Wednesday 5 February 2014

سورة فصلت - تفسير وربط الآيات وبيان المتشابهات لتثبيت الحفظ ج 1




 سورة فصلت ج 1
إلى من بدا بحفظ أو مراجعة سورة فصلت، اسأل الله تعالى على أن يبلغك مرادك، والوصول إلى ومرضاة الله ، ووفقني وإياكم للفوز بالجنان 

ابدا بإذن الله تعالى بتفسير سورة فصلت باختصار غير مخل ، ليتسنى لنا اولا تدبر آيات الله ، وثانيا : ربط الآيات ببعضها وتسلسلها وحفظها ، وأقف إن شاء عند المتشابه من آياتها بغيرها في مواضع أخرى سواء من نفس السورة أو غيرها ، فلنبدأ بإذن الله ..
سورة فصلت : سميّت بهذا الإسم للآية الثالثة فيها ( كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً)  ولأن الله تعالى فصّل بها الآيات ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته وخلقه لهذا الكون البديع الذي ينطق بجلال الله وعظيم سلطانه. وفي آخرها وعد الله تعالى للبشرية بأن يطلعهم على بعض أسرار هذا الكون في آخر الزمان ليستدلوا على صدق ما أخبر عنه القرآن ، وقد تحقق كثير منه في هذا الزمان ، فلا حقيقة علمية تثبت إلا ولها تأييد في كلام ربنا العالم الحكيم ، وشاهد على صدق كون هذا الكتاب من عند الخالق سبحانه .وفي السورة معجزة علمية ما كان يعلمها الناس قبل هذا الزمان ، وسنشير إليها في حينها إن شاء الله .

ومن أسماء السورة :

1-  سورة فصلت
وذلك : إشارة إلى ما في قوله تعالى ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ..) الآية3
2- حم السجدة
وذلك: إشارة إلى ما في آياتها [الآيتان 37، 38]، من الأمر بالطاعة له بالسجود، الذي هو أقرب مقرب من الملك الديان

سورة فصلت:
 هي ثاني سور آل ( حم ) السبع ، و( حم ) هي الآية الأولى منها، وهي من الأحرف المقطعة ، الله أعلم بمعناها ، ولكن كما بيت سابقاً بأن كل السور التي تبدا بالأحرف المقطعة تأتي الآية الثانية فيها بذكر القرآن أو إحدي صفاته ، وهذه السورة كذلك يصف تعالى القرآن الـ (تنزيل )  بأنه من الرحمن الرحيم ،يقول تعالى (حم * تنزيل من الرحمن الرحيم) ، يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم، والإسمان من أسماء الله تعالى الرحمن الرحيم وردا معا في ثلاث مواضع في القرآن الكريم،في البسملة وهي أول آية في سورة  الفاتحة ، ويبدأ بها في كل سورة ، وجاءت أيضا في سورة الفاتحة آية 3 ، وفي سورة البقرة قوله تعالى: (وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّ‌حْمَـٰنُ الرَّ‌حِيمُ  ) البقرة 163 .

وقوله: ( كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً)  أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه، باللغة العربية ، فهو بينٌ واضحٌ، فمعانيه مفصلة، وألفاظه واضحة، فهو معجز من حيث لفظه ومعناه، وقوله تعالى: ( لقوم يعلمون) أي إنما هو واضح بين لقوم راسخون في العلم ، يعلمون بأنه منزل من عند الله الواحد ، وقيل : يعلمون العربية فيعجزون عن الإتيان بمثله ولو كان غير عربي لما فهموه ، ولا وعوه . قال القرطبي : هذا التاويل أصح.
متشابه :
 قال تعالى في سورة يوسف آية 2: ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) أي عسى أن تعقلوه ،  أنه نزله بلغتكم حتى لو تدبرتموه عقلتم ووعيتم عن ربكم مراده ، لأنه بلغتكم .

ثم بين الله تعالى ألوان الكلام في هذا القرآن أنه.. (بَشِيرً‌ا وَنَذِيرً‌ا فَأَعْرَ‌ضَ أَكْثَرُ‌هُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ )  أي تارة يبشر المؤمنين، وتارة ينذر الكافرين، ولكن أكثر القوم أعرضوا عنه ، فلم يفقهوه ، ولم يفهموه لأنهم لم يسمعوه سماع الواعي المتدبر، بل مع إعراضهم عنه هم قد صرحوا بأنهم قد جعلوا قلوبهم مقفلة دونه  (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ‌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)  أي قلوبنا في أغلفة مغطاة لا تعي ، وآذاننا فيها صمم أن تسمع ما تدعونا إليه ، بل زادوا في البعد عنه ، بأن جعلوا بينهم وبينه حاجزٌ فلا يصل إلينا شيء مما تقول، (فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ) اعمل أنت على طريقتك ونحن نعمل على طريقتنا لا نتابعك.
( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ‌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ) أي لست بملك بل أنا من بني آدم.(  يوحى إليَّ )  وحي من السماء على أيدي الملائكة مواعظ وكلام ربكم ومنه قوله (أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فاستقيموا إليه ) اي فآمنو به الواحد ، واستقيموا بوجوهكم إليه بالدعاء له والمسألة إليه،(  واستغفروه) أي من شرككم. ( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة)  قال ابن عباس : الذين لا يشهدون (  أن لا إله إلا الله ) وهي زكاة الأنفس اي لا يزكون أنفسهم بالإيمان بالله . وقال قتادة : لا يقرون بالزكاة أنها واجبة. وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء.
 قال الزمخشري : فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة؟ قلت : لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ،ألا ترى إلى قوله عز وجل: ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم)  [البقرة : 265] أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، ثم أكد تعالى على اليذن يؤتون الزكاة هم المؤمنون ، وبين أجرهم فقال سبحانه :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ‌ غَيْرُ‌ مَمْنُونٍ ) أي أجرهم غير مقطوع، أو منقوص .
وقيل ذهذه الآية نزلت في الزمني والمرضى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون في صحتهم لا ينقص ، ولا ينقطع.

وبعد أن بيّن ثواب المؤمنين ، عاد لمخاطبة الكافرين ، فأنكر عليهم أن جعلوا لله الواحد شركاء مع أنه هو وحده الخالق للكون كله،فكيف يعبد غيره من لم يخلق،  فقال : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُ‌ونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْ‌ضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ..) فهو خلق ، وأنتم تجعلون له أندادا او شركاء ، ولكن الخالق والمعبود هو (ذَٰلِكَ رَ‌بُّ الْعَالَمِينَ *) ، ثم فصل سبحانه في الخلق ، وهذه السورة فيها تفصيل لخلق السموات والأرض لا يوجد في غيرها ، ففي مواضع سته غيرها قال تعالى : ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام )( في الأعراف ويونس ، والفرقان  ، وغيرها )
أما في هذه السورة ،فبين في الآية السابقة أن خلق الأرض في يومين، ثم بعد هذه الآية قوله: (وَجَعَلَ فِيهَا رَ‌وَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَ‌كَ فِيهَا وَقَدَّرَ‌ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْ‌بَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ  * ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْ‌ضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْ‌هًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * ( 8-11 ) ، وخلاصة قول ابن عباس في تفسير خلق السوات والأرض وترتيب ذلك قال ما مفاده :خلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء بأن استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات في يومين آخرين، ثم دحى الأرض في يومين، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، وذلك قوله تعالى هنا (وَجَعَلَ فِيهَا رَ‌وَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَ‌كَ فِيهَا وَقَدَّرَ‌ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْ‌بَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ) والأربعة أيام هنا هي مجموع ايام الخلق وأيام الدحي ، فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السماوات في يومين.

