Monday 5 May 2014

سلسلة الفقه الميسر - الدرس التاسع - التيمم


 
    

التيمم:

1- المعنى اللغوي للتييم:  للتيمم : القصد .
 المعنى الشرعي : القصد إلى الصعيد، لمسح الوجه واليدين، بنية استباحة الصلاة ونحوها .

2- أدلة مشروعيته:
 
 ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والاجماع .
 أما الكتاب فقول الله تعالى : (وَإِن كُنتُم مَّرْ‌ضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ) سورة النساء آية 43
وأما السنة :  فلحديث أبي أمامة رضي الله عنه : أن رسول الله قال : ( جعلت الارض كلها لي ولامتي مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده طهوره ) رواه أحمد
 

3- اختصاص هذه الأمة به :


وهو من الخصائص التي خص الله بها هذه الأمة . فعن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله قال: ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي  نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث في قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة ) . رواه الشيخان . وقوله:[ جعلت لي الأرض مسجداً : اي يصلي أينما أدركته الصلاة ، وطهورا : أي يتطهر بالتراب إن لم يجد الماء ]
4 – سبب مشروعيته:
في حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجنا مع النبي في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي، فأقام النبي على التماسه، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء ، فأتى الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ فجاء أبو بكر، والنبي على فخذي قد نام ، فعاتبني وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده خاصرتي فما يمنعني من التحرك إلا مكان النبي على فخذي ، فنام حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم :
( وَإِن كُنتُم مَّرْ‌ضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ...) ( المائدة 6 )
قال أسيد بن حضير : ما هي أول * بركتكم يا آل أبي بكر ! ! فقالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته ) . رواه الجماعة إلا الترمذي .

* ما : بمعنى ليس - أي ليست هذه أول بركة لكم ، فان بركاتكم كثيرة  .  



1-             الأسباب المبيحة للتيمم:

 يباح التيمم للمحدث حدثا أصغر أو أكبر ، في الحضر والسفر ، إذا وجد سبب من الاسباب الاتية :

ا - إذا لم يجد الماء : أو وجد منه ما لا يكفيه للطهارة ، لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله في سفر ، فصلى بالناس ، فإذا هو رجل معتزل فقال : ( ما منعك أن تصلي ؟ ) قال : أصابتني جنابة ، ولا ماء . قال :( عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) رواه الشيخان .
وعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن رسول الله قال : ( إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين ) رواه أصحاب السنن ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
 لكن يجب عليه - قبل أن يتيمم - أن يطلب الماء من رجله ، أو من رفقته ، أو ما قرب منه عادة ، فإذا تيقن عدمه ، أو أنه بعيد عنه ، لا يجب عليه الطلب .

ب - إذا كان به جراحة أو مرض : وخاف من استعمال الماء زيادة المرض أو تأخر الشفاء ، سواء عرف ذلك بالتجربة أو بإخبار الثقة من الاطباء ، لحديث جابر رضي الله عليه قال ، خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا حجر ، فشجه في رأسه ثم احتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات . فلما قدمنا على رسول الله أخبر بذلك فقال :  ( قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذا لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال،  إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده ) رواه أبو داود وابن ماجة والدار قطني ، وصححه ابن السكن .
( العي : أي الجهل . (   
ج - إذا كان الماء شديد البرودة: وغلب على ظنه حصول ضرر بإستعماله بشرط أن يعجز عن تسخينه ولو بالاجر ، أولا يتيسر له دخول الحمام ، لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ، أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال : احتملت في ليلة شديدة البرودة ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح . فلما قدمنا على رسول الله ذكروا ذلك له فقال :(  يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ) فقلت : ذكرت قول الله عزوجل : ( ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَ‌حِيمًا ﴿٢٩ النساء )  فتيممت ثم صليت . فضحك رسول الله ولم يقل شيئا.  رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وعلقه البخاري . وفي هذا إقرار من الرسول ، والاقرار منه حجة لانه لا يقر على باطل .
د - إذا كان الماء قريبا منه  إلا أنه يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله أو فوت الرفقة ، أو حال بينه وبين الماء عدو يخشى منه ، سواء كان العدو آدميا أو غيره ، أو كان مسجونا ، أو عجز عن استخراجه ، لفقد آلة الماء ، كحبل ودلو ، لان وجود الماء في هذه الاحوال كعدمه .

