Monday 17 February 2014

تفسير مجمل وربط للآيات وبيان المتشابهات لتثبيت الحفظ - سورة فصلت ج3









 سورة فصلت  ج3 
من الآية 40 إلى آخر السورة 

سورة فصلت كما هو من أسمها تعتنى بالعقيدة ، وخصوصا بإثبات أن القرآن هو كلام الله المعجز لغة ومعنى وعلما وتاريخيا ،المتحدى بأصغر سورة من سوره ، الذي فصله الله لعباده وبينه ووضح معانيه ، ولكن من أنزل عليهم يميلون به عن جادة الطريق ، فيتوعدهم الله بأنه عالم بهم ، وسيأخذهم بأفعالهم، لذلك تري أن الآيات التالية هي في بيان ذلك المعنى.
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ‌ خَيْرٌ‌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‌ )
يلحدون أي : يميلون عن الحق في أدلتنا التي أنزلناها في القرآن، وبيناها.
 والإلحاد  في اللغة: الميل والعدول عن الطريق المعروف أو المستقيم ، ومنه اللحد في القبر؛ لأنه أميل إلى ناحية منه. ويقال : ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل.
وفي هذه الآية  تأنيب للذين قالوا ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) وهم الذين ألحدوا في آياته ومالوا عن الحق فقالوا : ليس القرآن من عند الله، أو هو شعر أو سحر؛ أو كما كانوا يفعلون إذا سمعوا القرآن من المكاء والتصدية واللغو والغناء.  فالآيات آيات القرآن، وقوله .عزَّ وجلَّ: ( لا يخفون علينا)  فيه تهديد شديد ووعيد أكيد ذلك لأنه تعالى عالم بمن يلحد في آياته وأسمائه وصفاته، وسيجزيه على ذلك بالعقوبة والنكال، ولهذا قال تعالى: ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة) ؟ أي أيستوي هذا وهذا؟ لا يستويان، ثم قال عزَّ وجلَّ تهديداً للكفرة: ( اعملوا ما شئتم) من خير أو من شر ، فإنه سبحانه عالم بكم وبصير بأعمالكم
 ثم وعيد آكد لمن كفر بهذا القرآن وألحد فيه، قال جل جلاله: ( إن الذين كفروا بالذكر لمّا جاءهم وإنه لكتاب عزيز) والذكر هو القرآن ، لأن فيه ذكر ما يُحتاج إليه من الأحكام. والخبر محذوف تقديره هالكون أومعذبون،  فقال (وإنه لكتاب عزيز) أي منيع الجناب لا يستطيع أن يأتي أحد بمثله، كريم على الله، وأنه أعزه الله فلا يتطرق إليه باطل. وقيل : ينبغي أن يعز ويجل وألا يُلغى فيه. وقيل عزيز من الشيطان أن يبدله؛ وممتنع عن الناس أن يقولوا مثله، وكل هذه الأقوال حق.
وقوله تعالى:  ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)  أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ولا أنه سينزل من بعده ما يبطله وينسخه: ( تنزيل من حكيم حميد)أي حكيم في أقواله وأفعاله، حميد بمعنى محمود في جميع ما يأمر به وينهى عنه، ثم قال عزَّ وجلَّ: ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) أي: ما يقال لك من التكذيب إلا كما قد قيل للرسل من قبلك فكما كُذبتَ كُذبوا، وكما صبروا على أذى قومهم لهم فاصبر أنت على أذى قومك لك، أو ما يقال لك من إخلاص العبادة لله  في القرآن إلا ما قد أوحي إلى من قبلك، ولا خلاف بين الشرائع فيما يتعلق بالتوحيد ، وقوله تعالى: ( إن ربك لذو مغفرة) أي لمن تاب إليه، ( وذو عقاب أليم)  أي لمن استمر على كفره وطغيانه، وعناده وشقاقه ومخالفته. قال سعيد بن المسيب: لمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول الله : (لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحداً العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد) ""أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب مرفوعاً"".
وهؤلاء القوم مالوا بالقرآن عن الحق بالرغم من أن الله تعالى فصله وبينه ووضحه ، وأنزله بلسانهم حتى يفهموه ،كما قال في بداية السورة عنه (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)  لذلك فإنه هنا يقول لهم قوله تعالى: ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا)  أي بلغة غير العرب ( لقالوا لولا فصلت آياته)  أي بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم الأعجمية. فبين أنه أنزل بلسانهم ليتقرر به معنى الإعجاز؛ إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما ونثرا. وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من عند الله.
وإذا ثبت هذا ففيه دليل على أن القرآن عربي، وأنه نزل بلغة العرب، وأنه ليس أعجميا، وأنه إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا( قاله القرطبي ) .
وقوله تعالى: ( أأعجمي وعربي)
وفي اللغة : العجمي الذي ليس من العرب كان فصيحا أوغير فصيح، والأعجمي الذي لا يفصح في كلامه سواء كان من العرب أو من العجم، فالأعجم ضد الفصيح وهو الذي لا يبين كلامه. ويقال للحيوان غير الناطق أعجم، ومنه (صلاة النهار عجماء) أي لا يجهر فيها بالقراءة فكانت النسبة إلى الأعجم آكد، لأن الرجل العجمي الذي ليس من العرب قد يكون فصيحا بالعربية، والعربي قد يكون غير فصيح؛ فالنسبة إلى الأعجمي آكد في البيان.
 والمعنى أقرآن أعجمي، ونبي عربي؟ وهو استفهام إنكار.

