Sunday 9 February 2014

تدبر أيات من القرآن العظيم - الحزب السابع - اتقوا الله حق تقاته ، واعتصموا بحل الله




 تدبر آيات من القرآن العظيم –
في الحزب السابع من القرآن العظيم آيات أنرلها الله علينا لتكون لنا دستورا ، وهداية نعمل بها ، أن لا نغفل عنها  طرفة عين ، فإننا إذ لم نعبأ بها هذه الأيام ، ولم نجعلها دستور حياتنا تكالبت علينا الأمم، وأصابنا الوهن والفتور ، امرنا بتقوى الله حق تقاته ، فقصرنا معتذرين بعدم الإستطاعة ، وجعلنا أكثر ما نردد ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ونحملها زيادة عن ما أنزلت به.
وأمرنا أن نعتصم بحبل الله وقرآنه العظيم ونجعله دستورنا ، فحرصنا على اقتنائه وقراءته في المواسم  والمناسبات، تركنا تدبره والعمل بما جاء به من النور المبين ، ولم نعمل على أن يكون نبراسنا في حياتنا ، فالله الهادي
تعالوا معي نحيى هذه الآيات في قلوبنا ، ونتدبرها فتكون لنا نورا يضيء طريقنا عند كل أعمالنا ، وفي مسالك حياتنا :ـ
   
قال تعالى:  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران 102-103)

مجمل شرح الآيات :

يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، واعملوا بشرعه، خافوا الله حق خوفه: وذلك بأن يطاع فلا يُعصى، ويُشكَر فلا يكفر، ويُذكَر فلا ينسى، وداوموا على تمسككم بإسلامكم إلى آخر حياتكم؛ لتلقوا الله وأنتم عليه.
وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم أيها المؤمنون  قبل الإسلام أعداء، فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله، وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض، فأصبحتم بنعمته وفضله إخوانا متحابين، وكنتم على حافة نار جهنم، فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم؛ لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها، فلا تضلوا عنها. (تفسير السعدي)

في تفسير ابن كثير رحمه الله:قال عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله : ( ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ): (أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى ) وروي عن أنس أنه قال: لا يتقي العبدُ اللّهَ حق تقاته حتى يخزن لسانه. وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية، والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم والسدي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ( فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ) وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ( ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) قال: لم تنسخ، ولكن ( حَقَّ تُقَاتِهِ ) أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وقوله تعالى: ( وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) أي: حافظوا على إسلامكم وإيمانكم وزكوه ونموه في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذاً بالله من خلاف ذلك.وهو كما كان دعاء نبي الله يوسف عليه السلام : (فَاطِرَ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ‌ةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف 101، وعن مجاهد قال: أن الناس كانوا يطوفون بالبيت، وابن عباس جالس معه محجن، فقال: قال رسول الله : (" يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "، ولو أن قطرة من الزقوم قُطِرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم؟ ) وهكذا رواه الترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح
وقال الإمام أحمد: عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ( من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس ما يُحب أن يُؤتى إليه ) وقال الإمام أحمد عن جابر، قال: سمعت رسول الله يقول قبل موته بثلاث: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل ) ورواه مسلم من طريق الأعمش به. وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: ( إن الله قال: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله )، وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين ، وقال الحافظ أبو بكر البزار: عن عن أنس، قال: كان رجل من الأنصار مريضاً، فجاءه النبي يعوده، فوافقه في السوق، فسلم عليه، فقال له: ( كيف أنت يا فلان ) ؟ قال: بخير يا رسول الله، أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله :( لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف ) ، هكذا رواه الترمذي ثم قال: غريب.

تعقيب : 

نقول إن هذا القدر من التقوى هو حق الله على العباد ، أن يتقى حق التقوى ، ولكن هل الإنسان بما فطر عليه من حب الشهوات يقدر على ذلك ؟  قد علم الله أنه لا يقدر عليها إلا نبي مرسل معصوم
ولكن إذا لم يقدر الإنسان على الواجب عليه ، هل يتركه ويقول إنما أنا بشر !! لا ؛  فإن ما لا يدرك كله ، لا يترك جله ،[ هذه قاعدة شرعية  تعني إن اي شيء لا يستطيع الإنسان فعله كله ، لا يتركه كلياً لذلك ، بل يفعل ما يقدر عليه منه ] ولذلك قال تعالى :ـ
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (التغابن: 16 )ـ
فبين لنا القدر الواجب من التقوى ، وهو ما دخل تحت الإستطاعة البشرية ، والله يعلم مدى مقدرة العبد ، وما لا يقدر، فكل ما كلف من التكاليف الواجبة ، من صلاة وصيام وزكاة ، ومحاسن الأخلاق ، وأصول المعاملات ، وغض البصر والإلتزام باللباس الشرعي ، وحفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب ... ، كل ذلك يدخل في المستطاع ، فـ( لا يكلف الله نفساإلا وسعها )( البقرة 2286)، وما كلف الله تعالى واجبا إلا بالمستطاع للأنسان ـ
إن هذه القاعدة القرآنية المحكمة تدل بوضوح على أن كل واجب عجز عنه المكلف، فإنه لا يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ـ
فدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر كما يقول غير واحدٍ من أهل العلم
وقوله تعالى : ( ولا تموتن إلا ,انتم مسلمون ) هي أن يحافظ العبد المسلم على إسلامه من أن يشوبه شائبة طيلة حياته ، في حال صحته  وسلامته ، ويعمل على تقوية إيمانه ما دام قلبه ينبض ، حتى يرجى له أن يموت على ذلك ، ذلك ان المرء يموت على ما كان عليه ، ففي مسند الإمام أحمد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة  فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي الناس ما يحب أن يؤتي إليه ) ـ  
تدبر أخي / أختي كيف جمع حبيبنا بين أن يحافظ المرء على إيمانه ، ويقوي ذلك ويثبته بالعمل ، وهو أن يخالط الناس ، ويخالقهم ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به .

وقوله تعالى:( وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) قيل: ( بِحَبْلِ ٱللَّهِ ) أي: بعهد الله، كما قال في الآية بعدها:
( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ ) ( آل عمران: 112] أي: بعهد وذمة، وقيل: ( بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ ) يعني: القرآن؛ كما روى ابن مردويه،عن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: (إن هذا القرآن هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه )، وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك. وقال وكيع: حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين يقولون له: يا عبد الله هذا الطريق، هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله؛ فإن حبل الله القرآن.
وقوله سبحانه ،: ( وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع والائتلاف، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ؛ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمة، فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار، وهم الذين على ما كان عليه النبي وأصحابه.
وقوله تعالى: (وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) إلى آخر الآية، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعدواة شديدة، وضغائن ومحن، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام، فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخواناً متحابين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، قال الله تعالى: ( هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) [الأنفال: 62 ـ63] إلى آخر الآية، وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم، فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان، وقد امتن عليهم بذلك رسول الله يوم قسم غنائم حنين، فعتب من عتب منهم؛ بما فضل عليهم في القسمة، بما أراه الله، فخطبهم فقال: ( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي. وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي ) ؟ فكلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله آمنّ .
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج وذلك أن رجلاً من اليهود، مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا ونادوا بشعارهم، وطلبو أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي ، فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟) وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح رضي اللّه عنهم.
أليس هذا حالنا اليوم ؟ نصدق كل من هدفة تفريق جماعتنا ، سواء من جلدتنا ، أو من أعادائنا ، وماذا يقول فينا رسولنا الكريم إذا رآى حالنا اليوم، وما نحن عليه من الفرقة والتمزق، نهادن من هو ألد الأعداء، ومن يتربص بنا الدوائر، ونعادي أهلنا وذوينا؟  اللهم أصلح أحوال المسلمين .

اللهم اجعل خير أيامنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتيمها
 وخير أيامنا يوم نلقاك

No comments:

Post a Comment