Wednesday 14 May 2014

سلسلة الفقه الميسر - الدرس الرابع عشر - السبب الثاني من موجبات الغسل : الحيض








 
2-                       السبب الثاني الموجب للغسل : الحيـــض
معناه:  الحيض في اللغة: السيلان. يقال حاض الوادي إذا سال.
وفي الشرع: دم جبًِلة، أي خلقة وطبيعة، تقتضيه الطباع السليمة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة، في أوقات معلومة.
دليله:  قوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) الآية سورة البقرة 222
ودليل أن الحيض يوجب الغسل: القرآن والسنة.
أما القرآن: فقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَ‌بُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْ‌نَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْ‌نَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَ‌كُمُ اللهُ ۚ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِ‌ينَ) [سورة البقرة 222].
وأما السنة : فقوله لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنهما: " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " [رواه البخاري  ومسلم]ـ
سن البلوغ:
يقصد بالبلوغ السن التي إذا بلغها الإنسان ذكراً أو أنثى أصبح أهلاً لتوجه الخطاب إليه بالتكاليف الشرعية: من صلاة، وصوم، وحج، وغيرها.
علامات البلوغ:
الأول: الاحتلام بخروج المني، بالنسبة للذكر والأنثى.
الثاني: رؤية دم الحيض بالنسبة للأنثى. والوقت الذي يمكن أن يحصل فيه الاحتلام، أو الحيض، فيكون قد تحقق البلوغ، وأقله هو استكمال تسع سنين قمرية من العمر.
الثالث: باستكمال الخامسة عشرة من العمر، بالسنين القمرية، إذا لم يحصل الاحتلام أو الحيض.
مدة الحيض:
وللحيض مدة دنيا، ومدى قصوى، ومدة غالبة:
فالمدة الدنيا،  وهي أقل مدة الحيضأن يستمر نهار يوم، أو يوم وليلة .
الثالثة: أكثر مدة الحيض :
أكثر مدته فيها خلاف طويل :
القول الأول : أن أكثره خمسة عشر يوما ، وهذا مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية .
والقول الثاني : أنه عشرة أيام , وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة .
ويرى الشيخ ابن عثيمين أنه ليس له حد  أعلى ، فما رأت الدم ، فهو حيض إلا أن يستمر بدون انقطاع، لكن في الفتوى يجعله خمسة عشر يوماً وما زاد فهو دم فساد .
والجمهور على أنه عشرة ايام – قول أبي حنيفة-، والله أعلم
وأقل مدة الطهر بين الحيضتين:
قيل:  أنه ثلاثة عشر يوماً، وهذا هو المشهور من المذهب عند المتأخرين من الحنابلة
قيل:  أنه خمسة عشر يوماً , وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد واختيار أبي حنيفة وصاحبيه والثوري واختيار النووي ورواية عن مالك . وهذا هو الراجح
وقالوا فيه : أنه ليس له حد , وهذه رواية عن مالك اختارها ابن تيمية والمرداوي وابن عثيمين رحمهم الله تعالى .- أي يمكن أن يكون أقل من خمسة عشر يوما-
ولا حد لأكثر الطهر:
 فقد لا تحيض المرأة سنة أو سنتين أو سنين، وهذه التقادير مبناها الاستقراء، أي تتبع الحوادث ـ والوجود، وقد وجدت وقائع أثبتتها.
فإذا رأت المرأة دماً أقل من مدة الحيض ، أي أقل من يوم وليلة ، أو رأت الدم قبل مدة أكثر الحيض ، أي أكثر من خمسة عشر يوماً بلياليها ، اعتبر هذا الدم دم استحاضة، لا دم حيض. وقد تميز دم الحيض عن دم الاستحاضة بلونه وشدته.
ومن مسائل الحيض : العلامات التي يعرف بها الحيض :
أولها : اللون، بدليل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها  قالت:( اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ فَرُبَّمَا وَضَعْنَا (وَضَعَتِ) الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي )
أي أن دم الحيض قد يكون أحمر – وهو الغالب لأن الدم أحمر – أو يميل إلى الصفرة ، وهذا ما يحدث في أول أو آخر الحيض، أو يميل إلى اللون البني .
وجاء عند أهل السنن من حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش في
قوله : ( إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ )  وهو حديث ضعيف
أولا : لونه أسود وقد يميل إلى اللون البني , وقد يكون معه قطع وأوساخ .
الصفة الثانية :أنه ثخين متجمد بينما دم الجروح دم سائل رقيق .
الصفة الثالثة : الرائحة ، فرائحته منتنه ، تعرفها النساء .
مسائل في الحيض:
* المسألة الأولى : إذا كان للمرأة عادة ستة أيام ثم انقطع دمها لثلاثة أيام ورأت الطهر-  الجفاف أو القصة البيضاء -  فهل تجلس ما بقيت من عادتها؟
أجمع أهل العلم أن المرأة إذا رأت الطهر فهي طاهر، ولو قبل انتهاء أيام عادتها .
فإن رجع إليها في أيام عادتها فإنه حيض مادامت في أيام العادة وأما العبادات التي أدتها في أيام الطهر فهي صحيحة.
* المسألة الثانية: إذا زاد الحيض عن أيام عادتها:
صورة المسألة : عادتها ستة أيام منضبطة فزاد الدم إلى ثمانية أيام ( وهو دم معروف أنه حيض)  .......اختلف العلماء على أقوال :