توضيح قراءة:
 قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وابن ذكوان وحفص على الاستفهام أي بهمزتين، إلا أنهم لينوا الهمزة الثانية.
 قوله تعالى: ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) أعلم الله أن القرآن هدى وشفاء لكل من آمن به من الشك والريب والأوجاع. ( والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) أي صمم عن سماع القرآن. ( أولئك ينادون من مكان بعيد) وهو تعبير يقال لمن لا يفهم من المثل المضروب.
وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم : أنت تسمع من قريب. ويقال للذي لا يفهم : أنت تنادى من بعيد. أي كأنه ينادى من موضع بعيد منه فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه.
وقيل : أي من لم يتدبر القرآن صار كالأعمى الأصم، فهو ينادى من مكان بعيد فينقطع صوت المنادي عنه وهو لم يسمع. وقال علي رضي الله عنه ومجاهد : أي بعيد من قلوبهم. وفي التفسير : كأنما ينادون من السماء فلا يسمعون.
ثم يبين لنا ربنا أنه كما أنزل القرآن وقالوا فيه ما قالوا ، فكذلك كان حال من أنزل إليهم كتاب موسى ، فقال سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۗ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّ‌بِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِ‌يبٍ ) فهذه الآية هي تسلية للنبي ؛ أي لا يحزنك اختلاف قومك في كتابك، فقد اختلف من قبلهم في كتابهم، (  ولولا كلمة سبقت من ربك) أي في إمهالهم، (لقضي بينهم) أي بتعجيل العذاب. ( وإنهم لفي شك منه مريب)  اي في شك من القرآن  شديد الريبة
متشابه: هذه الآية وردت بنصها في سورة هود آية 110  

