Saturday 8 February 2014

شرح الأحاديث النووية - الحديث التاسع - ما نهيتكم عنه فانتهوا



 


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ يَقُوْلُ:ـ
 ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ )  
 رواه البخاري ومسلم
الشرح

قوله
 مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ:ـ   قال أهل أصول الفقه: النهي طلب الكفّ على وجه الاستعلاء ولو حسب دعوى الناهي، يعني وإن لم يكن عالياً على المنهي  
ومعلوم أن النبي أعلى منّا حقيقة  

فَاجْتَنِبُوهُ:ـ  أي ابتعدوا عنه، فكونوا في جانب وهو في جانب ، وهذا فيه تأكيد الإبتعاد عن المنهي عنه ، واستعمال كلمة اجتنبوه أقوى من لو قال ... فانتهوا عنه   

وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ:ـ  هذه الجملة أيضاً شرطية،
 فعل الشرط فيها  (ما أمرتكم به ) ، وجواب الشرط :ـ   ( فأتوا منه ما استطعتم )
يعني افعلوا منه ما استطعتم، أي ما قدرتم عليه

والفرق بين المنهيات والمأمورات:ـ أن المنهيّات قال فيها
: فَاجْتَنِبُوهُ ولم يقل ما استطعتم، وسببه
أن النهي كف وكل إنسان يستطيعه، وأما المأمورات فإنها إيجاد قد يستطاع وقد لا يستطاع، ولهذا قال في الأمر
فأتُوا مِنْهُ مَا استَطَعتُمْ ويترتب على هذا فوائد نذكرها إن شاء الله تعالى في الفوائد، لكن التعبير النبوي تعبير دقيق
وتعبير : ( إنما ) للحصر والتوكيد ، أي فإن الذي أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم
ويجوز أن تجعل: ـ ما أهلك الذين من قبلكم إلا كثرة مسائلهم – أي هذا هو السبب دون غيره-
الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ : ـ  يشمل اليهود والنصارى وغيرهم، والمتبادر أنهم اليهود ، واليهود أشدّ في كثرة المساءلة التي يهلكون بها، ولذلك لما قال لهم نبيهم موسى عليه السلام:ـ
( البقرة 67 )  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً )
جعلوا يسألون:ما هي؟ وما لونها؟ وما عملها ؟
وقوله:ـ   كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ جمع مسألة وهي: ما يُسأل عنه

وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ : يعني وأهلكهم اختلافهم، ويجوز فيها أن تكون مجرورة، أي وكثرة اختلافهم على أنبيائهم، وكلا الأمرين صحيح

وقوله: عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ:ـ  وذلك بالمعارضة والمخالفة
 وهذا كقوله في الإمام:ـ
 ( إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ) ، ولم يقل: فلا تختلفوا عنه، وهكذا في هذا الحديث قال:ـ
اختلافهم على أنبيائهم ولم يقل : عن أنبيائهم ، لأن ( على ) تفيد أن هناك معارضة للأنبياء

من فوائد هذا الحديث

.1
وجوب الكفّ عما نهى عنه النبي ،ولو لم يرد النهي في القرآن  لقوله: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ.

.
2
أن المنهي عنه يشمل القليل والكثير، لأنه لا يتأتّى اجتنابه إلا باجتناب قليله وكثيره، فمثلاً: نهانا عن الغيبة والنميمة ، وسوء الأخلاق عموما ، فيشمل قليله وكثيره.

3- -أنه لا يجب من فعل المأمور إلا ما كان مستطاعاً، لقوله:(  وَمَا أَمرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )

فإن قال قائل: هل هذه الجملة تفيد التسهيل، أو التشديد، ونظيرها قوله تعالى:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: الآية16)  

فالجواب: لها وجهان: فقد يكون المعنى: لابد أن تقوموا بالواجب بقدر الاستطاعة وأن لا تتهاونوا مادمتم مستطيعين.

ويحتمل أن المعنى: لاوجوب إلا مع الاستطاعة، وهذا يؤيده قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: الآية286)  

ولهذا لو أمرت إنساناً بأمر وقال: لا أستطيعه أنا ، وهو يستطيع لم يسقط عنه الأمر.
4- أن الإنسان إذا لم يقدر على فعل الواجب كله فليفعل ما استطاع. ولهذا مثال: يجب على الإنسان أن يصلي الفريضة قائماً، فإذا لم يستطع صلى جالساً.
وهنا سؤال: لو كان يستطيع أن يصلي قائماً لكنه لا يستطيع أن يكمل القيام إلى الركوع، بمعنى: أن يبقى قائماً دقيقة أو دقيقتين ثم يتعب ويجلس، فهل نقول: اجلس وإذا قارب الركوع فقم، أونقول: ابدأ الصلاة قائماً وإذا تعبت اجلس؟

الجواب:هذا فيه تردد عندي، لأن النبي حين أخذه اللحم كان يصلي في الليل جالساً فإذا بقي عليه آيات قام وقرأ ثم ركع. وهذا يدلّ على أنك تقدم القعود أولاً ثم إذا قاربت الركوع فقم.

والفريضة الأصل أن يصلّي قائماً، فنقول: ابدأها قائماً ثم إذا تعبت فاجلس، وربما تعتقد أنك لا تستطيع القيام كله، ثم تقدر عليه، فنقول:ابدأ الآن بما تقدر عليه وهو القيام، ثم إن عجزت فاجلس، وهذا أقرب.

5- أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه فإنه شريعة، سواء كان ذلك في القرآن أم لم يكن، فُيعمل بالسنة الزائدة على القرآن أمراً أو نهياً.

هذا من حيث التفصيل، لأن في السنة ما لا يوجد في القرآن على وجه التفصيل، لكن في القرآن ما يدل على وجوب اتباع السنة،وإن لم يكن لها ذكر في القرآن مثل قول الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) (النساء: الآية80)  ومثل قول الله تعالى:       (  فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ ) (الأعراف: الآية158)

فالقرآن دلّ على أن السنة شريعة يجب العمل بها،سواء ذكرت في القرآن أم لا.

6 - أن الأمم السابقة هلكوا بكثرة المساءلة، وهلكوا بكثرة الاختلاف على أنبيائهم.
والأسئلة التي هي سبب للهلاك :
‌أ-     السؤال تعنتاً وتعمقاً .
‌ب-   السؤال بما لا فائدة منه ولا حاجة له .
‌ج-      السؤال على وجه الاستهزاء والسخرية والعبث .
‌د-  كثرة السؤال في المسائل التي لم تقــع .
‌ه-    وأما مايحتاج الناس إليه من المسائل الفقهية فلا حرج من السؤال عنها مع الحاجة لذلك، وأما إذا لم يكن هناك حاجة. فإن كان طالب علم فليسأل وليبحث، لأن طالب العلم مستعدٌ لإفتاء من يستفتيه. أما إذا كان غير طالب علم فلا يكثر السؤال.
قال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمــون ) .
PBUH.JPGوقال     : ( نعم النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين ) .
‌و-       ولما سئل ابن عباس ، كيف نلت العلم ؟ قال : ” بلسان سؤول ، وقلب عقول ، وجسم غير ملول “ .
‌ز-      وقيل : السؤال نصف العلم .
وقال الزهري : ” العلم خزانة ، مفتاحها المسألة “ .

No comments:

Post a Comment