Tuesday 20 May 2014

صحابيات حول رسول الله ﷺ - زينب بنت رسول الله ﷺ



  



زينب بنت محمد

هي كبرى بنات الرسول ﷺ، والأولى من بين أربع بنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن، وهي ثمرة الزواج السعيد الذي جمع بين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ورسول الله
  وُلدتْ زينب رضي الله عنها وقد بلغ  رسول الله أباها من العمر ثلاثين عاما ، أحبها كثيراً وكانت فرحته لا توصف برؤيتها.
واعتاد أهل مكة العرب عامة والأشراف منهم خاصة على إرسال صغارهم الرضع بيد مرضعات من البادية يعتنين بهم وبعدما يقارب من السنتين يعيدوهم إلى ذويهم.
بعد أن عادت زينب رضي الله عنها إلى حضن أمها خديجة عهدت بها إلى مربية تساعدها على رعايتها والسهر على راحة ابنتها. وترعرعت زينب في كنف والدها حتى شبّت على مكارم الأخلاق ِوالآداب والخصال فكانت تلك الفتاة البالغة الطاهرة.

زواج زينب رضي الله عنها :

كانت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله تقبل على أختها بين الحين والآخر، فقد كانتا قريبتان من بعضهما، وكانت هالة تعتبر السيدة خديجة أماً وأختاً لها وكم حلمت بأن تكون زينب بنت أختها رضي الله عنها زوجة لابنها أبي العاص. ولما رأت أن ابنها يرغب بالزواج من زينب ، فرحت أمه بهذا الإختيار وفاتحت أختها خديجة بطلب ابنها زينب زوجة له . لاقى الطلب قبولا عند السيدة خديجة ، فأخبرت به الرسول صلى الله عليه وسلم وبرغبته في التقدم لخطبة ابنته زينب رضي الله عنها، فما كان من رسول الله إلا أن يرحب به ليكون زوجاً لابنته بعد موافقتها طبعاً.
وكان ذلك لأن أبا العاص يلتقي نسبه من جهة الأب مع رسول الله عند الجد الثالث عبد المناف فهو أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى، وكذلك فإن نسبه يلتقي من جهة الأم مع زينب بنت محمد عند جده خويلد بن أسد بن عبد العزى.
بالإضافة إلى ذلك فإن أبا العاص على الرغم من صغر سنه فقد  كان من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة، وقد عرف بالخصال الكريمة والأفعال النبيلة. وعندما ذهب أبو العاص إلى رسول الله ليخطب ابنته، قال عنه الرسول : إنه نعم الصهر الكفء،  ولكنه قال ايضا: لا أفعل حتى أستأذنها.
ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على زينب
ويقول لها: ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجاً لك
فاحمرّ وجهها وابتسمت.
فخرج النبي وقد علم أن سكوتها عن الرد استحياءً هو قبول لهذا الزواج .
وتزوجت زينب أبا العاص بن الربيع، لكي تبدأ قصة حب قوية، وعلاقة متينة أساسها المودة والرحمة، وأنجبت منه 'علي' و ' أمامة '
وكان رسول الله يثني عليه في صهره خيراً

