Saturday 15 February 2014

تدبر آيات من القرآن العظيم - من الحزب التاسع - ج 1 - سورة النساء - إن الله لا يظلم مثقال ذرة





الحزب التاسع  ج 1– سورة النساء – إن الله لا يظلم مثقال ذرة، ويضاعف الحسنات
قال تعالى :
( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّ‌ةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرً‌ا عَظِيمًا ) النساء 40

تفسير مجمل :
( إن الله لا يظلم ) أحدا (مثقال ) وزن (ذرَّة ) أصغر نملة ، النمل الأحمر ، بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته (وإن تك ) الذرة ( حسنة )  من مؤمن وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( يضاعفها ) من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة يضعفها بالتشديد ( ويؤت من لدنه ) من عنده مع المضاعفة ( أجرا عظيما ) لا يقدِّره أحد.

شرح وفوائد من الآية :
وقد تقدم عن ابن عباس وابن مسعود : أن هذه الآية إحدى الآيات التي هي خير مما طلعت عليه الشمس.
-     ففي هذه الآية من عدل الله وفضله وكرمه على عباده أنه لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة، بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها.
 فالذرة : النملة الحمراء؛ عن ابن عباس وغيره، وهي أصغر النمل.
ويحكى أن رجلا وضع خبزا حتى علاه الذر مقدار ما يستره ثم وزنه فلم يزد على وزن الخبز شيئا.والذرة  في الجملة عبارة عن أقل الأشياء وأصغرها.
 وفي صحيح مسلم عن أنس قال : قال رسول الله : (إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)
(يضاعفها)  معناه يجعله أضعافا كثيرة، "ويضّعفها" بالتشديد يجعلها ضعفين. (من لدنه) : من عنده ، وقال سيبويه في لدن : إنه الموضع الذي هو أول الغاية.
( أجرا عظيما)  يعني الجنة.
-     عدل الله وفضله وكرمه على عباده كما يخبر جلَّ ثناؤه عباده به بأنه سيوفيهم أجورهم، ولا يظلم خلقه يوم القيامة مثقال حبة خردل، ولا مثقال ذرة بل يوفيها له ويضاعفها له إن كانت حسنة، كما قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْ‌دَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ)الأنبياء 47، وقال تعالى مخبراً عن لقمان: أنه قال: ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْ‌دَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَ‌ةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْ‌ضِ يَأْتِ بِهَا الله ) لقمان 16، وقال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّ‌ةٍ خَيْرً‌ا يَرَ‌هُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّ‌ةٍ شَرًّ‌ا يَرَ‌هُ)  (الزلزلة 7-8 ).
-     المؤمنون يوم القيامة يشفع بعضهم لبعض :
ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله في حديث الشفاعة الطويل، وفيه: (حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول جل وعز أرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا)، ثم يقول أبو سعيد: اقرأوا إن شئتم (  إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) النساء 40
-     من فضله سبحانه أنه يغفر من حقه على عباده ما يشاء ، ولا يغفر من حقوق الناس شيء : 
ففي ما رواه ابن أبي حاتم،عن عبد اللّه بن مسعود قال: (يؤتى بالعبد أو الأمة يوم القيامة فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يكون لها الحق على أبيها أو أمها أو أخيها أو زوجها، ثم قرأ: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ‌ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) ( المؤمنون 101)، فيغفر الله من حقه ما يشاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئاً)
-     الناس يستوفي بعضهم من بعض حقوقهم حتى قد تفنى حسنات بعضهم ، وترمى سيئات من له عليه ومظلمة عليه :
 ويستدل على ذلك من بقية حديث ابن مسعود قال: ( فينصب للناس)  اي العبد (  فيقول إئتوا إلى الناس حقوقهم، فيقول: يا رب فنيت الدنيا من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته، فإن كان ولياً لله ففضل له مثقال ذرة ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة، ثم قرأ علينا: ( إن اللّه لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) ، وإن كان عبداً شقياً. قال الملك: رب فنيت حسناته وبقي طالبون كثير، فيقول: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صكوا له صكاً إلى النار)  ورواه ابن جرير ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح.

-     ما جزاء حسنات يفعلها الكافر في الدنيا ؟
 وروي عن سعيد بن جبير في قوله: ( وإن تك حسنة يضاعفها) قال:  فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة ولا يخرج من النار أبداً.
 وقد يستدل له بالحديث الصحيح: أن العباس قال : يا رسول الله: إن عمك أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيء؟ قال: ( نعم هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) وقد يكون هذا خاصاً بأبي طالب من دون الكفار، بدليل ما رواه أنس أن رسول الله قال: (إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة) (أخرجه مسلم من حديث أنَس)

نسألُ اللهَ رضاهُ والجنة

No comments:

Post a Comment