Friday 14 February 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - الجزب الثامن ج 1- من سورة النساء افتتاحها بالأمر بتقوى الله وصلة الأرحام




الحزب الثامن  - من سورة النساء ج1 - اقتتاح السورة بالأمر بتقوى الله وصلة الأرحام

سورة النساء سورة مدنية ، وفيها من الآيات ما لها من الفضل الكثير ، فعن عبد الله بن مسعود قال : ( إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها :
( إن الله لايظلم مثقال ذرة )(40 )ـ
 ( وإن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه )(31)ـ
( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ( 116 ) و(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) ( 64 )
 (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ‌ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورً‌ا رَّ‌حِيمًا)( 110 ) ( رواه الحاكم في مستدركه وقال: إسناده صحيح )
وسنأتي في موضعه على ذكر ما يفتح الله من فضل هذه الآيات إن شاء الله
افتتح تعالى هذه السورة بالأمر بتقواه، والحث على عبادته، والأمر بصلة الأرحام، والحث على ذلك‏.وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالأمر بالتقوى، وصلة الأرحام والأزواج عمومًا، ثم بعد ذلك فصل هذه الأمور أتم تفصيل، من أول السورة إلى آخرها‏.‏ فكأنها مبنية على هذه الأمور المذكورة، مفصلة لما أجمل منها، موضحة لما أبهم‏.‏
وتشترك هذه السورة مع سورة الحج في أنها أُفتتحت بنداء الناس كافة ، هنا في النساء  ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ...) وهناك في الحج  ( يا أيها الناس أتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) افتتحت السورتان بالأمر للناس كافة بتقوى الرب ، فخاطبهم بصفته تعالى بأنه ربهم الخالق الذي خلقكم من نفس واحدة ، وهي نفس آدم أبو البشر ، والخالق المنعم المتفضل ، هو الرازق القائم على كل نفس بما يصلحها ، فحق له أن يتقوه سبحانه ، وتقوى الرب المقصودة هنا أن يجعلوا بينهم وبينه ما يقيهم من عذابه ، يتقوا غضبه وعقابه ، اتقوا الله أن تعصوه في أوامره فلا تقيموها ، أو تفعلوا ما أمركم به من الإيمان بمحمد ، وبما جاء به كله من عند الله ، فهو أمر بالإيمان به والإسلام ، فهو سبيل اتقاء عذابه ،وفي سورة الحج امر الناس أن يتقوه لانه رب الساعة ، وأن إليه مرجعهم جميعا ، وهذا المرجع قريب وإن لم يستشعروا ذلك لطول الأمل والغفلة ،  والأمر بالتقوى إذا وجّه للمسلم قصد فيها ما جاء في الحديث : ( أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر )
وفي سياق هذه آية سورة النساء، يتكرر الأمر بالتقوى ، في قوله ( واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام ..) فقد كررالأمر بالتقوى الله تأكيدا وتنبيها لنفوس المأمورين ، ومعناها أي اتقوا الله أن تعصوه ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن صلوها وبروها ، فأمر بصلة الرحم ، فإن قطيعتها محرمة ، وقد صح عن النبي أنه قال لأسماء وقد سألته : أأصل أمي ؟ ( نعم صلى أمك ) فأمرها بصلتها وهي كافرة ، وهذا للتأكيد على فضل صلة الرحم فجمع صلة الرحم للكافرة ،و قد أمر الله بصلة الأرحام والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتهم والإساءة إليهم، وعدَّ صلى الله عليه وسلم قطيعة الأرحام مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين ، فقال :( لا يدخل الجنة قاطع رحم )،
وقد ختمت هذه الآية بقوله تعالى ( إن الله كان عليكم رقيبا )ـ خوّف ممن يتحايل في القيام بحق صلة رحمه،  بأن الله عليهم رقيبا ، أي مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم  ، كما في الحديث الصحيح : ( أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وهذا إرشاد بمراقبة الرقيب سبحانه وتعالى .

وإليك شيئا في صلة الرحم
معنى الرحم وصلة الرحم :
قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ) .
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .
فضل صلة الأرحام :
1-  صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ:  ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )  رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .

2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ) رواه البخاري

3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي أنه قال :( الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ) . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .

4-  صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :
فعن النبي أنه قال :( يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام )  رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك :
ليس بالواصل من إذا زاره قريبه رد له زيارته، لأنه يـكافئ الزيارة بمثـلها، وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن، أو قضى له حاجه فردّ له ذلك يمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ ، فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه ، ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب .
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله قال: ( ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ). رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ) . رواه مسلم .
والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .

قطع الأرحام
إن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة أن نسمع أن أحد الوالدين أضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده .
ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية

قاطع الرحم ملعون في كتاب الله :
قال الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . سورة محمد:32-33 .
قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن :
قاطع الرحم من الفاسقين المفسدين الخاسرين :
قال الله تعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون )  البقرة:26-27.
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا : ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
عن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله قال: ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ) . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قال : فذلك لك ) . رواه البخاري.
وما أسوأ حال من يقطع الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله

No comments:

Post a Comment