بداية النبوة :
ولما جاء الوحي ، وأصبح والدها محمداً نبياً ﷺ، بينما كان أبو العاص مسافراً وحين عاد وجد زوجته أسلمت. فدخل عليها من سفره فأخبرته بنبوة أبيها، فقام عنها وتركها ولم يرد عليها.
فاندهشت زينب وتبعته وهي تقول: لقد بعث أبي نبياً وأنا أسلمت.
فقال: هلا أخبرتني أولاً؟
قالت له: ما كنت لأُكذِّب أبي. وما كان أبي كذاباً. إنّه الصادق الأمين، ولست وحدي. لقد أسلمت أمي وأسلم إخوتي، وأسلم ابن عمي علي بن أبي طالب، وأسلم ابن عمتك عثمان بن عفان. وأسلم صديقك أبو بكر الصديق.
فقال: أما أنا لا أحب الناس أن يقولوا خذّل قومه.وكفر بآبائه إرضاءً لزوجته. وما أباك بمتهم. وليس أحب إليّ من أن أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد،
ثم قال لها: فهلا عذرت وقدّرت؟
فقالت: ومن يعذر إنْ لم أعذر أنا؟ ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه.
وقد جاءه من قومه من يقول له : فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت.  قال: لا والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش.
هجرة الرسول وبقائها فى مكة:
 وبعد هجرة رسول الله إلى المدينة المنورة أمر بإحضار ابنتيه  فاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهن إلى دار الهجرة يثرب، أما رقية رضي الله عنها فقد هاجرت مع زوجها عثمان بن عفان من قبل، ولم يبق سوى زينب التي كانت في مأمن من بطش المشركين وتعذيبهم وهي في بيت زوجها الذي آمنها على دينها.  
غزوة بدر
روى أن أبا العاص شهد بدر مشركاً فأسره، عبد الله بن جبير الأنصارى، وكان رسول اللهقد رأى أبا العاص زوج ابنته ضمن الأسرى، واستبقاه عنده بعد أن أمر الصحابة أن يستوصوا بالأسرى خيراً.
روي عن عائشة، بإسناد واه: أن أبا العاص شهد بدراً مشركاً، فأسره عبد الله بن جبير الأنصاري ، فلما بلغت أهل مكة في فداء أسراهم، جاء في فداء أبي العاص أخوه عمرو، وبعثت معه زينب بقلادة لها من جزع ظفار-أدخلتها بها خديجة- في فداء زوجها، فلما رأى رسول الله القلادة عرفها، ورق لها وقال:" إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم"؟ قالوا: نعم . فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه ، ففعل )
قالوا: نعم! يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.
فكان ممن سمي لنا ممن من عليه رسول الله من الأسارى بغير فداء , وقد كان رسول الله قد أخذ عليه عهدا أن يخلي سبيل زينب - يعني: أن تهاجر إلى المدينة - فوفى أبو العاص بذلك .

هجرة زينب إلى المدينة
 قال ابن إسحاق: ولما رجع أبو العاص إلى مكة، وقد خلى سبيله - بعث رسول الله زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار مكانه فقال: (كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصاحباها فتأتياني بها).
فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر ، فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز. فلما فرغت من جهازها قدَّم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيراً، فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهاراً يقود بها وهي في هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى وكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى الفهري، فروَّعها هبار بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملاً فطرحت وبرك أخو زوجها كنانة ،ونثر كنانته.
 ثم قال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهماً فتكركر الناس عنه.
 وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال: يا أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكفَّ
فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب،  خرجتَ بالمرأة على رؤوس الناس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذ خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا إن ذلك عن ذل أصابنا وإن ذلك ضعف منا ووهن ولعمري ما لنا بحبسها من أبيها من حاجة.
ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سراً وألحقها بأبيها، قال: ففعل.
 عن عروة، عن عائشة ذكر قصة خروجها وردهم لها ووضعها ما في بطنها وإن رسول الله بعث زيد بن حارثة وأعطاه خاتمه لتجيء معه فتلطف زيد فأعطاه راعياً من مكة فأعطى الخاتم لزينب فلما رأته عرفته فقالت: من دفع إليك هذا؟
قال: رجل في ظاهر مكة، فخرجت زينب ليلاً فركبت وراءه حتى قدم بها المدينة.
قال: فكان رسول الله يقول: (هي أفضل بناتي أصيبت فيَّ).
ثم سألت: وماذا فعل زوجي؟
فقالوا: أسره حموه.
فقالت: أرسل في فداء زوجي.
ولم يكن لديها شيئاً ثميناً تفتدي به زوجها، فخلعت عقد أمها الذي كانت تُزيِّن به صدرها، وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي جالساً يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، وحين رأى عقد السيدة خديجة سأل: هذا فداء من؟
قالوا: هذا فداء أبو العاص بن الربيع.
فبكى النبي وقال: هذا عقد خديجة. ثم نهض وقال: أيها الناس..إنّ هذا الرجل ما ذممناه صهراً فهلا فككت أسره؟ وهلا قبلتم أنْ تردوا إليها عقدها؟
فقالوا: نعم يا رسول الله.
فأعطاه النبي العقد، ثم قال له: قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة.
ثم قال له: يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟
ثم تنحى به جانباً وقال له: يا أبا العاص إنّ الله أمرني أنْ أُفرِّقَ بين مسلمة وكافر، فهلا رددت إلى ابنتي؟
فقال: نعم.
وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة ،
فقال لها حين رآها: إنّي راحل. فقالت: إلى أين؟
قال: لست أنا الذي سيرتحل، ولكن أنت سترحلين إلى أبيك. فقالت: لم؟
قال: للتفريق بيني وبينك. فارجعي إلى أبيك.
فقالت: فهل لك أن ترافقني وتُسْلِم؟ فقال: لا.

