Thursday 6 February 2014

تدبر ىيات من الحزب الخامس - آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة




تدبر آيات  من الحزب الخامس من القرآن العظيم

في هذا الحزب اجتمع آثلاث آيات عظام، آية الكرسي سيد آي القرآن الكريم
وآيتين هن خواتيم سورة البقرة ،لكل منهم فضل عظيم ،تعالوا معي ترتع في رحاب هذا الحزب ، تقطف من قطوفه ثمرات وعظات، والله المستعان
بداية الحزب : آية بيان رب الرسالات والمرسلين أنه فضّل بعض الرسل على بعض ، وأن ليس كلهم عند الله سواء – بالرغم من أنهم جميعا فضلهم على الناس بائن ، وقدرهم عند ربهم للا يرتاب فيه عادل ،فهم أصفياءه من خلقه  صلوات الله عليهم أجمعين –
وكما جاء في مواضع مختلفة من القرآن ، أن من الرسل خمسة هم أولى العزم وهم :
محمد عليه صلوات ربي وسلامه ،  ونوح  وإبراهيم  وموسى  وعيسى عليهم السلام
والدليل على هذا أنّ الله ذكر الأنبياء ثم عطف عليهم هذه المجموعة وعطف الخاص على العام يفيد أن للخاص زيادة في الفضل وذلك في قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) [الأحزاب : 7 ]ـ ، وهناك ما هو أصرح من ذلك؛ وهو أن في كتاب الله آية تدل على أن نبياً من الأنبياء لم يكن له عزم، وهي قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) ( طه 115)
وليعلم أن مقام التفضيل لله ، وليس للناس أن يفضلوا أحد منهم على الآخر ، من حيث التصديق بنبوتهم ، والشهادة لهم بالصدق والإخلاص في التبليغ ، والصبر على الدعوة لله ، ويستثنى من ذلك ما ورد عليه الدليل ، ومنها تفضيل سيدنا محمد كما ورد في الحديث المروي عن أنس رضي الله عنه ، قال :
  ( أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلا فَخْرَ ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلَقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ وَلا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي وَلا فَخْرَ )  اللهم صل وسلم وبارك عليه
- وآية الكرسي لها شأن عظيم ، فهي سيد آي القرآن ، وقد صح الحديث عن رسول الله عن أبي بن كعب أن النبي سأله : ( أي أية في كتاب الله أعظم ؟)  قال : الله ورسوله أعلم ، فرددها مرارا ، ثم قال : آية الكرسي ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ليهنك العلم أبا المنذر ، والذي نفسي بيده ، إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش ) [ مسلم ]ـ
وفي فضلها أيضا ، روى الإمام أحمد رحمه الله عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : سمعت رسول الله يقول في هاتين الآيتين ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) و ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) إن فيهما الله الأعظم ) ( الترمذي وقال حسن  صحيح )ـ
 وفي فضل قرآءتها بعد الصلاة المكتوبة عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : ( من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي ، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ) ( ابن حبان في صحيحه )

وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة

- فقوله عز وجل : ( الله لا إله إلا هو ) إخبار بأنه هو الخالق ، المبدع المتفرد بالربوبية ن لا ينازعه فيها أحد سبحانه ، وهو المستحق للألوهية ، والعبادة دونا عن ما يدعى لغيره.
- قوله تعالى ( الحي القيوم ) أي الحي بذاته لا يموت أبدا ، القيم على غيره ، فجميع الكائنات مفتقرة له ، وهو سبحانه غني عنها ، فهي إخبار بأن الله تعالى متفرد بالقيومية على جميع الخلائق

- وقوله ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) بيان أنه جل وعلا لا يعتريه ولا يشوبه نقص ، فالنوم نقص في الوعي ، وذهول للعقل ، بل هو تعالى قائم على كل نفس بما كسبت، لا يخفى عليه خافية من أحوالهم
 وفي الصحيح عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات ، فقال ( إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يُرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل ، وعمل الليل قبل عمل النهار  ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )
- وقوله : ( له ما في السموات والآرض ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه ، وتحت قهره وسلطانه ، وفي حفظه ، وتحت علمه لا يخفى عليه منهم شيء
- وقوله : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ، فشروط الشفاعة المقبولة عند الله ، الرضى عن الشافع بدليل هذه الآية ،والرضى عن المشفوع له ، لقوله تعالى : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْ‌تَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء 28
- وقوله : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) اي محيط علمه بكل شيء، كل مخلوق من الخلائق يعلم ماضيه وحاضره ، وما فاته ، وما هو آت عليه .
- وقوله : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )  فلا يطلع أحد على أي خافية أخفاها من علمه ، إلا بإرادته هو أن يطلعه عليها
- وقوله : ( وسع كرسيه السموات والأرض ) والكرسي : هو موضع القدمين
فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي عن الكرسي فقال : ( والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي ، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة )
- وقوله عز وجل : ( ولا يؤده حفظهما ) اي لا يثقله ، ولا يعبأ بحفظ السموات والأرض ومن فيهما  ، ومن بينهما ، بل ذلك عليه يسير ، وهو القائم على كل نفس بما عملت ، الرقيب على كل شيء ، فلا يغزب عنه ولا يغيب عنه شيء
- وقوله تعالى: ( وهو العلي العظيم ) كقوله عز وجل (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ‌ الْمُتَعَالِ) الرعد 9 ،  الكبير قدرا  وعظمة  وهيبة ، والمتعال على خلقة ، لا يدانيه أحد بأي من ما ورد من الصفات السابقة في الآية ، فلله الحمد والمنة
هذا ما تيسر من تفسير آية الكرسي