وقوله تعالى: ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) شرطان وجوابهما ، والله جل وعز مستغن عن طاعة العباد، فمن أطاع فالثواب له، ومن أساء فالعقاب عليه. ( وما ربك بظلام للعبيد) نفى الظلم عن نفسه سبحانه قليله وكثيره، وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها، وروى عن النبي عن ربه جل جلاله قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...) الحديث. وأيضا فهو الحكيم المالك، وما يفعله المالك في ملكه لا اعتراض عليه؛ إذ له التصرف في ملكه بما يريد ، ولا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه،والعذاب إنما يكون يوم القيامة ، ولذلك قال بعدها جلَّ وعلا: ( إليه يرد علم الساعة) أي لا يعلم ذلك أحد سواه، كما قال سيد البشر لجبريل عليه السلام حين سأله عن الساعة، فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).
(وما تخرج من ثمرات من أكمامها ) أي من أوعيتها، فالأكمام أوعية الثمرة، والأكمام جمع مفردها كمة:وهي كل ظرف لمال أو غيره؛ ولذلك سمي قشر الطلع أعني كفراه الذي ينشق عن الثمرة ( كمة ) ؛ قال ابن عباس : الكمة الكفرى قبل أن تنشق، فإذا انشقت فليست بكمة .
وقوله: ( وما تحمل من أنثى)  والمراد الجمع ، جميع الإناث كما قال ( ثمرات ) بالجمع ، يقول: ( إليه يرد علم الساعة)  كما يرد إليه علم الثمار والنتاج. ( ويوم يناديهم أين شركائي) أي ينادي الله المشركين اين شركائي الذين زعمتم في الدنيا أنها آلهة تشفع. ( قالوا آذناك ) قال المشركون أسمعناك وأعلمناك.
 يقال : آذن يؤذن : إذا أَعلم.
 قوله تعالى: ( ما منا من شهيد) أي نعلمك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا.فهم  لما عاينوا القيامة تبرءوا من الأصنام وتبرأت الأصنام منهم كما تقدم في غير موضع. ( وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل)  أي بطل عنهم ما كانوا يدعون في الدنيا ( وظنوا ما لهم من محيص) أي أيقنوا وعلموا أن لا فرار عن النار.
 يقال : حاص يحيص. حيصا ومحيصا إذا هرب.
قول تعالى:( لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ‌ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ‌ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ )  لا يمل الإنسان من دعاء ربه بالخير وهو المال وصحة الجسم وغير ذلك، وإن مسه الشر، وهو البلاء أو الفقر ييأس ويقنط ،أي يقع في ذهنه أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير، (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي) أي إذا أصابه خير ورزق بعد ما كان في شدة ليقولن هذا لي إني كنت أستحقه عند ربي ( وما أظن الساعة قائمة) أي يكفر بقيام الساعة، أي لأجل أنه خوّل نعمة يبطر ويفخر ويكفر،ويتمادى فيقول ( ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى) أي ولئن كان ثَمَّ معاد فليحسنن إليَّ ربي كما أحسن إليَّ في هذه الدار، يتمنى على اللّه عزَّ وجلَّ مع إساءته العمل وعدم اليقين، قال اللّه تبارك وتعالى: ( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ)  يتهدد تعالى من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنكال، ثم قال تعالى: ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه) أي أعرض عن الطاعة واستكبر عن الانقياد لأوامر اللّه عزَّ وجلَّ، ( وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ) فإذا اصابته الشدة تراه يطيل المسألة والدعاء في الشيء الواحد.
 فالكلام العريض ما طال لفظه وقل معناه، والوجيز عكسه وهو ما قل ودل.
بعد هذه الآيات تأتي نهايات السورة ، وماذا فيها ..؟ لا بد في كل سورة أن يربط ربنا بالموضوع أولها مع آخرها ، وكما أن بداية السورة – ومعظمها كذلك – يهتم بترسيخ الإيمان بالقرآن ، وأنه من عند الله سبحانه الخالق ، وأنه لا شك معجز - كما أسبقنا بجميع أنواع الإعجاز- وهكذا آخرها يقول للناس تأكيد على أن القرآن من عند الله يؤكدها ربنا أولا بسؤال تقريري ، أرأيتم إن كان من عند الله ، فكيف حالكم إذا كفرتم به ، فمن أضل منكم ، ثم يحدثنا ويعدنا كما كان الوعد لمن نزل عليهم ، انتظروا سنريكم الآيات في الكون وفي أنفسكم وأبدانكم على أن هذا القرآن من عند الله ، وصدق الله سبحانه رب الأكوان فقد رأينا وعلمنا عين اليقين ما زادنا يقينا به سبحانه ، وما نبهنا إليه في هذه السورة قليل من ذلك ( معجزة الجلود –واهتزاز الأرض وربوها) ، تعالوا لبقية السورة ، وما جاء في كتب الأثر من تفسيرها، قال تعالى :
