Wednesday 26 February 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - الحزب التاسع ج 3- سورة النساء - محبة الله أن تتوبوا إليه



 تدبر آية من القرآن العظيم – سورة النساء – يريد الله أن يتوب عليكم

ألا تعجب أن يريد ربنا أن يتوب علينا ، وييسر لنا أمر التوبة ، ويتقبلها من عباده في كل وقت، وإلى قيبل أن تغرغر روحه في حلقه،  ومع ذلك بيقى إنسان على غيه ويبقى للنار أهل التي هي دارهم ، أعاذنا الله منها.


قال سبحانه وتعالى : (وَاللَّـهُ يُرِ‌يدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِ‌يدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا *  يُرِ‌يدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) (سورة النساء  27 - 28 ) 

التفسير:
- أولا : في أقسام الإرادة بالنسبة لله تعالى :
تنقسم الإرادة إذا نسبت إلى الله إلى قسمين:
القسم الأول: إرادة كونية    القسم الثاني: إرادة شرعية.

والإرادة الكونية:  هي ما كان بمعنى المشيئة ، مثل قوله تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُ‌هُ إِذَا أَرَ‌ادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ  ) ﴿يس: ٨٢﴾
 أما الإرادة شرعية،  فهي ما كان بمعنى أنه يحب لكم ذلك ، مثل قوله تعالى هنا : (وَاللَّـهُ يُرِ‌يدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ..)  فمعنى الآية أن الله يحب أن يتوب عليكم .
إذ لو كان المعنى: "والله يشاء أن يتوب عليكم"، لتابَ على جميع العباد، وهذا أمر لم يكن فإن أكثر بني آدم من الكفار ، فقوله (وَاللَّـهُ يُرِ‌يدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ..) يعني يحب أن يتوب عليكم، ولا يلزم من محبة الله للشيء أن يقع لأن الحكمة الإلهية البالغة قد تقتضي عدم وقوعه.

ومثال الإرادة الكونية قوله تعالى: (وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَ‌دتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّـهُ يُرِ‌يدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَ‌بُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْ‌جَعُونَ ) ( هود 34 ) ،  لأن الله لا يحب أن يغوي العباد، إذاً لا يصح أن يكون المعنى إن كان الله يحب أن يغويكم، بل المعنى إن كان الله يشاء أن يغويكم.

ولكن بقي لنا أن نقول: ما الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية من حيث وقوع المراد؟

الإرادة الكونية لابد فيها من وقوع المراد إذا أراد الله شيئاً كوناً فلابد أن يقع :(إِنَّمَا أَمْرُ‌هُ إِذَا أَرَ‌ادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ  ) ﴿يس: ٨٢﴾

أما الإرادة الشرعية فقد يقع المراد وقد لا يقع، قد يريد الله عز وجل هذا الشيء شرعاً ويحبه ، ولكن لا يقع لأن المحبوب قد يقع وقد لا يقع.

فإذا قال قائل: هل الله يريد المعاصي؟

فنقول: يريدها كوناً لا شرعاً، لأن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة،  والله لا يحب المعاصي، ولكن يريدها كوناً أي مشيئة فكل ما في السماوات والأرض فهو بمشيئة الله.
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول - باب الأسماء والصفات.

والميل : العدول عن طريق الاستواء؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى لا تلحقه معرة.

  فإذا أخي الكريم / اختي الكريمة :  لا تغلط في معنى هذه الآية ، فإرادة الله هنا ، تعنى حبه لذلك وتيسره لعبده التوبة ، وليس أن إرادة الفعل أن يقع حقيقة ،ووجد  المنع عنها، فإن هذا منفي عن الله تعالى ، فإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون .

وقوله تعالى : ( وَيُرِ‌يدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) أي يريد ويحب أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلاً عظيما.
وقوله تعالى : ( يُرِ‌يدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) فإراته هنا أيضا هي محبته أن يخفف، وشرعه أيضا التخفيف عنكم ، وناسب ضعف الإنسان التخفيف، وضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته. وقال: طاووس: (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) أي في أمر النساء، وقال القرطبي : (ضَعِيفًا ) نصبت على الحال ، والمعنى أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه، وهذا أشد الضعف فأحتاج إلى التخفيف.
وفي حديث الإسراء ، وفيه عند فرض الصلوات : قال موسى عليه السلام لنبينا محمد : ماذا فرض عليكم؟ فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة، فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا، وإن أمتك أضعف أسماعاً وأبصاراً وقلوباً؛ فرجع فوضع عشراً، ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمساً.
ومحبة الله تعالى لنا التوبة والإستقامة على الحق ، واتباع دينه القويم الذي أنزله على نبيه محمد ، تبع لها محبة نبينا الكريم لنا ذلك ، وها هو يشرح حاله مع أمته يقول : (  مثلي و مثلكم ـ أيتها الأمة ـ كمثل رجل أوقد نارا بليل فأقبلت إليها هذه الفراش و الذباب التي تغشى النار فجعل يذبها و يغلبنه إلا تقحما في النار و أنا آخذ بحجزكم أدعوكم إلى الجنة و تغلبوني إلا تقحما في النار ) فهو يصور لنا حال العصاة لأمره ،  لا يعقلون ما هم مقبلون عليه يعصيانهم ، كمثل الفراش والذباب والحشرات الطائرة عموما ، تنجذب إلى النور وإلى النار تحوم حولها وتقع فيها وهي قاتلتها، وهنا النار هي الشهوات التي حفت النار بها، من اقتحمها فهي طريقه إلى النار ، ولا يدرون أنها الطريق المؤدي إلى النار .
 ويذكرنا ايضا بالحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال:( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )  قيل يا رسول الله ومن يأبى ،  قال: (  من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة والعياذ بالله  
والآية فيها أن الداعين إلى النار كثير ، إنهم الداعين إلى اتباع الشهوات ، وما أكثرهم في كل الأزمان ، ونتكلم عن زماننا فأينما تتوجه تقابل الداعين إلى النار ، يزيننونها للناس بكافة الأسماء ،الرقي التحضر ، المجاراة للزمان، للناس، الترفيه ، الترويح عن النفس، المهم ما في القلب من محبة الله ومحبة الرسول ، لا تهم الأعمال ..... ولكن اين عقول المجيبين ؟؟ أنهم كالفراش والذباب لا يعقلون إلى أين هم ذاهبون .
وأيضا يصح المعنى أن الله تعالى يريد أن يخفف عن عباده بإزاحة أعباء المعاصي وتأثيرها عليهم ، وذلك بأن يقبل التوبة ممن تاب ، ويستر على من استتر حياء من الله حتى يتوب .
وهو سبحانه يريد ان يخفف عنا وطأة الشهوات بما أمر ونهى،  فيسد منافذ الشيطان؛  يخفف تأثير شهوت الفرج  بالأمر بغض البصر، وبالأمر بالحجاب للمرأة ، وعدم اختلاط الرجال بالنساء بغير داع ، وخصوصا تحريمه الخلوة بين المرأة والرجل ...، وهكذا ناسب ضعف الإنسان في نفسه ، وضعف عزيمته وهمته ناسبة التخفيف رحمة من رب الأرباب ، الخالق لكل نفس والأعلم بها

وكذلك كلما زاد الضعف بابن آدم ناسبه زيادة في التخفيف في الأحكام المفروضة عليه، فإذا مرض العبد خففت عنه عباداته ، فجاز له أن يفطر في رمضان، وقد يصوم مكانها أياما أخر، وقد يفدي عنها، حسب حالته، والمريض أيضا يوضع عنه وجوب القيام والإنتصاب في الصلاة فيصلى على أي حال يستطيعها وقد يجمع في صلواته ، ولا يقوم بما كان يقوم به من النوافل في صحته، ومع ذلك  فيكتب له من الثواب ما كان يعمل في صحته أو سفره إذا سافر، كما قال : (  إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)

الله يريد ان يخفف عن عباده لييسر لهم أمر طاعته، وعبادته ودخول جنته برحمته وعفوه،  فعبادة العباد لله لا تزيد في ملكه شيء ، ولا العصيان ينقص منه شيء، فهل من مشمر مقبل على ربه ..؟

No comments:

Post a Comment