Tuesday 13 May 2014

سلسلة الفقه الميسر - الدرس الرابع عشر - الغسل موجباته وأحكامه ؛ الغسل من الجنابة









الغسل
معنى في اللغة: هو سيلان الماء على الشيء، أيا كان المغسول.
وشرعاً: وهو استعمال الماء في جميع البدن على صفة مخصوصة يأتي بيانها‏.‏.
مشروعيته:
الغسل مشروع، سواء كان للنظافة، أم لرفع الحدث، سواء كان شرطاً لعبادة أم لا.
ودل على مشروعيته: الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب:
منها قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [سورة البقرة: 222].  أي المتنزهين عن الحدث والأقذار المادية والمعنوية.
وأمَّا السنة:
فأحاديث، منها: ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : " حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، يغسل فيه رأسه وجسده " .وعند مسلم: " حق الله ".
 والمراد بالحق هنا: أنه مما لا يليق بالمسلم تركه، وحمله العلماء على غسل يوم الجمعة. وسيأتي مزيد من الأدلة في مواضعها من البحث إن شاء الله.
أقسام الغسل :
والغسل قسمان: غسل مفروض، وغسل مندوب.
أولاً ـ الغسل المفروض:
وهو الذي لا تصح العبادة المفتقرة إلى طهر بدونه، إذا وجدت أسباب الغسل ولم يتم .
الأسبابه الموجبة للغسل: الجنابة والحيض والنفاس والموت.والإسلام
1-الجنـــابة
معناها:
الجنابة: في اللغة: معناها البعد، قال تعالى: ( فَبَصُرَ‌تْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُ‌ونَ )[سورة القصص 11]  أي: عن بعد.
 وفي الإصطلاح : تطلق الجنابة على المني المتدفق، كما تطلق على الجماع.أي أن
فالجنب هو: غير الطاهر لأداء العبادة، بسبب إنزال – المني - أو جماع – التقاء الختانين- وسمي بذلك لأنه بالجنابة بعد عن أداء الصلاة ما دام على هذه الحالة.
 والجنب لفظ يستوي فيه المذكر جنب، ويقال للمؤنث جنب، ويقال للجمع جنب.
أسبابها:
وللجنابة سببان:
الأول: نزول المني من الرجل أو المرأة بأي سبب من الأسباب: سواء كان نزوله بسبب :ـ جماع أو - احتلام، أو - ملاعبة، أو - فكر.
عن أم سلمة رضي الله عنهما قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم إذا رأت الماء " [ رواه البخاري  ومسلم ]
[احتلمت: رأت في نومها أنها تجامع ]
وروى أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت سئل رسول الله : عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؟  فقال " يغتسل ". وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ فقال: " لا غسل عليه ". فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك، أعليها غسل؟ قال " نعم " النساء شقائق الرجال ". أي نظائرهم في الخلق والطبع، فكأنهم شققن من الرجال.
الثاني: الجماع ولو من غير نزول المني.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب عليه الغسل ". وفي رواية مسلم : " وإن لم ينزل ".
[ شعبها: جمع شعبة، وهي القطعة من الشيء، والمراد هنا بين فخذا المرأة وساقاها.
  جهدها: كدها بحركته]
وفي رواية عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها: " ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " أي على الرجل والمرأة لا شتراكهما في السبب.
والختان: موضع الختان، والمراد بمماسة الختانين: تحاذيهما، وهو كناية عن الجماع.
أولا: خروج المَنِيّ:
يَجب الغُسل إذا خرج المَنِيّ بشهوة من ذكَرٍ أو أنثى، في يَقظةٍ أو نَوْم - إلاَّ أنَّه يُشْترَط في حَقِّ اليَقظان الشُّعورُ بالشهوة وقت خروجه - والعِبْرة في ذلك خروج المَنِيّ، لا مُجرد الرؤية في الحِلم فقط، فلو احتلمَ - (كأنْ يَرَى جِمَاعاً في الحِلم) - ولم يَخْرج المَنِيّ فلا غُسل عليه، أما إذا وَجَدَ مَنِيّا ولم يَذكُر أنه رأى شيئاً في الحِلم، وَجَبَ عليه الغُسل؛ لأنَّ النبي علَّق الحُكم على رؤية المَنِيّ، أو البلل .