وبعد أن بيّن ربنا كيف خلق الخلق، يامر عبده ونبيه محمد بان ينذر من أعرض وكذّب ( فَإِنْ أَعْرَ‌ضُوا فَقُلْ أَنذَرْ‌تُكُمْ ..) إن أعرضتم عما جئتكم به من عند اللّه تعالى، فإني أنذركم حلول نقمة اللّه بكم، كما حلَّت بالأُمم الماضين من المكذبين بالمرسلين ( صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ )  أي ومن شاكلهما ممن فعل كفعلهما، فقد جاءت رسلهم (إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّ‌سُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّـهَ  ) وقوله من بين أيديهم ومن خلفهم أي الرسل لهم يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم ، فما كان حجتهم في عدم الإيمان ، لو أرسل اللّه رسلاً لكانوا ملائكة من عنده، وليسوا بشراً مثلنا ، فلن نؤمن لكم (فَإِنَّا بِمَا أُرْ‌سِلْتُم بِهِ كَافِرُ‌ونَ * ) ،ثم يفصل في هاتين الأمتين ، فقال سبحانه : (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُ‌وا فِي الْأَرْ‌ضِ بِغَيْرِ‌ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ  ) ،  فأما عاد فاستكبروا بغير حقهم ، استكبروا مغترين بنعمة الله عليهم بقوة الجسم ، فقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ..) ،والجواب البديهي الذي غفلوا عنه ، طمس الكبرياء على عقولهم ، فنسوا أن من خلقهم لا بد ان يكون أشد منهم قوة ، وقادر عليهم أن يهلكهم : (أَوَلَمْ يَرَ‌وْا أَنَّ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ..) ، فكان جزاءهم العدل أن عذبهم ربهم بتسليط احد جنوده عليهم  : (فَأَرْ‌سَلْنَا عَلَيْهِمْ رِ‌يحًا صَرْ‌صَرً‌ا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ..) ريحا باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب، صر في اللغة : البرد، وهي أيضا الشديدة الصوت. ومنه صر القلم والباب يصر صريرا، ومن الصرة وهي الصيحة. ومنه ( فأقبلت امرأته في صرة) [الذاريات : 29] أي تصيح  . وصرصر اسم نهر بالعراق. ونحسات : أي مشئومات.

فائدة : ورد في القرآن الكريم ذكر الريح والرياح ، فما الفرق بينهما ؟

الرياح لم تذكر إلا بمعنى ما يرسله تعالى من الهواء الجاري في الجو يرسل رحمة ، كما قال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًاسُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ) الأعراف 57

( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) الروم 48
والرياح سبب بإذن الله تعالى لدورة المياه حول الأرض ولولا ذلك لأسن الماء ولم تنتفع به الأحياء ، بل إن كل الأحياء على الأرض لو فقدت الرياح لهلكت يقول كعب الأحبار رحمه الله تعالى (  لو حبست الريح عن الناس ثلاثا لأنتن ما بين السماء والأرض)
أما لفظ الريح  فيذكره الله تعالى فيما يرسله من العذاب ، وهو جند من جنود الله كما أخبرنا ربنا في هذه الآية: ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ )فصلت

متشابه:
 في سورة الزمر يقول ربنا فيمن كذب من قبل من الأمم : (فَأَذَاقَهُمُ اللَّـهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَ‌ةِ أَكْبَرُ‌..) ، وهنا قال في قوم عاد : (لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى ...)

