Thursday 26 December 2013

شرح الحديث الخامس من الأربعين النووية



 


الحديث الخامس   

عَنْ أُمِّ المُؤمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ  

  (مَنْ أَحْدَثَ فِيْ أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) 
رواه البخاري ومسلم  



المعاني : 
( مَنْ أَحْدَثَ  ) أي أوجد شيئاً لم يكن ، ( في أمرنا ) أي في ديننا وشريعتنا    
( مَا لَيْسَ مِنْهُ ) أي مالم يشرعه الله ورسوله
( فَهُوَ رَدٌّ)  فإنه مردود عليه حتى وإن صدر عن إخلاص،   وذلك لقول الله تعالى
 ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) ( البينة 5 )
ولقوله تعالى :  (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ( آل عمران 85 )
ومعنى هذه الرواية: أن من عمل أي عمل سواء كان عبادة، أو كان معاملة، مما فيه أمر من الله أو رسوله ، ليس وفق ما أمر الله ورسوله   فإنه مردود عليه
 
* وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، دل عليه قوله تعالى:
 ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) ( الأنعام 153 )
ولتفسير الحديث ، والبحث في مقصوده ﷺ من الـ ( رد ) ، وتأصيل القول بالبدعة ، وبيان ما يصح أن يوصف بالبدعة ، وما هو ليس منها  ، وقد كثر القول فيها ، ووصف كل ما لم يوجد على عهد النبي  ﷺ وأصحابه الكرام بأنه بدعة ، سواء كان من العبادات أو من العادات التي لم يرد فيها نهي أو أمر ، لتأصيل معنى البدعة ، فإنني أسوق هنا شرح الشيخ ابن عثيمين للحديث بقليل من التصرف والتوضيح لمعاني الألفاظ، قال رحمه الله :  
لقد اتفق العلماء - رحمهم الله - أن العبادة لا تصح إلا إذا جمعت أمرين
أولهما: الإخلاص   
والثاني: المتابعة للرسول ، والمتابعة أخذت من هذا الحديث ومن الآية السابقة  

من فوائد هذا الحديث  
 1ـ تحريم إحداث شيء في دين الله ولو عن حسن قصد، ولو كان القلب يرق لذلك ويقبل عليه، لأن هذا من عمل الشيطان
وهذا في العبادات لا شك فيه، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على مشروعيتها  

فلو أحدث شيئا أصله في الشريعة ، ولكن جعله على صفة معينة لم يأت بها الدين يكون مردوداً، مثل ما أحدثه بعض الناس من العبادات والأذكار والأخلاق وما أشبهها، فهي مردودة 

  * وليعلم أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة:
 سبب العمل  ، وجنس العمل ، وقدر العمل  وكيفية العمل ، وزمانه، ومكانه
فإذا لم توافق الشريعة في هذه الأمور الستة فهو باطل مردود، لأنه أحدث في دين الله ما ليس منه . وتوضيح ذلك :ـ  

أولاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في سببه:
 وذلك بأن يفعل الإنسان عبادة لسبب لم يجعله الله تعالى سبباً مثل: أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته ويتخذها سنة، فهذا مردود  
مع أن الصلاة أصلها مشروع، لكن لما قرنها بسبب لم يكن سبباً شرعياً صارت مردودة ، ومثلها لو صلى ما يدعى صلاة الحاجة ،فهذه مردودة  

مثال آخر: لو أن أحداً أحدث عيداً لانتصار المسلمين في بدر، فإنه يرد عليه، لأنه ربطه بسبب لم يجعله الله ورسوله سبباً ، ومثلة عيد المولد النبوي ، واحتفال الإسراء والمعراج .

ثانياً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الجنس:
فلو تعبّد لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة
 مثال ذلك: لو أن أحداً ضحى بفرس،فإن ذلك مردود عليه ولا يقبل منه، لأنه مخالف للشريعة في الجنس، إذ إن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والغنم  

أما لو ذبح فرساً ليتصدق بلحمها فهذا جائزن فلحم الفرس مما يؤكل ، فيجوز التصدق به ، لأنه لم يتقرب إلى الله بذبحه وإنما ذبحه ليتصدق بلحمه

ثالثاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في القدر:
 فلو تعبد شخص لله عزّ وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه
 ومثال ذلك: رجل توضأ أربع مرات أي غسل كل عضو أربع مرات،فالرابعة لا تقبل، لأنها زائدة على ما جاءت به الشريعة، بل قد جاء في الحديث أن النبي توضأ ثلاثاً وقال : ( من زاد على ذلك فقد تعدى وظلم )  

رابعاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الكيفية:
 فلو عمل شخص عملاً، يتعبد به لله وخالف الشريعة في كيفيته، لم يقبل منه، وعمله مردود عليه  

ومثاله: لو أن رجلاً صلى وسجد قبل أن يركع، فصلاته باطلة مردودة، لأنها لم توافق الشريعة في الكيفية  

وكذلك لو توضأ منكساً بأن بدأ بالرجل ثم الرأس ثم اليد ثم الوجه فوضوؤه باطل، لأنه مخالف للشريعة في الكيفية  

خامساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الزمان:
 فلو صلى الصلاة قبل دخول وقتها، فالصلاة غير مقبولة لأنها في زمن غير ما حدده الشرع  

ولو ضحى قبل أن يصلي صلاة العيد لم تقبل لأنها لم توافق الشرع في الزمان  

ولو اعتكف في غير زمنه فإنه ليس بمشروع لكنه جائز، لأن النبي أقرّ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على الاعتكاف في المسجد الحرام حين نذره .