ملاحظات متعلقة بخروج المَنِيّ:
1- إذا أحَسَّ بانتقال المَنِيّ في الذَكَر لكنه لم يَخْرُج، فالصحيح أنه لا غُسل عليه لأنّ العِبرة بخروج المَنِيّ- إلا إذا التقى الختانان-

2-  إذا خرج المَنِيّ بلا شهوة؛ لِعِلَّةٍ (يعني مَرَض) ، أو نحو هذا، فقد أفاد ابنُ تَيْمِيَة أنه فاسد لا يُوجِب غُسلاً عند أكثر العلماء كمالكٍ وأبي حنيفة وأحمد، كما أنَّ دَمَّ الاستحاضة (وهو الدم الذي يخرج من المرأة في غير زمن الحَيض)   لا يُوجب الغُسل.

3- إذا كان جُنبًا فاغتسل، ثم خرج منه مَنِيّ بعد الغُسل فلا يجب عليه إعادة الغُسل لأنَّه غالبًا ما يَخْرج بلا شهوة، ولكنْ يُفضَّل أن يتبَوّل أوَّلاً قبل الغُسل لِطَرد أيّ مَنِيّ موجود في مَجرَى الذَكَر.

4- إذا شعرَتِ المرأةُ بِخُروج مَنِيّ الرجل من فَرْجها بعد الغُسل، أو أثنائه فلا يجب عليها الغُسل، ولكن هل يجب عليها الوضوء؟ فيه خِلاف، والأحوَط الوضوء، وكذلك الحُكم في المسألة السابقة (إذا خرج مَنِيّ بعد الغُسل أو أثنائه).

5-  قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمه الله:"إذا استيقظ من نومِه فوجَد بَللاً لا يَذْكر له سببًا، فلا يَخْلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقَّن أنه مَنِيّ، فيجب الغُسل، سواء ذكَرَ احتلامًا، أو لا (أيْ سواء ذكر أنه رأى جماعاً في الحِلم أو لا)

الثانية: أن يتيقَّن أنه ليس بِمَنِيّ، فلا يجب الغُسل، ويكون حُكمُه حُكْمَ البَول. (يَعني يَغسل مكانه أو يستبدله بثوب طاهِر ويتوضأ له).

الثالثة: أنْ يَجْهل ويَشُكَّ هل هو مَنِيّ أم لا؟ فيتحَرَّى؛ فإن تذكَّر ما يُحِيل عليه أنه مَنِيّ (كأنْ يَذكُرُ جماعاً في الحِلم)- فهو مَنِيّ، وإن تذكَّر ما يُحِيل عليه أنه مَذْي، فهو مَذْي، وإنْ لم يذكُر شيئًا، فقيل:يجب الغُسل احتياطًا، وقيل:لا يجب[