اسلام زوجها أبو العاص
 وذكر أن أبا العاص أقام بمكة على كفره و استمرت زينب عند أبيها بالمدينة حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش لبلاد الشام، وبينما كان أبو العاص عائداً في قافلتة ة حاملاُ معه أموال قريش التي أؤتمن عليها، تعرض لقافلته سرية بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه ومعه مائة وسبعين رجلا ً . تمكنت هذه السرية المبعوثة من رسول الله من الحصول على كل ما تحمله تلك القافلة من مال وهرب عددٌ من رجالها، وكان أبو العاص واحداً منهم. ثم خشي أبو العاص على أموال قريش التي كان قد أؤتمن عليها، فلم يجد إلا أن يتوجه إلى المدينة  ليلا ً ليستجير بالسيدة زينب رضي الله عنها أن يعيد رسول الله مال قريش التي استولوا عليها من القافلة فأجارته في طلب ذلك ، وانتظرت خروج رسول الله لصلاة الصبح وكبر وكبر الناس فصرخت من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص ابن الربيع، فلما سلًّم رسول الله أقبل على الناس فقال: (أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت).
قالوا: نعم !
قال: (أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم وإنه بجير على المسلمين أدناهم).
ثم انصرف رسول الله فدخل على ابنته زينب فقال: (أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له)، وكان قد نزل في سورة الممتحنة التفريق بين الزوجة المسلمة وزوجها الكافر. اجتمع رسول الله مع أصحابه بأبي العاص، فاستشار صحابته أن يردوا على أبي العاص أمواله التي أخذوها من القافلة وقال لهم: " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فأنا أحب ذلك، وإن أبيتم فهو فئ الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به"، اتفق الصحابة جميعاً على إعادة المال لأبي العاص كاملا ً.
فأخذه أبو العاص، فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟
قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفياً كريماً.
قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول .
ردَّ عليه رسول الله زينب على النكاح الأول بعد ست سنين.

وفاة السيدة زينب رضي الله عنها:
بعد عام من التمام شمل الزوجين أبي العاص والسيدة زينب رضي الله عنها، وبعد أن عاشا حياة كريمة سعيدة في دار الإسلام مع ولديها أمامة وعلي، بدأ المرض يزداد على السيدة زينب رضي الله عنها. وظلت زينب لازمة الفراش فترة طويلة من أثر ما تعرضت له من قبل هبار بن الأسود، وهي في طريقها إلى يثرب للهجرة.
في العام الثامن للهجرة توفيت السيدة زينب رضي الله عنها، وحزن رسول الله حزناً عظيما،ً وحزن معه زوجها أبو العاص الذي وافته المنية بعد 4 سنوات من وفاة زينب.
و لما ماتت زينب بنت الرسول قال لمن كن يسغسلنها: اغسلنها وتراً، ثلاثاً أو خمساً، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئا من كافور، فإذا غسلتنها،فأعلمنني. فلما غسلناها أعطانا حقوه- أي من مسك - ، فقال: أشعرنها إياه" – أي ضعوها على بدنها يطيبنها بها –
بعد وفاة زينب رضي الله عنها مول رسول الله في قبرها، وهو مهموم ومحزون، فلما خرج سري عنه وقال: كنت أذكر زينب وضعفها، فسألت الله تعالى أن يخفف عنها ضيق القبر وغمه، ففعل وهون عليه.
رضي الله عن زينب بنت رسول الله الكبرى بما تحملت في سبيل يدنها وأبيها.

No comments:

Post a Comment