلع عليه زيد من الناس ثم يشيع خبره فيتناقل الناس خبره فيحمد ويمدح، ولكن لا يؤثر فيه مدح الناس ولا ثناء الناس، بل يزداد أو يزيده ذلك المدح إخلاصًا لله ولا يؤثر فيه ، فلا يشوبه عجب أو حب لثناء الناس أو مدحهم، فهذا عملة مقبول .
قال بعضهم:  ربما يعمل العبد العمل في جوف الليل، لا يراه أحد فيكون حظه الوزر، وربما يعمل العمل ويكون عمله في حماليق أعين الناس يرقبونه من كل جهة، فيكون مخلصًا في عمله ذاك، والضابط هنا سلامة الباطن.
 فقد يعمل الإنسان العمل، يقوم الليل لكن تعجبه نفسه أنا أحسن من فلان ، ينسى بعض تقصيره لإعجابه بقيامه، فهذا آثم
 لكن من عمل العمل والجموع تنظر إليه، وكانت نيته لله ومقصده لله وجاهد نفسه في أن يقيم العمل في الباطن والظاهر على الوجه الذي يرضي الله، فهو من خير وعلى خير وإلى خير.
الوساوس والخواطر والواردات التي ترد على النية لا تؤثر عيها مالم تغير أصل النية ، فالنية الفاسدة هي النية التي أصل عقدها ومنشئها وبدايتها لغير الله أو أن صاحبها غير نيته بعد أن كانت صالحة وصرفها عن أصلها .
ولذلك قال في شأن النية الفاسدة الباطلة " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " فأصل نيته إرادة الدنيا " لدنيا " ومن عرف هذا الأصل سلم من شبهات الوساوس وخواطر النفس بإذن الله سبحانه

المسألة الأخيرة:
الهجرة:  الهجرة أنواع
-      تارة تكون الهجرة واجبة إذا كان من أرض سوء، أو من أرض كفر، لا يستطيع أن يقيم دينه ويستطيع أن يهاجر فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
-      وأيضًا مما تكون الهجرة فيه واجبة إذا علم المرء من نفسه أنه قادر على نشر خير وإزالة منكر لا يزول إلا به، وأمر بالمعروف لا يكون إلا بحضوره. وبالمثال يتضح المقال، فلان من الناس له قدرة علمية، أو قدرة سلطانية، يعلم أنه بذهابه إلى بلد ما فيه الشر والشرك أنه بذهابه سيزول ذلك الأمر وينقلب العسر يسرًا، والشر خيرًا، فهنا يجب أن يذهب لأنه قادر ولا يكون هذا إلا بحضوره بعلمه أو بسلطانه.
-      وأيضًا مما ذكر أهل العلم في الهجرة من هاجر لطلب علم، قالوا: هذا يؤجر عليه، ومن ذلك الرحلة في طلب العلم أو في طلب علاج لا يكون في بلد المسلمين، أو يكون في بلد المسلمين ولكن يعجزون عنه وسيترتب على بقائه مضرة، وهناك أقسام تدخل تبعًا في تلك الأقسام.
والحديث يتكلم عن قضية النية فقط وأهميتها ولم يقصد به أن النية تكفي عن العمل حيث لم يرد ذكر له ولفظ الحديث وسبب وروده يؤيد ذلك




1 comment:

  1. اللهم تقبل منا خير أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم

    وجزاك الله خيرا

    ReplyDelete