ه‍ - إذا احتاج إلى الماء حالا أو مآلا لشربه أو شرب غيره : ولو كان كلباً غير عقور، أو احتاج له لعجن أو طبخ وإزالة نجاسة غير معفو عنها، فإنه يتيمم ويحفظ ما معه من الماء، قال الامام أحمد رحمه الله : عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا لماء لشفاههم.
 وعن علي رضي الله عنه أنه قال : في الرجل يكون في السفر ، فتصيبه الجنابة ، ومعه قليل من الماء ، يخاف أن يعطش قال: يتيمم ولا يغتسل . رواه الدار قطني . قال ابن تيمية : ومن كان حاقنا( أي يحبس بوله ) عادما للماء ، فالافضل أن يصلي بالتيمم غير حاقن من أن يحفظ وضوءه ويصلي حاقنا .
6-  الصعيد الذي يتيمم به :
 يجوز التيمم بالتراب الطاهر وكل ما كان من جنس الارض ، كالرمل والحجر والرجص . لقول الله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)  وقد أجمع أهل اللغة ، على أن الصعيد وجه الارض ، ترابا كان أو غيره .

7-  كيفية التيمم :
على المتيمم أن يبدأ بالنية – وهي فرض فيه.
 ثم يسمي الله تعالى، ويضرب بيديه الصعيد الطاهر، ثم ينفخ فيه ( لكي لا يعفر وجهه فيه )  ويمسح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين .
 ولم يرد في ذلك أصح ولا أصرح من حديث عمار رضي الله عنه قال : اجنبت فلم أصب الماء فتمعكت في الصعيد ( تمرغت ) وصليت ، فذكرت ذلك للنبي فقال : ( إنما كان يكفيك هكذا ) وضرب النبي بكفيه الارض ( وتنفخ فيهما ) ثم مسح بهما وجهه وكفيه ) . رواه الشيخان .
 وفي لفظ آخر : ( إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ، ثم تنفخ فيهما ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين )  رواه الدار قطني.
 ففي هذا الحديث ، الاكتفاء بضربة واحدة ، والاقتصار في مسح اليدين على الكفين ، وأن ينفض يديه وينفخ فيهما ، ولا يعفر به وجهه  بالتراب .

8-  ما يباج بالتيمم :
 التيمم يجزء عن الوضوء والغسل عند عدم الماء فيباح به ما يباح بهما، من الصلاة ومس المصحف وغيرهما، ولا يشترط لصحته دخول الوقت، وللمتيمم أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل، فحكمه كحكم الوضوء سواء بسواء، ويدل عليه حديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي قال : ( إن الصعيد طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين . فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ) رواه أحمد والترمذي وصححه .

9-  نواقض التيمم :
ينقض التيمم كل ما ينقض الوضوء، لانه بدل منه، كما ينقضه وجود الماء لمن فقده ، أو القدرة على استعماله، لمن عجز عنه . لكن إذا صلى بالتيمم ، ثم وجد الماء ، أو قدر على استعماله بعد الفراغ من الصلاة ، لا تجب عليه الاعادة ، وإن كان الوقت باقياً.
 فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رجلان في سفر ، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ، ثم وجد الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ، ولم يعد الاخر ، ثم أتيا رسول الله ، فذكرا له ذلك ، فقال للذي لم يعد: ( أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ) وقال للذي توضأ وأعاد: ( لك الاجر مرتين ) رواه أبو داود والنسائي .
 أما إذا وجد الماء وقدر على استعماله بعد الدخول في الصلاة ، وقبل الفراغ منها ، فإن وضوءه ينتقض، ويجب عليه التطهر بالماء، لحديث أبي ذر المتقدم .
وإذا تيمم الجنب أو الحائض لسبب من الاسباب المبيحة للتيمم وصلى، لا تجب عليه إعادة الصلاة . ويجب عليه الغسل متى قدر على استعمال الماء ، لحديث عمر رضي الله عنه قال : ( صلى رسول الله بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: ( ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم ؟ ) قال : أصابتني جنابة ولم أجد ماء، قال : ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) ثم ذكر عمران : أنهم بعد أن وجدوا الماء أعطى رسول الله الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال : ( إذهب فأفرغه عليك ) رواه البخاري، فدل على أن تطهره بالماء  صار واجبا عليه بعد أن وجد الماء ، ولكن صلاته بالتيمم قد أجزأته . والله أعلم

  

No comments:

Post a Comment