Tuesday 18 February 2014

صحابيات حول رسول الله ﷺ - أم أيمن بركة بنت ثعلبة الحبشية




  

بركة الحبشية ....وُلدَت على الرقِّ في مكة، ولم يسجل تاريخ ميلاد، وعاشَت في مكة ، ويذكر التاريخ أنها كانت أمة لعبد الله بن عبد المطلب – والد رسول الله ، ولما توفاه الله وابنه محمد في بطن أمه صارت ميراثه   من أبيه .
أم ايمن بركة حاضنة رسول الله في طفولته :
كان من حسْن طالع هذه الأمة الحبشية أن اتَّصلت حياتها بمحمد ، مِن ذلك اليوم سعدت بجواره فكانت له نعم الخادِمُ الصادق، ولما بلغ نبي الله مِن عمره المجيد السادسة،  صحبته أمه إلى يثرب لتزور قبر زوجها عبد الله  وكانت معهم ، وفي طريق عودتهم من يثرب ، ماتت أمه آمنة بالأبواء ، فقامت أم أيمن على حضانتِه  تَحنو عليه حنوَّ الأب والأم معًا. وبرجعتها من يثرب  انتقلت مع انتقال حضانة الطفل اليتيم إلى دار جده عبدالمطلب، وبعد وفاة الجد انتقلت مع الطفل اليتيم إلى دار عمه أبي طالب دون غيره من الأعمام، مع كونهم أيسر منه حالاً؛ وذلك لأنه كان شقيقًا لعبدالله والد الرسول إذ أمهما فاطمة بنت عمر بن عائذ، إضافة إلى كونه القائم مقام المطلب في قريش ‏بعد وفاته .‏
رسول الله يعتقها ويزوجها عبيد الله بن زيد الحارثي:ـ 

انتقلت أم ايمن مع الرسول الكريم إلى بيت السيدة خديجة ، بيت الزوجية حين تزوج السيدة خديجة رضي الله عنها ، ولم يرض أن تظل هي جاريةً له، فأعتقها في يوم زواجه؛ لتحس معه بالفرحة، وتكون حاضرةً بوصفها أمه بحق وهي حرة مختارة، ورأت خديجة حب زوجها لبركة، فأكرمتها، بل تكفلت بتجهيزها عندما تقدم إليها عبيد بن زيد من بني الحارث بن الخزرج،، فعاشت معه ما شاء الله أن تعيش في مكة، ثم رحلَت معه إلى بلده يثرب، وأقامت فيها ورُزقت فيها منه بولدها أيمن رضي الله عنه ، حتى إذا مات أبو أيمن عادت إلى مكة ومعَها ولدها أيمن ونزلت عند رسول الله ، وأقامت في جواره الكريم بعد مات عنها زوجها .
زواجها من زيد بن الحارثة:ـ 
وقد أهمَّه   من أمرها ما يهم ولي الأمر من أمر من يقوم عليهن من بناته ، وأراد لها أن تتزوج وتنعم بحياة زوجية ناعمة هي وابنها أيمن ، فقال  لأصحابه: ( مَن سرَّه أن يتزوج امرأةً مِن أهل الجنة فليتزوَّج أم أيمن) رواه السيوطي – ضعيف ، وكثيرًا ما كان الرسول يقول: ( أم أيمن أمي بعد أمي) السلسلة الضعيفة ، فذلك كان حري به أن يسعى في راحتِها، وأن يعمل لإسعادِها في ظلِّ زوج كريم، وقد تحقَّق له ذلك بفضل الله فتزوَّجها زيد بن حارثة حب رسول الله بعد انفصاله عن زينب بنت جحش زوجته الأولى، وولدت له أسامة بن زيد بن الحارثة، الحب بن الحب ، في السنة السابعة للنبوة ، قبل الهجرة .
نشأ أسامة بن زيد وتربى رضي الله عنه في أحضان الإسلام ، وكان رضي الله عنه قريبًا جدًّا من بيت النبوة، وملازمًا دائمًا للنبي ؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كنت رديف رسول الله (أي كان يركب خلفه) بعرفات، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها. قال: فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى.
 وقد كان تأثره شديدًا برسول الله ، وكان النبي يحبه حبًّا شديدًا؛ ففي البخاري بسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنه حدَّث عن النبي أنه كان يأخذه والحسن رضي الله عنه فيقول: «اللهم أحبهما؛ فإني أحبهما».
 بل وكان النبي يأمر بحبِّ أسامة بن زيد رضي الله عنه؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول الله يقول: «من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة». وكان نقش خاتم أسامة بن زيد رضي الله عنه: (حِبّ رسول الله ). وقد زوّجه النبي وهو ابن خمس عشرة سنة.