1-          إذا رأى مَنِيّا في ثوبه ولم يَذكُر مَتَى كان احتلامُه، فعليه الاغتسال وإعادةُ كلِّ صلاة صلاَّها من آخِر نَومةٍ نامَها.
ثانياً: التقاء الخِتانَيْن:
إذا جَامَعَ الرجلُ المرأة بأنْ غيَّبَ الحَشَفَةَ (رأْسَ الذَكَر) كاملةً في الفَرْج، فقد وَجَبَ الغُسل عليهما، سواءٌ أنْزَلَ أو لَم يُنزل، للحديث السابق.
واعلم أن المقصود بالتقاء الخِتان:(المُجاوَزة)، وعلى هذا إذا وَضَعَ مَوضِع خِتانه على موضع خِتانها، ولم يَكُن إيلاجٌ وإدخال، فلا غُسل بالإجماع.
مسألة: إذا وضع على الذكر - أثناء الجماع - خرقه أو كيس وجامع زوجته فالصحيح وجوب الاغتسال عليهما حتى لو لم ينزل.
ما يحرم من العبادة بسبب الجنابة :
ويحرم بالجنابة الأمور التالية:
1ـ الصلاة فرضاً، أو نفلاً، لقوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَ‌بُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَ‌ىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِ‌ي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ ) [سورة النساء  43].
 فالمراد بالصلاة هنا مواضعها، لأن العبور لا يكون في الصلاة، وهو نهي للجنب عن الصلاة من باب أولى.
وروى مسلم  وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إني سمعت رسول الله يقول: " لا تقبل صلاة بغير طهور ". وهو يشمل طهارة المحدث والجنب، ويدل على حرمة الصلاة منهما.
2ـ المكث في المسجد والجلوس فيه، أما المرور فقط من غير مكث ولا تردد فلا يحرم: قال تعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِ‌ي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ) النساء 43،  أي لا تقربوا الصلاة ولا موضع الصلاة ـ وهو المسجد ـ إذا كنتم جنباً إلا قرب مرور وعبور سبيل. وقال رسول الله : " لا أحل المسجد لحائض، ولا لجنب ". [ رواه أبو داود:  ]، وهو محمول على المكث كما علمت من الآية، ولما سيأتي في الحيض.
3ـ الطواف حول الكعبة فرضاً، أو نفلاً، لأن الطواف بمنزلة الصلاة، فيشترط له الطهارة كالصلاة، قال رسول الله :  " الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أحل لكم فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير "
[رواه الحاكم: وقال: صحيح الإسناد]
4ـ مس المصحف وحمله للجنب: وإنما ذكرنا هذا العنوان هنا لعموم انتشار هذا عند الناس عامة ، وأهل العلم خاصة بالرغم من أنه لا يوجد دليل صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، ولا من مسّ المصحف ، سواء كان حدثا أصغر أم أكبر
 فليس في الباب حديث صحيح واحد في ذلك ، وما يروى فيه كلها أحاديث ضعيفة لا يصح الإستشهاد بها .
أما الاستدلال بعموم قوله تعالى : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون )
فليس بصواب – والله أعلم – ذلك أن الآية مرتبطة بما قبلها فإن الله تبارك وتعالى قال في سياق الآيات : إِنَّهُ لَقُرْ‌آنٌ كَرِ‌يمٌ (77)  فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّاالْمُطَهَّرُ‌ونَ (79) الواقعة   
فالذي في الكتاب المكنون هو ما في اللوح المحفوظ ، وقد تكرر وصف القرآن بذلك قال الله جل جلاله : (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ )  هذا من ناحية 
ومن ناحية أخرى فإن المقصود بـ (الْمُطَهَّرُونَ) هم الملائكة، فالإنسان ياتي بفعل التطهر، فهو ليس مطهر ، بل يتطهر ،أما وصف ( مطهرون فينطبق على ملائكة الرحمن )
5ـ ويحرم عليه قراءة القرآن:
قراءة القرآن (باللسان دونَ مَسّ المصحف):
ذهب بعضُ العلماء إلى أنَّ الجُنُب لا يَقْرأ القرآن؛ وذهب آخرون إلى جواز قراءة القرآن للجُنُب وهو الراجح فقد أخرج البخاريُّ تعليقًا عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنه لم يَرَ في القراءة للجُنُب بأسًا، ويؤيِّده التمسُّك بعموم حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان يَذكُرُ اللهَ على كُلِّ أحيانِه.
أما الحديث ؛ عن علي رضي الله عنه: ( كان عليه الصلاة والسلام لا يحجبه شيء عن القرآن سوى الجنابة )
فقد ضعفه الشيخ الألباني ، وأطال الشيخ أبو إسحاق الحويني في تخريجه وذكر طُرقه ، وذلك في غوث المكدود بتخريج منقى ابن الجارود  ورجّح ضعفه
 وأيضا عن علي رضي الله عنه:  أنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ بعدما خرج من محل الحاجة، فقد قرأ وقال: ( هذا لمن ليس جنبا أما الجنب فلا ولا آية)  رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والضياء في المختارة ، وضعفه الشيخ الألباني في الإرواء
ومذهب جماعة من السلف جواز قراءة الجُنب للقرآن ، إذ أن الجنابة والحيض مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرِد النهي عن القراءة في هذه الأحوال ، فعُلِم أنه مما عُفيَ عنه ، وبقي على أصله من عدم تأثيم قارئ القرآن في هذه الأحوال ، إذا ليس هناك حديث صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، سواء كان حدثا أكبر أو أصغر
ثم إن البراءة الأصلية تقتضي عدم منع الجنب أو الحائض من مس المصحف أو من قراءة القرآن ، إذ الأصل عدم التكليف – عن موقع أهل الحديث
وهذا الحُكم (وهو جواز قراءة القرآن) على عُمُومه للجُنُب والحائض، لكن الأفضل في حقِّ الجُنُب أن يُبادِر بالاغتسال إذا أراد القراءة؛ لأنَّه أكمَل في العبادة. والله أعلم





No comments:

Post a Comment