ولو أن أحداً أخّر العبادة المؤقتة عن وقتها بلا عذر كأن صلى الفجر بعد طلوع الشمس غير معذور، فصلاته مردودة، لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله  

سادساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في المكان:
فلو أن أحداً اعتكف في غير المساجد بأن يكون قد اعتكف في المدرسة أو في البيت، فإن اعتكافه لا يصح لأنه لم يوافق الشرع في مكان الاعتكاف، فالاعتكاف محله المساجد

فانتبه لهذه الأصول الستة وطبق عليها كل ما يرد عليك

وهذه أمثلة على جملة من الأمور المردودة لأنها مخالفة لأمر الله ورسوله

المثال الأول:من باع أو اشترى بعد الأذان الثاني يوم الجمعة وهو ممن تجب عليه الجمعة فعقده باطل، لأنه مخالف لأمر الله ورسوله

فلو وقع هذا وجب رد البيع، فيرد الثمن إلى المشتري وترد السلعة إلى البائع، ولهذا لما أُخُبِر النبي بأن التمر الجيد يؤخذ منه الصاع بصاعين والصاعين بثلاثة ( ربا )  قال: رده، أي رد البيع لأنه على خلاف أمر الله ورسوله .

المثال الثاني:لو تزوجت  بلا ولي فالزواج باطل،لأن النبي قال : "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيّ  "
( بعض الفقهاء يجوزه إذا أجاز الولي )

المثال الثالث:رجل باع أوقية ذهب بأوقية ونصف ذهب،فهذا البيع باطل( ربا )، لأن النبي قال:( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل سواء بسواء )

المثال الرابع: رجل صلى نفلاً بغير سبب في أوقات النهي،فعمله هذا مردود لأنه منهي عنه لنفسه

المثال الخامس:صام رجل عيد الفطر،فصومه هذا مردود لأنه منهي عنه لنفسه

المثال السادس: توضأ رجل بماء مغصوب، فإنه يصح لأن النّهي عن غصب الماء لا عن الوضوء بالماء المغصوب  

فإذا ورد النهي عن نفس العبادة فهي غير صحيحة، وإذا كان النهي عاماً فإنه لا يتعلق بصحة العبادة

المثال السابع : رجل حج بمال مغصوب بأن غصب بعيراً وحج عليها، فالحج صحيح، هذا هو قول الجمهور وهو الصحيح، لكنه آثم بغصب هذه الناقة مثلاً - أو السيارة - لأن هذا خارج عن العبادة، إذ قد يحج الإنسان بدون رحل 
وقال بعضهم: لا يصح الحج، وأنشد

إذا حججتَ بمالٍ أصلُهُ سُحْتٌ  **** فما حججتَ ولكنْ حجَّتِ العيرُ

غير العبادات فالأصل فيها الحل، سواء من الأعيان، أو من الأعمال فإن الأصل فيها الحل
مثال الأعيان سواء جوامد أو كائنات حية التي الأصل فيها الحل:   
رجل صاد طيراً ليأكله ،فلا يجوز أن ينكر عليه ، لأن الأصل في الأشياء الحل ما يرد نهي عنها ، قال الله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ( البقرة 29)  

ومثال الأعمال-غير العبادات - الأصل فيها الحل،
 مثال ذلك: رجل عمل عملاً في بيته، أو في سيارته، أو في لباسه أو في أي شيء من أمور دنياه ، فلا ينكر عليه ، لأن الأصل الحل ، وما دام لم يرد في هذا العمل التحريم.

فهاتان قاعدتان مهمتان مفيدتان

فعليه فنقول: العبادات على أقسام ثلاثة :

الأول: ما علمنا أن الشرع شرع من العبادات، فيكون مشروعاً

الثاني: ما علمنا أن الشرع نهى عنه، فهذا يكون ممنوعاً

الثالث: ما لم نعلم عنه من العبادات، فهو ممنوع ،  لأن العبادات لا تصح ابتداعا ، وإنما هي اتباع لصاحب الشريعة ، فما لم يرد عنه فعل أو قول فلا يصح فعله .
أن الأصل في العبادات المنع والحظر حتى يقوم دليل على أنها مشروعة

أما في المعاملات والأعيان: فهي ثلاثة أقسام أيضاً

الأول: ما علمنا أن الشرع أذن فيه، فهو مباح، مثل أكل النبي من حمر الوحش ، وما أباح لخالد بن الوليد من أكل  السحالي بالرغم من أنه عافته نفسه عنه  فلم يأكله لأنه لم يعتاد أكله في قومه .

الثاني: ما علمنا أن الشرع نهى عنه كذات الناب من السباع، فهذا ممنوع

الثالث: ما لم نعلم عنه شيء من التحريم أو الإباحة ، فهذا مباح، لأن الأصل في غير العبادات الإباحة

وهنا يظهر الفرق في بين العادات والعبادات في التقسيمات الثلاثة السابقة هو القسم الأخير وهو : ما لم يعلم من الشرع عنه نهي ولا أمر ، فإن كان عبادة فلا يجوز عمله ، ويكون بدعة
 أما في العادات ، فلا يرد لأن الأصل في العادات سواء كانت  أِشياء أو أعمال هو الإباحة .

منقول بتصرف – للتوضيح – عن شرح  للشيخ محمد صالح بن العثيمين غفر الله له

 


No comments:

Post a Comment