القول الأول :ـ  أنه حيض , بشرط أن لا يعبر أكثر الحيض , وهذا قول أبي حنيفة , وسبق أن أكثر الحيض عنده عشرة أيام .
ودليلهم :ـ أن الله علق الحيض بوجود الأذى وهو الدم وقد وُجد .
والراجح هو هذا القول ، لقوة دليله، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري معلقاً ورواه مالك موصولاً: ( أن النساء كن يبعثن بالدُّرجة إلى عائشة فيها حمرة فكانت عائشة تقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ).
ووجه الإستدلال : لو كان المناط هو الأيام لما احتاجت النساء إلى السؤال عائشة .
قال شيخ الإسلام : ( وكذلك المتنقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقصان أو انتقال فذلك حيض حتى يُعلم أنها استحاضة ،  باستمرار الدم ) وذلك بتجاوزه أكثر مدة الحيض .
* المسألة الثالثة: إذا تقدمت عادتها أو تأخرت عن موعدهاالذي اعتادت عليه:
عادتها من أول الشهر إلى السابع ، ثم حدث أن تأخرت من العاشر إلى السابع عشر
أو حصلت في أول الشهر ثم حصلت في آخر الشهر، أي تقدمت عن أول الشهر الذي هو عادتها ، في المسألة خلاف :
القول الأول :أن هذا الدم حيض وتبقى فيه زمن الحيض , وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأبو يوسف .
ودليلهم : أن الله جل وعلا علق الحيض على الوجود فإذا وجد بصفته المعروفة فلا بد أن يعلق الحيض على ما علق الله وهو وجود الأذى ، وأيضاً عرف في النساء هذا الأمر وهو التقدم والتأخر .
جاء في البخاري لما حاضت عائشة بسرف في حجتها بكت وقالت : وددت والله أني لم أحج هذا العام .
وجه الدلالة : لو كانت في وقت عادتها لما تفاجأت ، أو أنها تعرف أنها سوف تأتيها في الحج وستعرف عادتها فلا تحج هذا العام .
وهذا الصحيح : وهو أن الله جل وعلى قد علق حكم الحيض على وجوده  , فإذا وجد بالأوصاف المعروفة فإنه حيض ،  ما لم يعبر أكثره ، وهذا ممالا يسع النساء العمل إلا به ، وهذا ما رجحه ابن عثيمين رحمه الله ، مع وجوب الإنتباه إلى التأكد من وجود بداية الحيض، وهو السيلان، وليس الإفراز المتلون، أو البقعة ،  لحديث :  عَن أم عَطِيَّة قَالَت : (  كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة بعد الطُّهْر شَيْئا ) رَوَاهُ البُخَارِيّ ، وَأَبُو دَاوُد  وَلَيْسَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ : " بعد الطُّهْر " ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم مثل رِوَايَة أبي دَاوُد وَقَالَ : (عَلَى شَرطهمَا) او في حديث ( في زمن الطهر )
قال الحاكم :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولم يتعقبه الذهبي
 وقال الألباني هو كما قالا .
**المسألة الرابعة: علامات الطهر :
الأولى : القصة البيضاء :ـ بدليل ما ذكره البخاري في صحيحه معلقاً , ووصله الإمام مالك في الموطأ بإسناد صحيح :( كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ ...
والقصة البيضاء كما قال العلماء : هو إفراز أبيض تعرفه النساء عند طهرهن. وليعلم أنه ليس النساء كلهن ترى هذا السائل .
الثانية : هي الجفاف : وصورة الجفاف أن تضع المرأة في فرجها القطن وماشابهه فإذا نظرت إليه لم تجد به شيئاً دلالة على انقطاع الدم .
هاتان العلامتان هما علامتا الطهر.
**المسألة الخامسة: كم المدة التي تجلسها بعد جفافها قبل أن تغتسل للصلاة:
اختلف العلماء على قولين :
القول الأول : أنه يوم أو ليلة ، أي اثنتا عشرة  ساعة , وهذا مال إليه ابن قدامة .
القول الثاني : أنه يوم وليلة ، أي أربعة وعشرون ساعة ، بمعنى من حين ما تضع القطن تجلس أربعة وعشرين ساعة ثم هذه المدة تعتبر وتسمى استظهارا للحيض ، وتعتبر هذه المدة من الاستظهار من الحيض لأنه مشكوك فيها، وهذا عليه بعض فقهاء الحنابلة فمتى ما جفت هذه الخرقة مدة أربعة وعشرين ساعة فقد طهرت .
أو قيل : من زمن صلاة إلى التي تليها ، أو زمن صلاتين .
فإن قال قائل : هذه المسألة لا تنضبط ؟ فالمرأة لا تدري متى آخر قطرة نزلت !
فنقول ان الأصح :أن على المرأة في آخر زمن حيضها أن تتحرى وتنظر حتى تعرف متى توقف، ولهذا الحنابلة يحتاطون في مثل هذه المسائل يجعلون المرأة تقضي الصلاة والمجموع إليها احتياطاً . 
المسألة السادسة : إذا انقطع الدم في آخر عادتها يومين ، ثم عاد فهل تغتسل وتتطهر وتصلى في اليومين ؟
بعض النساء يستمر معهن الدم وأحياناً ينقطع يوماً أو يومين ثم يعود، فما الحكم في هذه الحالة بالنسبة للصوم والصلاة وسائر العبادات؟
الجواب :  المعروف عند كثير من أهل العلم أن المرأة إذا كان لها عادة وانقضت عادتها فإنها تغتسل وتصلي وتصوم وما تراه بعد يومين أو ثلاثة ليس بحيض؛ لأن أقل الطهر عند هؤلاء العلماء ثلاثة عشر يوماً، وقال بعض أهل العلم: إنها متى رأت الدم فهو حيض ومتى طهرت منه فهي طاهر، وإن لم يكن بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً؛ أي أنها تغتسل في عند انقطاع العادة وتصلى وتصوم ، فإذا عاد الدم توقفت مرة أخرى.  والله أعلم

No comments:

Post a Comment