Tuesday 11 February 2014

شرح أحاديث الأربعين النووية - الحديث العاشر - إجابة الدعاء وموانعه







 
الحديث العاشر


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
  ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى:ـ
 (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) ( سورة المؤمنون 51 )
وقال تعالى:ـ
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ( سورة البقرة 172 )
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ) رواه مسلم  
 
شرح الحديث :

إن الله طيب : الله -جل وعلا- مقدس منزه عن العيوب والنقائص.
لا يقبل إلا طيباً:ـ لا يقبل ما كان بضد ذلك، لا من الأعمال، ولا من الأقوال، ولا من الاعتقادات.
 
لكن هل يسمى الله بالطيب؟  محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من أثبت الطيب في الأسماء الحسنى، ومنهم من قال: إن هذا على سبيل الخبر، وسبيل الإخبار أوسع من باب التسمية والوصف كما هو معلوم   
( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً)
 حذف المفعول للتعميم؛( لم يقل ما هو الطيب الذي يقبله )  ليسرح الذهن في كل مسرح مما يمكن أن يوصف بأنه طيب فيقبله الله  جل وعلا، أو ما كان بضده من الخبيث فإن الله تعالى لا يقبله
ما المقصود بالطيب ؟
لا يقبل من الاعتقادات إلا الطيب، وهو ما دلت عليه النصوص، نصوص الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة، ولا يقبل من الأعمال إلا ما دل عليه الدليل، ولا يقبل من الأقوال إلا الكلم الطيب، ولا يقبل من التصرفات من صدقات وغيرها إلا ما كان طيباً في مورده ومصرفه، لا يقبل إلا طيباً
( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ) البقرة 267
 ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) الأعراف 157
اما الخبائث:ـ  إما ان تكون :  من محرمات ، أوالرديء فهو خبيث، ولو لم يكن محرماً، يعني النفقة بالمال الرديء ، لو قدر أن عندك تمر من النوع الجيد، وتمر من النوع الرديء. واحتبست الجيد لنفسك ولأولادك وتصدقت بالرديء هذا ، تكون صدقة لها أجرها لكن بقدرها .
 ولكن من يحب أن ينال الطيب ينفق من طيب ما عنده ، قال تعالى :
( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ( آل عمران 92 )
 يعني لن تنالوا كمال البر ، والخير والثواب إلا بهذا ، واما إن كانت الصدقة بالأقل جودة ، فهي مقبولة  إن شاء الله تعالى ، ولكن الثواب بقدرها .
الطيب يقابله الخبيث، الطيب الحلال والخبيث الحرام في قوله جل وعلا
 ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) الأعراف 157
فالمحرمات كلها خبائث، والله لا يقبل إلا طيباً ، فالإنفاق من المحرمات مردود ، غير مقبول  
الفرق في نفي القبول في هذه الأحاديث :

ـقوله ﷺ: (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) ، ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )
في الحديثين،النفي هو نفي للصحة ، لأن النفي عاد إلى شرط،، لأن الوضوء شرط من شروط الصلاة ، وفي الثاني: ستر العورة شرط من شروط الصلاة    والشرط مؤثر في العمل، فانتفاء الشرط سبب في ألا يقبل العمل.
وأما في قوله ﷺ:
 (لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)  أو (لا يقبل صلاة عبد آبق)
 هنا نفى الثواب المرتب على العبادة، النفي هنا لم يعد إلى شرط، فالعمل مقبول ، ويسقط عن فاعله فريضيته ، ومن هذا قوله -جل وعلا
 ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)سورة المائدة 27
يعني الثواب المرتب على عباداتهم في مقابل معاصيهم لا يترتب عليها ثوابها، كما هو مقرر، ولم يقل أحد من أهل العلم، أن الفساق يؤمرون بإعادة العبادات لأن عباداتهم غير صحيحة، عباداتهم صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، لكن النظر في الثواب المرتب عليها.

وقوله في الحيث : ( ثم ذكر الرجل ) ذكر النبي عليه الرجل:
( يطيل السفر )  وإطالة السفر، السفر في الجملة مظنة لإجابة الدعوة،
( أشعث أغبر ):ـ منكسر القلب غير مترفع ولا متكبر،لما خرج  النبي ﷺ: لصلاة الاستسقاء خرج   متواضعاً متذللاً متخشعاً متضرعاً؛ ليكون أدعى إلى إجابة الدعوة ،
( أشعث أغبر ) لأن الإنسان لا شك أنه يتأثر إذا لبس الجديد، أو ركب الفاخر الفاره، أو سكن المسكن الواسع الجميل، لا شك أن نفسيته تتأثر، بينما إذا لبس الوسط لا يقال: يلبس الرديء الخلق بحيث يزدريه الناس، لا، يتوسط في أمورة. 

 ( يمد يديه إلى السماء)
 ورفع اليدين في الدعاء : جاء في أكثر من مائة حديث، وجُمع فيه أجزاء لأهل العلم، أجزاء في رفع اليدين في الدعاء وهذا هو الأصل ما لم يكن في عبادة، فإن العبادة تؤدى كما جاءت عن القدوة ﷺ: الصلاة  فقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي)
 فلا يرفع يديه في الصلاة إلا فيما جاء فيه الرفع، لا يرفع يديه في الخطبة إلا فيما جاء فيه الرفع وهكذا، أما ما عدا ذلك فالأصل في الدعاء رفع اليدين
( يمد يديه إلى السماء)  والله جل وعلا يستحيي أن يرد يدي عبده إذا رفعهما إليه صفراً. أي خاويتين .

 من أسباب إجابة الدعوة  قوله : ( يا رب يا رب ) والدعاء بـ( يا رب)  
جاء في أكثر الأدعية القرآنية، يا رب، ربنا، وجاء في خواتم سورة آل عمران في العشر الآيات الأخيرة منها تكرار ربنا خمس مرات، حتى قال جمع من أهل العلم أن الإنسان إذا ضمن دعاءه المصدَّر بربنا، أو يا رب خمس مرات فإنه حري بالإجابة؛ لأنه لما تمت الخمس قال الله  جل وعلا:ـ  
( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)  آل عمران 195
فاستعمال هذا الاسم من أسماء الله  جل وعلا  من أسباب الإجابة.
فذكر النبي كل أسباب إجابة الدعاء وهي :ـ يطيل السفر، وأشعث، ويمد يديه إلى السماء، ويستعمل هذه الصيغة: يا رب يا رب.

ولكن المانع من قبوله هنا هو :.

(ومطعمه حرام)
 المانع من قبول الدعاء هو في كسبه؛  لا يتورع عما حرم الله  جل وعلا ، في ما يأكله لا يتورع في أكل ما حرم  عليه، أو شرب ما حرم عليه.  (مطعمه حرام، ومشربه حرام)
  هذه موانع أي الحرام محيط به، محدق به من كل وجه، في باطنه وظاهره  
( وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)
 استخدم لفط ( فأني ) معناه:ـ استبعاد  ( أنى يستجاب له)
 وهو مجرد استبعاد لا استحالة، لا ييأس المسلم من دعاء الله -جل وعلا-  
لأنه يستحب للمسلم أن يدعو الله -جل وعلا- أن ينفي عنه وأن يبعده عن هذه الموانع، وقد أجاب الله -جل وعلا- دعوة شر الخلق وهو إبليس، أجاب الله دعوته، فليس هنا استحالة لإجابة الدعاء، وإنما هو استبعاد ، فقد قال تعالى :ـ
 (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)غافر 60

بهذا نعرف خطأ من يقول: لا ندعوا الله لأننا مقصرين في طاعته ، ونعمل بالمعاصي ، فكيف يستجاب لنا ، ويقول عمن يدعو وهو غارق في المعاصي أن  دعاءه  هو استهزاء ، واستخفاف بأمر الله ،  وكأنه يقول : نتخوض في الحرام من كل وجه، ثم بعد ذلك ندعو !!
ومن يقول وقد دعونا ودعونا من قبل فلم نجد إجابة، فقوله هذا هو الاستحسار دعوت دعوت فلم أر يستجاب لي ،فيستحسر عن الدعاء .
 الأمر الثاني: أنه استبعاد واستحالة لما عند الله  جل وعلا :أي يستبعد أن يجاب له ، ويعتقد أنه من المحال أن يعطى ما سال .
قال سعد: يا رسول الله ؛ ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، قال ( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )  
فالمطعم له شأن عظيم في إجابة الدعوة، فعلى الإنسان المسلم أن يسعى لانتفاء موانع إجابة الدعوة ، فيبدأ بإصلاح نفسه قبل غيره .
 
وعرفنا أن هذا مجرد استبعاد لوجود الموانع، وقد يغلب السبب المانع، وقد يغلب المانع السبب ،  فلا يستجاب له حينئذٍ، والله جل وعلا  يبتلي عباده، فقد يستجيب لهم فوراً حتى مع انتفاء الموانع قد لا يستجاب للإنسان في ظاهر الأمر؛ لأنه ما من دعوة يدعو بها مسلم يعني بغض النظر عن وجود الموانع إلا أنه إما أن يستجاب له بما طلب، أو يدفع عنه من الشر مقدار ما طلب أو أعظم، وقد تدخر له هذه الدعوة إلى وقت هو أحوج بها منه إلى هذا الوقت.
من شرح  أحاديث الأربعين النووية للشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله تعالى   بتصرف

اللهم إنّا نسألك علما  نافعا وقلوبا خاشعة  وألسنة ذاكرة ، ودعاءً مستجابا يا رب العالمين


No comments:

Post a Comment