Friday 7 February 2014

شرح الحديث الثامن من الأربعين النووية



  


عن ابنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُما أنَّ رسولَ اللهِ قالَ:ـ
( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى )
رواه البخاريُّ ومسلِم


الشرح

لقد أمرنا الله تعالى في دين الإسلام أن ندعو المعرضين والمكذبين بالحسنى ، وأن نجتهد في ذلك ، بل أن نجادلهم بالتي هي أحسن ، فإن أبوا ، كان لزاما عليهم ألا يمنعوا هذا الخير من أن يصل إلى غيرهم ، ووجب عليهم أن يفسحوا لذلك النور لكي يراه سواهم ، فإن أصروا على مدافعة هذا الخير ، وحجب ذلك النور ، كانوا عقبة وحاجزاً ينبغي إزالته ، ودفع شوكته ، وهذا مما أشار إليه النبي في قوله :ـ
( أُمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاةَ )
فهو مأمور بنشر دين الإسلام ، واستئصال شوكة كل معاند أو معارض ، وتلك هي حقيقة الدين وغايته .
لكن ما سبق لا يدل على أن دين الإسلام دينٌ متعطشٌ للدماء ، وإزهاق أرواح الأبرياء ، بل هو دين رحمةٍ ورأفةٍ ، حيث لم يكره أحدا على الدخول فيه ، بشرط ألا يكون عقبةً أو حاجزاً كما تقدم ، وقد قال تعالى:ـ  


-     وقوله : ـ( حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله )  
أي حتى يشهدوا بألسنتهم وبقلوبهم، لكن من شهد بلسانه عصم دمه وماله، وقلبه إلى الله عزّ وجل

أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أي لا معبود حقّ إلا الله عزّ وجل، فهو الذي عبادته حقّ، وما سواه فعبادته باطلة
وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ محمد بن عبد الله، وأبرز اسمه ولم يقل: وأني رسول الله للتفخيم والتعظيم. ورسول الله: يعني مرسله

- أما إقامة الصلاة ، فهي من أعظم مظاهر الانقياد والعبودية، بل إن تاركها ليست له عصمة ، يشهد لذلك قوله تعالى:ـ
( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) التوبة 11
  فدل على أنهم إن لم يصلوا فلا أخوة لهم ، ولما أراد خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يضرب عنق ذي الخويصرة - الذي اعترض على قسمة النبي لتوزيع المال - نهاه عن ذلك قائلاً:ـ  ( لا ؛ لعله أن يكون يصلي ) متفق عليه
وهذا يقتضي أنه لو كان تاركا للصلاة لما منع خالدا من قتله

- قوله ( ويؤتوا الزكاة ) فالزكاة وهي حق فقراء المسلمين في أموال أغنيائهم
  فالزكاة هي من مظاهر الانقياد المالية لله تعالى ، ولا يعني ذكرها في الحديث أن مجرد الامتناع عن أدائها كفر مخرج من الملة ، بل في ذلك تفصيل آخر ، منه أنه مانعها كفرا بها ، وإنكارا لوجوبها كافر ( مثلها مثل بقية أركان الإسلام ، فالكفر بها وإنكارها كافر بالدين )
الزكاة: هي النصيب المفروض في الأموال الزكوية. ففي الذهب مثلاً والفضة وعروض التجارة: ربع العشر، أي واحد من أربعين. وفيما يخرج من الأرض مما فيه الزكاة: نصف العشر إذا كان يسقى بمؤونة، والعشر كاملاً إذا كان يسقى بلا مؤونة...كما هو موضح في كتب الفقه.

فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أي شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة

- عَصَمُوا:  أي منعوا مِنِّي دِمَاءهَم وَأَمْوَالَهُم أي فلا يحل أن أقاتلهم وأستبيح دماءهم،  ولا أن أغنم أموالهم، لأنهم دخلوا في الإسلام

- إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ هذا استثناء لكنه استثناء عام، يعني: إلا أن تباح دماؤهم وأموالهم بحق الإسلام،وهي الحدود لمن ارتكب من المسلمين ما يوجبه مثل: زنا الثيّب، حده الرجم حتى الموت ، والقصاص من القاتل للنفس المتعمد ،وما أشبه ذلك.

- وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى أي محاسبتهم على الأعمال على الله تعالى، أما النبي صلى الله عليه وسلم فليس عليه إلا البلاغ  

وبذلك يتبين لنا أن الإسلام دين يدعوا الناس جميعا إلى الالتزام بأحكام الله تعالى ، فإذا أدوا ما عليهم من واجبات ، فقد كفل لهم حقوقهم ، وصان أعراضهم وأموالهم.

فوائد الحديث : 

أفاد الحديث عظم حرمة دم المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب مهما أخل بالواجبات وفعل من الكبائر إلا ما دل الشرع عليه ،
فلا يحل لأحد التعرض للمسلم وانتهاك حرمته ، والإستخفاف بدماء المسلمين واستباحتها من طريقة الخوارج قاتلهم الله ، وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي قال:
( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم". ونظر ابن عمر -رضي الله عنهما- يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك)
 وكذلك الذمي المعاهد حرم الشرع دمه كما قال رسول الله :
 
(من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري
وقد كان السلف شديدوا الورع في دماء المسلمين قال بشير بن عقبة " قلت ليزيد الشخير ما كان مطرف يصنع إذا هاج الناس قال: ( يلزم قعر بيته ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي ) 

 وأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ومن لم يصب دما حراما فهو في فسحة من أمره ، وتساهل العبد في دماء الناس دليل على ضعف بصيرته وقلة ورعه وتعرضه للفتن والله المستعان.

فوائد لغوية من الحديث : ـ 

1ـ قوله : ( أُمِرْتُ ) أي أمرني ربي

والأمرُ: طلب الفعل على وجه الاستعلاء، أي أن الآمر أو طالب الفعل يكون هو في منزلة فوق منزلة المأمور، لأنه لو أمر من يساويه سمي عندهم التماساً، ولو طلب ممن فوقه سمي دعاءً وسؤالاً

2ـ ما المقصود بـ ( حتى ) في الحديث ؟
فـ ( حتى ) قد تأتي للتعليل ، بمعنى : أن اقاتل ليشهدوا .
 أو هي للغاية بمعنى أقاتلهم إلى أن يشهدوا.
أمثلة للتفريق :  قوله تعالى في سورة ( طه 91 )
(  قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى )

فهذه للغاية ( أي إلى أن يرجع موسى ) ، ولا تصح للتعليل، لأن بقاءهم عاكفين على العجل لا يستلزم حضور موسى عليه السلام ، أي ليس لأجل أن يرجع موسى.
وقوله عزّ وجل عن المنافقين ( المنافقون 7 )  
 (لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا )
فحتى هنا للتعليل، يعني لا تنفقوا لأجل أن ينفضوا عن رسول الله، وليس المعنى لا تنفقوا حتى ينفضّوا، فإذا انفضّوا أنفقوا.
فأيهما المقصودة هنا في الحديث ؟  
والجواب: هي تحتمل أن تكون للتعليل ولكن الثاني أظهر، يعني أقاتلهم إلى أن يشهدوا

3ـ قوله صلى ( أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ ) :  هذا هو ما أُمر به  والمقاتلة غير القتل، المقاتلة : وهي مفاعلة بين فريقين ، أو شخصين     
فالمقاتلة: أن يسعى في جهاد الأعداء حتى تكون كلمة الله هي العليا
والقتل: أن يقتل شخصاً معينا ، بدون أن يقاتله ذلك الشخص ،
ولهذا يقال: ليس كل ما جازت المقاتلة جاز القتل
 فالقتل أضيق ولا يجوز إلا بشروط معروفة، والمقاتلة أوسع، قال الله تبارك وتعالى:ـ
   ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه ) ( الحجرات 9 )  
فأمر بقتالها وهي مؤمنة لايحل قتلها ولا يباح دمها لكن من أجل الإصلاح
وقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ولكن لايقتلهم، بل قاتلهم حتى يذعنوا للحق . حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله

فهذا الحديث أصلٌ وقاعدةٌ في جواز مقاتلة الناس،وأنه لايجوز مقاتلتهم إلا بهذا السبب .

اللهم انصر المسلمين في كل مكان ، ولا تسلط عليهم من لا يخافك فيهم ولا يرحمهم

 

No comments:

Post a Comment