ابنها أسامة بن زيد القائد الشاب البطل:
وقد استشهد زيد بن حارثة رضي الله عنه زوج أم أيمن ووالد أسامة في مُؤْتة وقد كان فيها القائد الثاني ، ففي هذه الأسرة المؤمنة المجاهدة نشأ هذا القائد الفارس وتربى على معاني الجهاد والدفاع عن الإسلام؛ مما جعل رسول الله يوليه إمارة الجيش الإسلامي  في غزو الروم ، وهو في الثامنة عشرة من عمره وفي الجيش كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وأصحاب السبق في الإسلام. وقال له: «يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، فأغر صباحًا على أهل أُبْنَى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع». ثم عقد الرسول لأسامة اللواء، ثم قال: «امض على اسم الله».
 وقد اعترض بعض الصحابة على استعمال هذا الغلام على المهاجرين الأولين، ولما علم رسول الله بذلك، غضب غضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة – وكان في مرض موته ﷺ،  ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيرًا؛ فإنه من خياركم».
وقد تأخر خروج هذا الجيش بسبب مرض النبي ، ولما كان في آخر ايامه أمرهم بإنفاذ بعث أسامة رضي الله عنه. ولم يسير الجيش إلا بعد وفاته  في العام العاشر للهجرة،  ومشَى في ركابه خليفة الرسول أبو بكر رضي الله عنه ولما قال له القائد أسامة: يا خليفة رسول الله إما أن أنزل أو تركَب، قال له: والله لا نزلتَ ولا ركبْتُ، وما ضرَّني أن أغبِّر قدمي ساعةً في سبيل الله.
أنجبَتْ بركة الحبشية أسامة القائد الذي انتَصر على الروم وأخَذ بثأر أبيه مِن قاتلِه في موقعة مؤتة سنة 8 هـ، كما أنجبت أيمن الذي ثبت كما ثبَت أخوه أسامة مع رسول الله في غزوة حُنَين التي حدثَت في 10 شوال سنة 8 هـ.
 أم أيمن وملازمتها لرسول الله ﷺ:ـ

أن أم أيمن لازمت الرسول  طيلة حياته، ولم تفارقه إلا حين سبق بناته وزوجه سودة بنت زمعة إلى المدينة مهاجرًا، وعن هجرتها إلى المدينة تقول عائشة : ( لما هاجر رسول الله خلفنا وخلف بناته، فلما استقرَّ بعث زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظَّهر، وبعث أبو بكر معهما عبدالله بن أريقط ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يحمل أمي أم رومان، وأنا وأختي أَسْمَاء، فخرجوا مصطحبين، وكان طلحة يريد الهجرة فسار معهم، وخرج زيد وأبو رافع بفاطِمَة وأم كُلْثُوم وسودة بِنْت زمعة، زوج النبي وأم أيمن، فقدمنا المدينة والنبِي يبني مسجده وأبياتًا حول المسجد، فأنزل فيها أهله‏"؛ أخرجها الثلاثة

وكان رسول الله يزورها في بيتها :

وأما بعد زواجها، فما كان ليدعها تنتقل إلى بيت الزوجية دون زيارتها يدل على هذا ما رواه أنس بن مالك  رضي الله عنه  فيقول: ( ذهبت مع النبي إلى أم أيمن نزورها، فقربتْ له طعامًا أو شرابًا، فإما كان صائمًا، وإما لم يرده، فجعلت تخاصمه؛ أي: كُلْ)؛ رواه مسلم، وفي رواية: فأقبلت تضاحكه وكان الرسول يبتسم لتصرفاتها ويهش لها.
حتى بعد زواجه من السيدة عائشة لم ينقطع عنها ولم تنقطع عنه وذلك فيما روته السيدة عائشة أم المؤمنين  رضي الله عنها: ( شرب رسول الله يومًا وأم أيمن عنده، فقالت: يا رسول الله اسقني، فقلتُ لها: ألرسول الله تقولين هذا؟، قالت: ما خدمته أكثر، فقال النبي  ( صدقت ) فسقاها.