وفي فضل خواتيم سورة البقرة ، نوجز فنقول بعون الله :

أولا : ما جاء في البخاري عن ابن مسعود قال ، قال رسول الله : ( من قرأ بالآيتين – من آخر سورة البقرة – ليلة كفتاه ) قيل كفتاه عما سواهما ، أو كفتاه ما يهمه ، أو من همزات الشياطين
ثانيا : في انهما من تحت العرش ، جاء في مسند الإمام أحمد : عن أبي ذر  قال ، قال رسول الله : ( أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يُعطهن نبي قبلي )
وفي مسلم : عن عبد الله قال : لما أُسري برسول الله ، انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السابعة ، إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها منها ، قال : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) قال : فراش من ذهب ، قال : وأعطي رسول الله ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .

-     وقوله تعالى : (مَنَ الرَّ‌سُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّ‌بِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُ‌سُلِهِ لَا نُفَرِّ‌قُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّ‌سُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَ‌انَكَ رَ‌بَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‌ )  من تفسير القرآن العظيم - ابن كثير
-     إخبار عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بأنه أول من آمن. روى الحاكم في مستدركه عن أنَس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه)  قال النبي صلى اللّه عليه وسلم (حق له أن يؤمن) ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ثم عطف الله تعالى المؤمنين على الرسول أنهم آمنوا معه ، ثم أخبر عن الجميع، أنهم  يؤمنون بأن اللّه واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره ولا رب سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد اللّه المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارُّون راشدون مهديُّون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن اللّه حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى اللّه عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين.
-     ثم بين حسن أدبهم وطاعتهم لربهم إذ قالوا توا : سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه، ( غفرانك ربنا)  فسألوه المغفرة واللطف. قال ابن جرير: لما نزلت على رسول اللّه ، قال جبريل: إن اللّه قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه، فسأل: (  لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها)  إلى آخر الآية.

 وقوله: ( لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها)  أي لا يكلف أحداً فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه) ، أي هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان، وقوله: ( لها ما كسبت)  أي من خير، (وعليها ما اكتسبت)  أي من شر، وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف ثم قال تعالى مرشداً عباده إلى سؤاله وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلَّمهم أن يقولوا: (  ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)  أي إن تركنا فرضنا على جهة النسيان، أو فعلنا حراماً كذلك، أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلاً منه بوجهه الشرعي. وعن ابن عباس قال، قال رسول اللّه : (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ( رواه ابن ماجة وابن حبان) وعن أم الدرداء عن النبي قال: (إن اللّه تجاوز لأمتي عن ثلاث: الخطأ، والنسيان والاستكراه) . قال أبو بكر فذكرت ذلك للحسن، فقال: أجل أما تقرأ بذلك قرآنا: ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (رواه ابن أبي حاتم ) وقوله تعالى: (  ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا)  أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها، كما شرعته للأمم الماضية  فقد حملوا من الأغلال والآصار ، التي كانت عليهم التي بعثت نبيك محمداً نبي الرحمة بوضعه، في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح. وجاء في الحديث من طرق عن رسول اللّه أنه قال: (بعثت بالحنيفية السمحة). 

 وقوله تعالى: ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)  أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلينا بما لا قبل لنا به، وقوله تعالى: ( واعف عنا) أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا، ( واغفر لنا)  أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة، ( وارحمنا) أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر

فائدة :
-      قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو اللّه عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره.

 وقوله تعالى: (  أنت مولانا)  أي أنت ولينا وناصرنا وعليك توكلنا، وأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك، (  فانصرنا على القوم الكافرين)  أي الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك، وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك، فانصرنا عليهم. قال ابن جرير عن أبي إسحاق: إن معاذاً رضي اللّه عنه كان إذا فرغ من هذه السورة (  وانصرنا على القوم الكافرين)  قال: آمين. ( اللهم استجب ، ويقول الله تعالى : قد فعلت )

لله الحمد والمنة على ما قتح

No comments:

Post a Comment