أما قوم ثمود فيقول ربنا فيهم : ( أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ ..) أي بينا لهم الهدى والضلال، ولكنهم اختاروا الضلال على الهدى ، والعمى على البيان، فكان عاقبتهم أن (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)  أرسل عليهم عذاب الهوان ،عذاب هُون :هون بضم الهاء  أي عذاب مهين ، ( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) وهذا عدل رب العالمين .
( وَيَوْمَ يُحْشَرُ‌ أَعْدَاءُ اللَّـهِ إِلَى النَّارِ‌ فَهُمْ يُوزَعُونَ )  يساقون ويدفعون إلى جهنم ،(حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُ‌هُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وهناك يشهد عليهم (سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُ‌هُمْ وَجُلُودُهُم ) ، فيشهدون بالحق الذي يودي به إلى النار ، فيغضب على أعضائه ، ويعاتبها  فيقول (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ) فيأتيهم الجواب أن : (  قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَإِلَيْهِ تُرْ‌جَعُونَ) ، وفي تفصيل هذا المعنى حديث عن رسول الهدى
عن أنّس بن مالك رضي اللّه عنه قال: ضحك رسول اللّه ذات يوم وتبسم، فقال : (ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت؟)  قالوا: يا رسول اللّه من أي شيء ضحكت؟ قال : (عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: أي ربي أليس وعدتني ألا تظلمني، قال: بلى، فيقول: فإنني لا أقبل عليَّ شاهداً إلا من نفسي، فيقول اللّه تبارك وتعالى: أو ليس كفى بي شهيداً والملائكة الكرام الكاتبين - قال - فيردد هذا الكلام مراراً - فيختم على فيه، وتتكلم أركانه بما كان يعمل، فيقول: بعداً لكُنَّ وسحقاً، عنكن كنت أجادل) أخرجه الحافظ البزار، وروى مسلم بنحوه.
ذلك إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون، حتى يؤذن لهم، فيختصمون، فيجحد الجاحد بشركه باللّه تعالى، فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث اللّه تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم، جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ويختم على أفواههم، ثم يفتح لهم الأفواه، فتخاصم الجوارح، فتقول: (  أنطقنا اللّه الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)  فتقر الألسنة بعد الجحود ،وقوله تعالى: ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم)  أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم: ما كنتم تكتمون عنا الذي كنتم تفعلونه، بل كنتم تجاهرون اللّه بالكفر والمعاصي، لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم، ولهذا قال تعالى: (  ولكن ظننتم أن اللّه لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم)  أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن اللّه تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون، هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم (فأصبحتم من الخاسرين) أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم.
ثم هم بعد ذلك مقامهم في النار خالدين فيها ( فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين)  أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا، هم في النار لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها، وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذاراً فما لهم أعذار، ولا تقال لهم عثرات.

معجزة علمية في هذه الآيات :

في الآيات السابقة يقول ربنا أن اسماع وأبصار وجلود أهل النار تشهد عليهم ، ثم يعاتب الكافر جلده فقط على أن شهد عليه ، فلماذا لم يعاتب سمعه ولا بصره ؟ والجواب عنها في الحقيقة العلمية بأن آلة السمع وهي الأذن ، وآلة البصر وهي العين هما من طبقة الجلد ، ذلك الجلد هو أكبر عضو من أعضاء الجسم، إنه يعمل كغلاف وقائي يقى الإنسان من شر المؤثرات المحيطية الضارة مثل الحرارة والبرودة والأوساخ والبكتريا والتلوث، ووهو يحيط بالأعضاء الداخلية ، ومنه تتكون العين والأذن والفم ... ، وهذا سر خطاب الكفار لجلودهم فقط دون أعينهم او آذانهم ، فهما مشمولين بسؤالهم لجلودهم.
 وحقيقة أخرى : الجلد له ذاكرة ولغة :
 يقول د. الكحيل : العلماء يؤكدون أن لخلايا الجلد ذاكرة ، وانها لها صوت تنطق به، ولكننا لا نفقه ما تقوله!! وهذا الاكتشاف حديث لم يكن لأحد علم به زمن نزول القرآن ولكن القرآن أخبرنا بأن كل شيء ينطق ويسبح الله .

  

2 comments:

  1. بارك الله فيك
    أين الجزء الثاني؟

    ReplyDelete
  2. يمكن الحصول على ي منشور سبق من العناوين في اعلى الصفحة ، رابط ج2 من سورة فصلت هو
    http://ummsaeed.blogspot.ca/2014/02/2.html
    بارك الله فيك ونفعني وإياكم بما اكتب

    ReplyDelete