Thursday 6 February 2014

شرح حديث نبوي شريف -4- حلاوة الإيمان




حديث ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان )

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).رواه البخاري

شرح الحديث:

-  قوله (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان): أي ثلاث خصال، (وكن فيه) أي كن مجتمعة فيه

-  معنى ( حلاوة الإيمان ): قال النووي: استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في رضى الله عزوجل ورسوله ، وإيثار ذلك على عرض الدنيا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : أخبر النبي أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبة له، فمن أحب شيئاً واشتهاه إذا حصل له مراده فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك المحبوب أو المشتهى، قال: فحلاوة الإيمان المتضمنة للّذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله، وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة وتفريعها ودفع ضدها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما، قال: وتفريعها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، قال: ودفع ضدها أن يكره ضد الإيمان كما يكره أن يقذف في النار. انتهى.

- قوله (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما): ومن علامات محبة العبد ربه سبحانه وتعالى محبة  طاعته وترك مخالفته فالمحب لمن أحب مطيع ، ومن علامات محبته أن يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله ، ومن لوازم محبة الله أيضاً محبة أهل طاعته كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده، فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان.

ومن علامات محبة الرسول نصر دينه بالقول والفعل والذَّب عن شريعته ، وفعل سنته ، وومتابعته في أفعاله ، وامتثال أمره وترك نهيه، كما قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)، والتخلق بأخلاقه ، وحب أصحابه ومن آمن من قومه وأهله وذريته ، وأن يعلم أن حق الرسول عليه آكد من أبيه وأمه وزوجه وذريته لأن الهدى جاء على لسانه ﷺ،
 ولا بد أن يعلم أن محبة الرسول من لوازم محبة الله، فمن أحب الله وأطاعه أحب الرسول وأطاعه ومن لا فلا ، كما في آية المحنة ، وآية المحنة هي قوله تعالى في سورة آل عمران: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)،وتسمى كذلك كما قال بعض السلف: ادعى قوم محبة الله فأنزل الله تعالى آية المحنة: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)، إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها، فدليلها وعلامتها: اتباع الرسول ﷺ، ، وفائدتها محبة المرسل لكم، فمن لم يتابعه ﷺ،  فما أحبه ، وبالتالي فمحبة الرسول  له منتفية.
وإذا أراد الإنسان أن يقف يقيناً على مقدار ما في قلبه من المحبة لله ورسوله ، فليعرض أقواله وأفعاله على كتاب الله وسنة رسوله ، فإن وافقت الشرع المحمدي كان ذلك دليلاً على صدق المحبة، وإن خالفته دلَّ على أن دعوى المحبة كاذبة.

-  قوله : (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما): قد دلَّ القرآن العزيز على ما ثبت في هذا الحديث مع الوعيد لمن أخل بذلك، وذلك في قوله تعالى: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24 التوبة)

- قوله (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله): وذلك من لوازم محبة الله تعالى، قال شارح الطحاوية: (فمحبة رسل الله وأنبيائه وعباده المؤمنين من محبة الله، فإن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق لمحبوبه في كل حال، والله يحب المحسنين ويحب المتقين ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ونحن نحب من أحبه الله، والله لا يحب الخائنين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المستكبرين، ونحن لا نحبهم أيضاً، ونبغضهم موافقة له سبحانه وتعالى، فالمحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه وولايته وعداوته ) انتهى.

-  قوله (وأن يكره أن يعود في الكفر): قال الحافظ ابن حجر: فإن قيل فلم عدى العود (بفي) ولم يعد (بإلى)؟ فالجواب: أنه ضمنه معنى الاستقرار، وكأنه قال: يستقر فيه، ومثله قوله تعالى: ( وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا ).

من فقه الحديث، وما يستنبط منه:

- وجوب تقديم محبة الله ورسوله على كل ما سواهما.
- أن للإيمان حلاوة يجدها من وجدت فيه الخصال الثلاث المذكورة في الحديث.
- أن من لوازم محبة الله: الحب في الله والبغض في الله.
- أن الوقوع في نار الدنيا أحب إلى العبد المؤمن حقاً من العود في الكفر لأنه يؤدي إلى دخول نار الآخرة والخلود فيها.
-  في الحديث دليل على تفاضل الناس في الإيمان، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وذلك أن من وجدت فيه الخصال الثلاث وجد حلاوة الإيمان بخلاف غيره.

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك ، وحب كل عمل يقربنا إليك
اللهم اجعل حبك أحب ألينا من الماء البارد على العطش

No comments:

Post a Comment