Thursday 1 May 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - الحزب الثمن عشر ج2 - سورة الأنفال ، إن الله يحول بين المرء وقلبه ، فاتقوا الفتن




سورة الأنفال : التعريف بالسورة:

-  مدنية ماعدا الآيات من 30 إلى 36 فمكة ، عدد آياتها 75 آية.
-  هي السورة الثامنة في ترتيب المصحف .
- نزلت بعد سورة البقرة .
-اهتمت السورة بأحكام الأسرى والغنائم ونزلت بعد غزوة بدر .
-محور مواضيع السورة :

سورة الأنفال إحدى السور المدنية التي عنيت بجانب التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالغزوات والجهاد في سبيل الله ، فقد عالجت بعض النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات وتضمنت كثيرا من التشريعات الحربية والإرشادات الالهية التي يجب على المؤمنين إتباعها في قتالهم لأعداء الله،  وتناولت جانب السلم والحرب وأحكام الأسر والغنائم .
أسباب نزول السورة : 

1-  عن ابن عباس قال: لما شاور النبي في لقاء العدو وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر، أمر الناس أن يتهيأوا للقتال وأمرهم بالشوكة- وهي القتال -  فكره ذلك أهل الإيمان فأنزل الله :( كما أخرجكَ رَبُّكَ من بيتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَريقاً مِنَ الْمُؤْمِنينَ لَكارِهُونَ )  إلى قوله تعالى: ( وَهُمْ يَنْظُرُونَ )  أي كراهية لقاء العدو .
2) عن ابن عباس أسلم مع رسول الله تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّبيُّ حَسبُكَ اللَّهُ وَمَنْ إتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ ).
3) عن سعد بن جبير في قوله تعالى :  (  إِن يَكُنْ مِنْكُم عِشْرُونَ ....) الآية 65   قال : كان يوم بدر جعل الله على المسلمين أن يقاتل الرجل الواحد منهم عشرة من المشركين لقطع دابرهم فلما هزم الله المشركين وقطع دابرهم خفف على المسلمين بعد ذلك فنزلت :" الآن خَفَّفَ اللهُ عنكم ) الآية 66  يعني بعد قتال بدر .  

والآن إلى أيتين عظيمتين في هذه السورة لهما موقعها في قلوب المؤمنين 

قال تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوالله وَلِلرَّ‌سُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْ‌ءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُ‌ونَ )  24
التفسير :

قال البخاري ( ااسْتَجِيبُو) أي :أجيبوا :( لِمَا يُحْيِيكُمْ )  لما يصلحكم، عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فمر بي النبي فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: (ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل اللّه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوالله وَلِلرَّ‌سُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ، ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج)، فذهب رسول الله ليخرج فذكرت له. فقال: ( الحمد لله رب العالمين) هي السبع المثاني.

وقال مجاهد: ( لِمَا يُحْيِيكُمْ )  قال: للحق، وقال قتادة : هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة؛ وقال السدّي:  الإسلام ، ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر.
 وقوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْ‌ءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُ‌ونَ ) قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان ، وفي رواية عن مجاهد يحول بين المرء وقلبه أي حتى يتركه لا يعقل ؛ وقال السُدِّي: لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.

سؤال النبي ربه الثبات على الدين : 

وقد وردت الأحاديث عن رسول الله بما يناسب هذه الآية؛ قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) قال: فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: (نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه تعالى يقلبها) سنن الترمذي – حديث حسن .
حديث آخر : قال الإمام أحمد عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي يقول: (ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه)، وكان يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) قال: (والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه)  ""ورواه النسائي وابن ماجه- صحيح ".
 حديث آخر : قال الإمام أحمد عن أم سلمة أن رسول الله كان يكثر في دعائه يقول: (اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) قالت، فقلت: يا رسول اللّه إن القوب لتقلب؟ قال: ( نعم ما خلق الله من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله عزَّ وجلَّ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه. فنسال الله ربنا أن لا يزيع قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب)  قالت، فقلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: (بلى، قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني) قال ابن كثير – حديث غريب ، وصححه أحمد شاكر .
الآية الثانية: 

واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة : 

قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) 25
حذر تعالى عباده المؤمنين (  فتنة ) أي اختبارا ومحنة يعم بها المسيء وغيره  لا يخص بها أهل المعاصي، ولا من باشر بالذنب، بل يعمهما حيث لم تدفع وترفع، كما قال الإمام أحمد عن مطرف، قال: قلنا للزبير يا أبا عبد الله ما جاء بكم؟- وكان هذا في موقعة الجمل -  ضيّعتم الخليفة الذي قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ - يعني قتل عثمان رضي الله عنه - فقال الزبير رضي الله عنه: إنا قرأنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً )  ، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت ""رواه أحمد والبزار""
وقال السُدِّي: نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا.
 وقال ابن عباس:  (لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ) يعني أصحاب النبي خاصة.
وإن كانت الآية لها مناسبة خاصة نزلت بها كما أسلفنا ، إلا أن اللفظ عام ، ويعم ويحذر جميع المؤمنين ، كما جاء في رواية عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب، وهذا تفسير حسن جدا، ولهذا قال مجاهد: هي أيضا لكم، والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم، وإن الخطاب معهم هو الصحيح.

التحذير من الفتن:

ويدل على تفسير ابن عباس ما جاء من الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن؛  فعن عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله يقول: (إن الله عزَّ وجلَّ لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصة والعامة) ""رواه أحمد، قال ابن كثير: لم يخرجه في الكتب الستة أحد وفيه رجل متهم"".
حديث آخر"": قال الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم)، وقال حذيفة رضي الله عنه: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله فيصير منافقا، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتحاضُنَّ على الخير، أو ليسحتكم الله جميعا بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم) .
 حديث آخر : قال الأمام أحمد أيضا عن عامر رضي الله عنه قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول - وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه – يقول رسول الله : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمدهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا! فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا. ) أخرجه البخاري والترمذي أيضا"".

 مسألة: كيف يعذب الله أقوما بذنوب غيرهم ؟ 

وقد قال الله تعالى: (  ولا تزر وازرة وزر أخرى)  (الأنعام  164)، وقال ( كل نفس بما كسبت رهينة) (المدثر 38)  وقال سبحانه: ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ( البقرة : 286). وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب.
 فالجواب أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الواجب على كل من رآه أن يغيره؛ فإذا سكت عليه فكلهم عاص، هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله في حكمه وحكمته أن الراضي بالفعل بمنزلة العامل له؛ فانتظم معه في العقوبة؛ قال ابن العربي. وهو مضمون الأحاديث. ومقصود الآية : واتقوا فتنة تتعدى الظالم، فتصيب الصالح والطالح.

اللَّهُمَّ إِنِّا أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنسْأَلُكَ قَلْوبَاً سَلِيمَاً، وَألِسَنةً صَادِقَة، وَنسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ

No comments:

Post a Comment