( قُلْ أَرَ‌أَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْ‌تُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِ‌يهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَ‌بِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْ‌يَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَ‌بِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ) ( 52-54)
قوله تعالى: ( قُلْ أَرَ‌أَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْ‌تُم بِهِ)  أي قل لهم يا محمد  أرأيتم يا معشر المشركين إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به ( مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)  أي فأي الناس أضل، أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم ، فلا أحد مثلكم في  الكفر والعناد ومشاقة للحق ومسلك بعيد من الهدى.
قوله تعالى: ( سَنُرِ‌يهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ  ) أي سنظهر لهم دلالالتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند اللّه، على رسول اللّه بدلائل خارجية ( فِي الْآفَاقِ ) من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وعلى سائر الأديان. قال مجاهد والحسن والسُدِّي:  (وَفِي أَنفُسِهِمْ ) يحتمل أن يكون المراد ما الإنسان مركب منه، من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة،  وقيل : ( فِي الْآفَاقِ )  في خراب منازل الأمم الخالية (وَفِي أَنفُسِهِمْ ) بالبلايا والأمراض.
وقيل : ( فِي الْآفَاقِ )  يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها. وهذا ما رأيناه حقا وصدقا .
وفي الصحاح : الآفاق النواحي، واحدها أفق وأفق مثل عسر وعسر، ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء : إذا كان من آفاق الأرض. حكاه أبو نصر. وبعضهم يقول : أفقي بضمها وهو القياس.
(وَفِي أَنفُسِهِمْ ) لييريهم تحقيق أنه من عند الله مما يكتشفوه من لطيف الصنعة في أنفسهم وبديع الحكمة في كل جزء منه،في أطوار خلقه وهو جنين، ثم اتقان كل عضو فيه عمله مما يعجز العقل أن يدركه.
وقيل : المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي من الفتن وأخبار الغيب.
( حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) قالوا قد يكون المقصود بالضمير في (أَنَّهُ الْحَقُّ  ) واحد من أربعة: أحدها : أنه القرآن. الثاني : الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه. الثالث : أن ما يريهم الله ويفعل من ذلك هو الحق. الرابع : أن محمدا هو الرسول الحق، وكلها حق ، ونرجح  أنه القرآن لأن هذه السورة اهتمت بتثبيت العقيدة بالقرآن .
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَ‌بِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) : أو لم يكف بربك شاهدا على أن القرآن من عند الله. وقيل: أو لم يكف بربك أنه على كل شيء مما يفعله العبد  شهيد، والشهيد بمعنى العالم؛ أو هو من الشهادة التي هي الحضور، (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْ‌يَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَ‌بِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ) بل هم في شك من لقاء ربهم في الآخرة. أو: من البعث ، وهو سبحانه  بكل شيء محيط، أي أحاط علمه بكل شيء.  وأحاطت قدرته بكل شيء،وبجميع خلقه ،وأحصى كل شيء عددا.
وقوله (مُّحِيطٌ) : فهذا الاسم أكثر ما يجيء في معرض الوعيد، وحقيقته الإحاطة بكل شيء، واستئصال المحاط به، يقال منه : أحاط يحيط إحاطة وحيطة؛ ومن ذلك حائط الدار، يحوطها أهلها. وأحاطت الخيل بفلان : إذا أخذ مأخذا حاصرا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: ( وأحيط بثمره) (الكهف : 42) والله أعلم بصواب ذلك.
تم بحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات تفسير سورة فصلت، وربط آياتها ويبان متشابهاتها ، وأسأل الله تعالى أن يجمعها ويثبتها في قلوب جميع من يقرأ هذا التفسير ، ويجعل حفظ القرآن وتعاهده والقيام به ليلا نهارا عملا خالصا لوجهه ، مرضيا له سبحانه ومتقبلا، وفي موازين أعمالنا الصالحة ، يقودنا به إلى جنات النعيم بفضله ورحمته سبحانه ربنا العالمين

No comments:

Post a Comment