أما هي فكان لها شأنها في الإسلام: 
ولما أقام الرسول الأكرم بالمدينة المنورة لازمَته، ولما أمَر بالجهاد كانت معه في غزواته تقوم بما يقوم به النساء فكانت تطوف بالجرحى تُضمِّد جراحَهم وتُذهِب آلامهم، وتسقي العطشى، كانت مع رسول الله في غزوة أحد التي حدَثت في شوال سنة 3 هـ  ذات أثر لا يُنسى، ويدٍ لا تُنكَر، وكان لها في غزوة خيبر التي وقعت في شهر المحرم سنة 9 هـ العمل الجليل الذي ملأتْ به نفوس المَكلومين أملاً ورجاءً وحنُوًّا، وفي غزوة حُنين التي كانت في 10 شوال سنة 8 هـ الأثر الخالد والدعاء الصادق والرجاء الحارّ في ربها، رآها الرسول وهي تدعو ربها بلغتِها الأعجميَّة فتقول: "سبت الله أقدامكم"، فيقول لها الرسول مُداعبًا: ( اسكتي يا أم أيمن فإنك عسراء اللسان)
وفي هذه الغزوة قتل ابنها أيمن ، ولقد أنساها قتْلَ ابنِها ما أتمَّ الله به نعمته على نبيِّه آخِر هذه الغزوة، وهوَّن عليها فقدَه  بقاءُ رسول الله لها، فلقد عاش رسول الله، وما زال يُناديها: (يا أمه، يا أمه)  كلما رآها وتحدَّث إليها.
بعد أن رجَعت مِن غزوة حُنين إلى المدينة النبوية، ولم يَذكُر التاريخ خروجها في غزوة مِن الغزوات الباقيَة، ويظهر أنها أقامَت لا تَبرَح المدينة؛ بعد أن كبرت في السنِّ ، وفقدت زوجها وابنها ، فلم يبق لها بعد الله ورسوله إلا ابنها أسامة.
وكان الرسول يُمازِحها كي يُدخل على نفسها الحزينة بعض الفرح؛ سألته مرَّة أن يَحمِلها على دابة ، فقال لها: (لا أحملك إلا على ولد الناقة) ، فتقول له: إنه لا يُطيقني ولا أريده، فيقول مُتضاحِكًا:  (لا أحملك إلا على ولد الناقة) ، وبَقيتْ في جوار الرسول تنعَم بحبِّه وعَطفِه ويَسعى إليها ليَزورها حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، فبكته كثيرا، بكت لفقد الإبن الحيب.

خليفة رسول الله أبو بكر وصاحبه عمر بن الخطاب يزورانها:

تحدث التاريخ أن الرسول - لما انتَقل إلى الرفيق الأعلى قال أبو بكْر لعُمر رضي الله عنهما:  سِرْ بِنا إلى أم أيمن؛ نَزورها كما كان رسول الله يَزورها، فلما رأَتهما بكَتْ، فقالا لها: ما يُبكيك؟! فقالت: ما أبكيه إني لأعلم أن رسول الله قد صار إلى خَيرٍ مما كان فيه، ولكني أبكي لخبَر السماء انقطَع عنَّا، فهيَّجَتهما على البكاء، فجعَلا يَبكيان معها.
 ومات خليفة الرسول أبو بكر  رضي الله عنه  وهي تعيش لعبادتها طائعة لربها، ورأت عمر وقد تولى الخلافة الإسلامية وأقبلت الدنيا على المسلمين في عهده، واتَّسعَت فتوحاته، ودوى صوت الإسلام في الدنيا، وأصبح الإسلام يَسير مِن نصْر إلى نصر، ويَنتقِل مِن ظفَر إلى ظَفر، ولحق عمر بمحمد وصحبِه، ولما بلَغها موته بكتْ، فقيل لها: ما يُبكيك؟! قالت: "الآن وهى الإسلام".
وفاتها رضي الله عنها :
ولم يمضِ على موت عُمر إلا بعض الوقت حتى لحقتْ به ولَحقتْ بأحبابها محمد وأصحابه في خلافة عثمان سنة 24 هـ ، وبذلك انطَفأ السِّراج، وانتقَلت إلى جوار الله مع الصدِّيقين والصالِحين.


1 comment: